مجتمع

كيف نتخذ القرار .. الفكر الانساني وتحليل العمل

 
راوية رياض الصمادي
قام عالم النفس السويسري كارل يونغ Carl Jung بتطوير دليلي للوعي البشري، وهو مخطط شائع الاستعمال حالياً، عند التفكير بالأنواع المختلفة من المعلومات التي يتوجب علينا جمعها عن أنفسنا في حال قيامنا باتخاذ القرارات المتعلقة بالمهنة على اساس الرغبات القوية الدفينة في اعماقنا فإن هذه النظرية ستفدينا كثيراً.
لا يعدو نموذج يونغ أن يكون مخططا او أداة لإرشاد عملية التفكير هذه. وهو لا يعتبر نهائياً، بل نه مبسط نوعاً ما، كما انه شديد التجريد، وعند التعامل معه يجب ان نكون حذرين وان لا يتم تناوله بشكل محدد. من حيث الاساس، يقدم يونغ فرضية تقول ان هناك بعدين رئيسيين للوعي البشري وهما بعد ملكة التمييز وبعد الادراك. يتعلق بعد ملكة التمييز بالوظيفة الفعلية لاتخاذ القرارات.
يقول يونغ أن هناك طريقتين نقوم بواسطتهما باتخاذ القرارات: نحن إما أن نستخدم في الغالب وظيفة تفكير / تحليلية للاختيار بين البدائل، او اننا نستخدم وظيفة شعور / تقويم من أجل اتخاذ القرار. وهذا كله ليس له اية علاقة بالذكاء.
صناع القرار من النوع المفكر ليسوا بالمفكرين الاكثر ذكاء”. ولدى مواجهة القرار فإنهم يتراجعون قليلاً ليتخذوا موقفاً “موضوعيا”، أي انهم يبعدون ردود فعل المشاعر الشخصية تجاه القرار قدر الإمكان. إنهم يقومون بدراسة المزايا والمساوئ بعناية.
اما صناع القرار على اساس المشاعر فهم يميلون بشكل واعٍ جداً لإدخال عامل البعد الشخصي في عملية اتخاذ القرار. وهم يضعون النواحي المتعلقة بالقيمة لوضع ما في مقدمة الخيار الذي يتخذونه.
وهم يضعون النواحي المتعلقة بالقيمة لوضع ما في مقدمة الخيار الذي يتخذنه. وهم يعون ما تلعبه الناحية العاطفية، والناحية المتعلقة بالقيمة في العالم الإنساني، من دور في جعل عملية انتقاء خيار دون الاخر عملية ناجحة من حيث الجوهر. وهما لا يحملان افضلية عن بعضهم البعض، الا ان يونغ يؤكد على أمرين بشأن استخدام أي منهما.
الامر الاول: –
يقول يونغ أن هاتين الوظيفتين تكونان سائدتين لدينا بشكل اساسي اعتبارا من لحظة مولدنا. وحسب رأيه اننا نأتي إلى هذا العالم ولدينا نزعة فطرية لاتخاذ القرارات بطريقة معينة. ونحن نقوم باتخاذ قرارات أفضل غالباً، على المستوى اليومي العلمي على الأقل، في حال استخدمنا وظيفة ملكة التمييز المسيطرة علينا.
الامر الثاني والمهم: –
اننا لكي نعرف أنفسنا معرفة كاملة ولكي نتصرف على هذا الاساس، نحن بحاجة لأن نتمكن من الوصول إلى كلا ناحيتي التمييز داخل الوعي. نحن جميعا بحاجة لهاتين الوظيفتين معاً وذلك لمعرفة ما نريد، ولكن كما هو الحال في مسألة “استعمال إحدى اليدين”، فإنه عادة ما يكون لدينا ميل قوي لاستخدام إحداهما دون الاخرى. وإذا كان الموضوع متعلقا باحتياجات ورغبات الذات العميقة داخلنا، فإنه يقوم بتطوير منطقة صماء.
إن النماذج التي تكون لديها نزعة التفكير هي الاقوى، تميل للانتقاص من قيمة عالم المشاعر لديها ولعدم الإفادة منه، لكن هذا العالم موجود وله احتياجات ومطالبه في كياننا. عندما نكون في وضع اتخاذ قرارات مهمة في الحياة، يتعين علينا ان نأخذ بعين الاعتبار ذلك المجال من ذاتنا الذي يمكن الوصول إليه عن طريق كل من ناحيتي الشعور والتفكير من الوعي بالتمييز وذلك لتوخي العدل في تحقيق كامل إمكانياتنا.
بعد الإدراك فهو يتعلق بالطريقة التي نكتسب بها المعلومات عن العالم. ويعرف قطبا هذا البعد “بوظيفة الحدس” و “وظيفة العقل”. فالأشخاص ذوي التوجه القوي نحو العقل، يركزون اهتمامهم على تفاصيل العالم. فمشاهد المكان والاصوات فيه وروائحه تعتبر مهمه. كما ان التماس مع العالم المادي يكون بمثابة التواجد الرئيسي لهم.
إن الشخص الذي يهيمن التفكير العقلي عليه، يركز على ما هو موجود في البيئة التي يمكن من خلالها التأكد من الحقائق والوقائع العملية. من خلال عملية التعلم يكون تركيز هذا الشخص على الواقعة وعلى التفاصيل.
الشخص الذي يهيمن الحدس على تفكيره فهو لا ينطلق عادة من ملاحظاته في العالم المادي وذلك في سعيه للوصول إلى نتائج تتعلق بطبيعة ما هو حقيقي او ما هو مهم. فهو يقيم وزناً أكبر لما هو غائب: الاحتمالات، مبادئ التنظيم، العلاقات غير المرئية بين الظواهر، ولما تبدوا الاشياء وكأنها “تنزع باتجاهه”. والشخص الذي يغلب الحدس عنده، يعتمد على أحاسيسه الداخلية وحدسه وتخميناته في ملء الفراغات الموجودة في معطياته للوصول إلى تلك الدعائم الخفية للعلم المدرك بالحواس.
هذا الشخص أفكاره وميوله ترتكز في الجزء الأكبر على ما هو “واقعي”، او على الأقل ترتكز على الجزء الأكبر مما يستحق التركيز عليه لدى محاولة التواصل إلى تفاهم مع الواقع. وعليه فإن الأشخاص الذين تكون وظيفة الحدس لديهم متطورة إلى حد كبير يميلون لإغفال أهمية التفاصيل والبيئة المباشرة، بينما الأشخاص الذين تكون وظيفة العقل لديهم أكثر تطوراً إلى إغفال مصداقية مسارات التفكير والنتائج التي لا تلقى دعماً واضحا في عالم الوقائع المتوافرة.
وبعد الاخذ بمعطيات ما جاء به يونغ فأننا نتوصل إلى انه يعتقد أننا أتينا إلى هذا العالم ونحن نحمل نزعة لجعل إحدى هاتين الوظيفتين هي المسيطرة على أحد البعدين. وأن هذه النزعة تتعزز لدينا اكثر لدى قيامنا مع مرور الوقت بتكوين عادة تلقي المعلومات واتخاذ القرارات بطريقة ما دون سواها. وفيما يتعلق بالفاعلية اليومية، فإن من المفيد تطوير أسلوب قوي وأكيد وغريزي للإدراك ولاتخاذ القرارات.
وعند التأمل بكل ما يرمي إليه يونغ الا انه يشير إلى وجود مشكلة تتعلق بتطورنا، وهي أن الوظيفة الأقل تطورا في كل بعد من البعدين تمنعنا من الوصول بشكل صحيح إلى تلك الأجزاء الحيوية من الذات. فالفرد الذي يسيطر التفكير عليه بحاجة لذلك الثراء الذي يمنحه التواصل مع العالم عن طريق المشاعر، وان الشخص الذي تسيطر عليه المشاعر يحتاج لأن يفكر بالأمور بشكل أعمق وأكثر موضوعية.
وأن الشخص الذي يسيطر الحدس عليه يعيش في عالم مادي ويحتاج لإقامة صلة مع البيئة المباشرة، وأن الشخص الذي يسيطر العقل عليه يحتاج لكسر طوق التفاصيل المباشرة بشكل خلاق والانغماس في المسار العريض لتيار الحياة.
وعند التفكير فيما يتعلق باتخاذ قرارات من أي نوع، بما في ذلك القرارات المتعلقة بالمهنة، فإننا نميل للسير ضمن قنوات المعرفة والاختيار المتطور لدينا. ونميل في هذه الحالة إلى تجاهل المعلومات القادمة من أجزاء أخرى من ذاتنا أو للتقليل من شأنها، تلك الأجزاء التي تلح في طلب أن يكون لها رأي في وضعنا الجديد، والتي لم نكن قد أخذنا احتياجاتها بالاعتبار لدى اتخاذنا للقرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى