كيف نقيم أخلاقية القوانين؟

 
نبيل عودة
 
تتخصص فلسفة القانون ببحث ودراسة مضمون القوانين. نجد تعددا في النظريات والآراء والتحاليل والاستنتاجات. من ابرز النظريات نظرية يطلق عليها اسم “القانون الأخلاقي”، ربما هذا التعبير ” الأخلاقي” سيثير امتعاضا لدى الكثيرين الذين لم يجدوا أي أخلاق بالقوانين حين تصرفوا لحماية مصالحهم، لكن القانون وجدهم مخالفين لبنوده، من هنا انتشر قول مشهور ان القوانين أحيانا كثيرة تتناقض مع المنطق البسيط للمواطن. البعض يقول ما هو أكثر تطرفا، لا منطق في القانون. القوة إلى جانب القوي ماديا، أو الذي يملك مستندات ما رغم أنها لا تقول الحقيقة. لذلك مفهوم “القانون الأخلاقي” هو مفهوم نسبي أيضا. أي لا توجد صيغة قانونية أخلاقية مطلقة.
إذن كيف نقيم أخلاقية القوانين؟
هذا الموضوع مثل غيره اشغل الفلاسفة أيضا، منذ فجر الفلسفة، أي منذ ظهور الفلسفة الإغريقية، وكان الفيلسوف العظيم أرسطو هو أول من طرح مفهوم “القانون الأخلاقي” من فهمه الفلسفي بأن هدف القوانين هو مساعدة الدول الجيدة على التطور. بالطبع التطور يحتاج إلى تنظيم العلاقات بين السلطة والمواطنين من جهة، وبين المواطنين أنفسهم من جهة أخرى.
الكثير من القوانين جاءت لتنظم المجتمع، مثلا قانون منع الضجيج. جمع براز كلبك إذا فعلها في الشارع. منع التبول في الأماكن العامة. منع صيد حيوانات تواجه خطر الانقراض. منع قطف أنواع من النباتات (الزعتر مثلا). قانون تحديد ساعات العمل. قانون الحد الأدنى للأجور. وعشرات القوانين الأخرى.
القصد من وراء هذه القوانين ليس تقييد حرية الإنسان، إنما الحفاظ على أخلاقيات يلحق الإخلال بها ضررا بسائر المواطنين.
الفيلسوف إيمانويل كانط (1724- 1804) دعا إلى وضع قوانين سماها “واجبات أخلاقية” لا تختلف بمضمونها عما استعرضناه سابقا.
فلاسفة آخرين كانت رؤيتهم ان أهمية القوانين أنها توفر واقعا هو الأفضل كثيرا لأكثرية بني البشر.
إذن كيف يمكن الملاءمة بين عمل غير قانوني وبين العقاب؟
كيف يمكن التعامل مع حقائق ظرفية؟
رجال القوانين الأخلاقية يدعون ان مستوى مرتفع من الاستقامة القضائية يمكن ان تشكل نموذجا جيدا لمجمل المواطنين.
السؤال: كيف نقرر ان حكما ما يتمتع باستقامة قضائية؟
ما هو دور العامل الذاتي في القرارات القضائية؟
هل من تأثير للدفاع أو النيابة على القرار؟ والى أي مدى؟
مثلا في الولايات المتحدة يجري انتخاب عدد من المحلفين، مهمتهم إدانة أو تبرئة المتهم. وهم على الأغلب لا يتمتعون بأي ثقافة قانونية رغم أنهم أصحاب القرار. هم ليسوا خبراء قانون. أحكامهم لا تعتمد على منطق قانوني. أي أنهم عرضة للوقوع تحت تأثير محامي الدفاع، أو ممثل النيابة، أو الشخص الذي يحاكم. أو لونه، أو جنسه أو حالته الاجتماعية؟
قرارات المحاكم مستعصية عن الفهم أحيانا… قد تناقض “القانون الأخلاقي”!!
هناك مثلا حالات ظرفية.. تواجد بالصدفة في مكان ما. امتلاك أداة مشابهة لما ارتكبت به الجريمة. تشابه بالصورة. تشابه بلون السيارة. تشابه بنمرة الحذاء. كلها حالات ظرفية، سوابق جنائية رغم ان الشخص لم يعد يغامر بارتكاب الجنح. كل هذه الظروف قد تشكل مادة صالحة للإدانة.
هذا ما حدث مع بطلة قصتنا التالية:
أداة الجريمة…!!/ قصة: نبيل عودة
لم يتوقع جميل وزوجته ان يكون صيد الأسماك من البحيرة ممنوعا . وصلا أمس إلى المدينة، قضيا ليلتهما في فندق، صباحا وصلا لشاطئ البحيرة، انزلا قاربهما الصغير إلى البحيرة، ثم لفتت زوجته انتباهه إلى إعلان كبير يحذر من صيد الأسماك من البحيرة لفترة أسبوعين.
شعر جميل بالغضب، قال لزوجته: نخطط لهذه الرحلة منذ نصف شهر، وها نحن نصل إلى البحيرة لنجد ان الصيد ممنوع.
قالت له زوجته: لا باس .. أعرف ان الصيد هوايتك المفضلة، سنقضي يومنا ونغادر المدينة مساء. قد نعود في الشهر القادم..
– لكني لا أجد مراقبين هنا..؟
– لا تغامر .. ستنشق الأرض ويظهروا مع استعمالك لصنارة الصيد.. ربما يروننا ولا نراهم. تعال نأخذ شوط سباحة..
نزلا إلى البحيرة.. كان جميل سباحا ماهرا عكس زوجته. خرجت زوجته من البحيرة جففت جسدها، أخذت كتابا، واستلقت بالقارب، جدفت مبتعدة عن الشاطئ…ثم تمددت داخل القارب وغرقت في القراءة.. بينما زوجها يمارس السباحة..
في ساعات الظهر سمعت صوت محرك لقارب غير بعيد عنها، لم يعنيها الأمر، فهي غارقة في قراءة رواية مثيرة.
شعرت ان القارب بات بلصق قاربها، التفت للقارب وكل ظنها انه شخص يتمتع بالنظر إلى جسدها.
رات شخصا بملابس رسمية، يبدو انه موظف رسمي ، قال بصوت ناشف:
– سيدتي.. لماذا تصطادين السمك في البحيرة؟
جفلت، فهي لا تصطاد رغم ان الصنارة في قاربها ، بل حتى لم تلمسها وليست من هواة الصيد أصلا.
رفعت عينيها عن صفحات الكتاب، نظرت إليه شذرا وقالت بغير اهتمام :
– ألا ترى يا جاهل أني أقرا كتابا ؟
– سأضطر لاعتقالك، أنت تخالفين الحظر المفروض على صيد السمك ؟
– لكني لا أصطاد، والقارب لا سمك فيه.. أنا أقرأ كتابا ولا أنوي الصيد .. هذه الصنارة لزوجي الذي يستلقي الآن نائما على الشاطئ.. ولن نستعملها بسبب قرار منع الصيد.
– لا أفهم .. سأضطر لاعتقالك لأنك تحملين معك في القارب أدوات الصيد.
– يا عزيزي .. كما ترى بأم عينك أنا لا أصطاد، ولا توجد معي حتى أسماك، فبأي حق تعتقلني ؟
– لأنك تحملين أدوات الصيد، هذا يعني انك تصطادين ويجب ان أعتقلك؟
– ما هذا الإصرار الغريب؟ إذا اعتقلتني سأتهمك بمحاولة اغتصابي؟
– ولكني لم أحاول ولا أفكر باغتصابك ولا أميل لاغتصاب النساء.
– بل أنت متهم بمحاولة اغتصابي ..
– كيف .. وأنا حتى لم انزل إلى قاربك؟
– أنت تهددني بأنك ستتهمني بصيد السمك إذا لم تحصل على مرادك!
– كيف ستتهمينني وأنا لم أحاول اغتصابك؟
– لأنك تحمل أدوات الاغتصاب بين ساقيك !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى