أحوال عربية

دولة عميقة ودولة رشيقة واخرى صديقة

محمد حمد

توجد في عراق اليوم ثلاث دول تقريبا. لها عواصم معروفة لمن يجيد قراءة ما خلف وما بين السطور. وهذه الدول تتداخل فيما بينها وتستمد عناصر القوة والديمومة من بعضها البعض بشتى الطرق. وجميع هذه الطرق بطبيعة الحال تتخللها علامات استفهام كبيرة. وثمة سؤال يطرح نفسه دائما واحيانا بإلحاح: من الذي يحكم العراق قولا وفعلا؟
ومن اين تصدر القرارات المهمة وذات الوزن الثقيل التي تخص شؤون العملية السياسية في العراق ؟ من بغداد أو من اربيل أو من طهران. ففي مطابخ هذه المدن يتم تحضير “اكلات” السياسة العراقية الغير شهية في أغلب الأحيان. وكل واحد من هذه الأطراف الثلاثة لديه خطوط حمراء لا يتتنازل عنها قيد أنملة. ويطلب من الآخرين احترامها وعدم الاصرار على تجاوزها. والاّ فهو مستعد على التصرّف وفق المثل القائل: “لو العب لو اخرب الملعب”. والحر تكفيه الإشارة !
وبخصوص الدولة العميقة المتغلغلة في مفاصل معظم المؤسسات والهيئات الحكومية في العراق، تشير جميع الدلائل على سيطرة وكلاء إيران الذين رضعوا فيها حليب الخيانة والتبعية للاجنبي وفقدوا إلى الابد غريزة الانتماء إلى العراق. ومن الاسماء اللامعة والملمعة دائما، نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي ورهط طويل من الصف الثاني من اتباعهم. وهم يمسكون بيد من حديد وكواتم الصوت، غالبية خيوط اللعبة السياسية في بغداد. وقراراتهم وآراؤهم تتسرّب عبر أنابيب وقنوات الكتل والمكاتب الاقتصادية والسماسرة المنتشرين في كل مدينة، بألقاب ومسميات وصفات مختلفة.
ومع ذلك لا احد يعلم, بشكل مقنع ما هو عمق هذه الدولة “العميقة” التي نسمع عنها الكثير. والى اي مدى يمكن ان تصل او تؤثر او تستمر. وهل اعماق هذه الدولة مثل اعماق بحر ام مثل اعماق بئر في صحراء؟
وهناك “دولة رشيقة” لم تصل بعد إلى درجة الاعتراف الرسمي بها. ولكنها تتصرّف في الداخل والخارج وكأنها دولة كاملة الاوصاف. تديرها العوائل والأحزاب المتنفذة في إقليم كردستان العراق. وفد وصفتها بالدولة “الرشيقة” من وجهة نظر جمالية ففظ. طبعا في هذه “الدولة” لا احد يملك الشجاعة، ولو بلغة اجنبية غير مفهومة،، ليقول للسيد مسعود البارزاني “على عينك حاجب !”. فسوف تأتيه التُهم من كل فج عميق، وتهجم عليه افاعي الإعلام التابع للسلطات الحاكمة هناك. وتتم محاربته وابعاده عن المشهد السياسي نهائيا. ويعيش في عزلة وانفراد، حال البعير المعبّد.
وليس خافيا على المتابع للشأن العراقي. أن أي شيء ايجابي يحصل في بغداد من فبل الحكومة المركزية ينال منه حزب السيد البرزاني (وليس الاقلبم كما يزعمون) حصّة الاسد. واحيانا يطالب بحصّة ثلاثة اسود !
وبالتالي لا يمكن لأية حكومة اتحادية في بغداد أن تقف على قدميها لمدة ثلاثة أشهر أن لم يكن حكام “الدولة الرشيقة” في اربيل راضين عنها تماما. هذه الحقيقة مع الاسف الشديد يتجاهلها الكثير من العراقيين. .
امّا الدولة “الصديقة” فهي جارة السوء إيران. والحديث عنها وعن الويلات والمآسي والحروب التي جلبتها للعراق، وهضم حقوق وخيرات العراقيين. يطول بنا ويتسعّب كثيرا. حتى نعود إلى ما قبل الميلاد. ويكفينا في هذا الصدد ذكر المثل الشعبي الواسع الانتشار في جنوب العراق. والذي يقول: “بالوجه مرايه وبالگلب سلّايه”.
ولا ننسى بطبيعة الحال قول المتنبي فيهم:
أفعالُ من تتلِد الكرامُ كريمةٌ – وفعالُ من تلِد الاعاجمُ اعجمُ”…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى