أحوال عربيةأخبار العالم

لا يمكن محاربة الفساد بأسلحة فاسدة

محمد حمد

مهما كانت النوايا صادقة، لا يمكن بأية حال من الأحوال محاربة الفساد باسلحة فاسدة عفا عليها الزمن. ويستخدمها نفس الأشخاص الذين خسروا جميع حروبهم الوهمية التي خاضوها في هذا الميدان. ولم يلحقوا اي ضرر، سوى اصابات طفيفة جدا، في جسد الفساد الضخم المترهّل.
ان معظم الحكومات العراقية المتعاقبة في السنوات الأخيرة رفعت إلى أعلى ما يمكن، خصوصا في وسائل الإعلام، شعار “محاربة الفساد”. حتى اصبح هذا الموضوع حديث الناس ” الشيّق” في البيوت والمقاهي فبل أن يكون حديث الاجهزة المختصّة. لكن وباء الفساد، وهو وباء بلا ادنى شك، ما زال يفتك بالمال العام وبثروات العراق الاخرى، وعلى عدّة مستويات. ولا تزال الحكومات، رغم التطبيل والتزمير، عاجزة عن الوصول إلى علاج فعّال يقلّل، ان لم يقضِ عليه تماما، من تفشّيه في جسد الدولة ومؤسساتها بشكل لا رجعة فيه. تكون النهاية هي موت سريري للعراق كدولة.
هناك وسائل وطرق وحلول تحاول الحكومات العرافية بلا استثناء, بالتحايل والخداع الناعم واللف والدوران، تجنّبها والابتعاد عنها قدر المستطاع. لان قوة الفاسد ومن يقف معه ويحمي ظهره لا تترك مجالات كبيرا لمؤسسات الدولة ذات الشأن في ممارسة دورها بشكل نزيه ومؤثر. فالفاسد هو جزء لا ينحزأ من المنظومة التي بُنيت عليها العملية السياسية برمتها بعد عام 2003. وهي بالتالي ثمرة “خايسة” اي فاسدة من شجرة المحاصصة الطائفية والعرقية التي زرعها ورعاها المحتل الأمريكي – الإيراني.
وفي هذا النظام الشاذ عن اي نظام آخر في العالم اصبح الوزير ممثلا تجاريا أو وكيل أعمال للحزب أو للجهة التي ينتمي اليها. وتحوّلت الوزارة تدريجيا الى ملكيّة خاصة لهذا الطرف أو ذاك. وصار الوزبر، في معظم الوزارات، يتصرّف وكأنه رئيس حكومة كامل الصلاحيات. فالوزارة هي “حصّة” له ولحزبه لا اكثر ولا اقل. شان حصص المواد الغذائية، كالسكر والرز والشاي…الخ. وهو بالتالي يعي تماما أنه في منأى عن المساءلة وبعيد عن المراقبة. وابعد ما يكون عن العقاب !
آفة الفساد تحتاج الى تظافر جهود السلطات الثلاث في العراق. والعمل بكل اخلاص ونزاهة يدا بيد، ودون النظر في عيون احد، كما يقول الناس هنا. واذا كان أحد أضلاع السلطات الثلاث (القضائية والتشريعية والتنفذية) ضعيفا ومتراخيا وتسود عمله الضبابية والغموص. فمن المستحيل تحقيق النتائج المرجوة في محاربة الفساد. لا يمكن أن يكون البرلمان بكل ما اوتي من صلاحيات، غير متماسك وغير متّحد ومتلكيء في اتخاذ القرارات الصائبة، وتكون الحككومة، في نفس الوقت قوية وصارمة في عملها. هذا أمر مستحيل. فأما أن يكون الجميع في نفس المستوى من الكفاءة والنزاهة والاخلاص في العمل وتأدية الدور بالشكل القانوني الصحيح. واما لا، فالفشل الذريع هو النهاية الحتمية لمعركة الفساد المزعومة. وهو ما حصل ويحصل منذ حوالي عشرين عامٍ خلتْ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى