تعاليقرأي

أدمغتنا كبصمات أصابعنا!!

د. صادق السامرائي
صادق السامرائيمضى مزمجرا في كلامه، لإختلافي معه فيما يرى، متدرعا بإنفعالية عالية تعطل أنشط العقول، وحاولت تهدأته بصمت، وبعد أن خمدت أنفاس ثورته المشحونة بالعواطف والمشاعر السلبية، قلت له: لماذا كل هذا الإنفعال، فبصمات أصابعنا لا تتشابه ولا تتطابق، وكذلك أدمغتنا مثلها، فما تراه لا يتطابق مع ما أرى، ولكل إنسان رؤيته، بل لكل مخلوق قدرة على إدراك ما حوله وتحديد إستجاباته.

فارتبك واضطرب، وما أجاب، ومضى في حواره بآلية جديدة!!

المشكلة التي نغفلها في تفاعلاتنا مع بعضنا، عدم إقرارنا باختلافنا عن بعضنا، فلا وجوهنا تتشابه ولا أي شيئ فينا يتطابق ، فكنه الوجود وديمومة البقاء تكمن في الإختلاف، وروعة التفاعل فوق التراب تديمه طاقة الإختلاف، التي تحرك ما عند المخلوقات من طاقات كامنة فتفيض لتعبر عن جوهرها بما يساهم في صناعة نهر الحياة الدافق.

والأدلة على أهمية وضرورة إختلافنا، ما نراه حولنا من مبتكرات أنتجتها أدمغة مختلفة، فلو نظرنا إلى ما يحيطنا من موجودات، لتبين أنها من إنتاج أدمغة أتى كل منها بفكرة وصنّعها وفقا لما يتمثله فيها.

ولو تخيلنا أن الدنيا لون واحد، لما تمكنت المخلوقات إطاقتها وتحمل البقاء فيها، لأنها ستتسبب باليأس والقنوط والكمود والخواء، والضمور والإضمحلال والفناء الأكيد.

فالإختلاف من ضرورات البقاء والرقاء والتجدد والنماء، وتأمين التفاعل المشوّق مع الدنيا، والتواصل بإنتماء وتطلع نحو آتٍ أفضل وأرقى، ويمد المخلوق أيا كان نوعه بقدرات الإضافة والتعبير الأمثل عن قدراته الكامنة.

إن الإقرار بهذه الحقيقة الجوهرية من ضرورات بناء الذات والموضوع، ومن أساسيات قوة الأمم والدول وتأكيد الإرادة الجمعية، المتسابكة في بودقة الصيرورات الحضارية الكبرى.

فلا قدرة على الإتيان بأصيل دون إنسباك الموجودات وتواشجها المتين، اللازم للقوة والصلادة والتماسك التفاعلي القدير.

فالإختلاف نعمة لا نعيها، ولا نجيد الإستثمار الواعي فيها، ونحسب أن أصابع اليد الواحدة متساوية!!

فهل سنتعلم كيف نكون؟!!


د. صادق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى