كيف تصبح الميزانية العامة عبء على الاجيال القادمة ؟

محمد رضا عباس
الميزانية العامة للدولة تؤثر مباشرة وغير مباشرة على المستوى المعاشي للجيل الحالي والقادم و تقرر مصير الاقتصاد الوطني في الحاضر والمستقبل . كلما كبر حجم الميزانية كلما زادت التخصيصات المالية للاقتصاد الوطني و يزداد النمو الاقتصادي وينفع سكانه سواء صرفت التخصيصات على القطاع الاستهلاكي او الاستثماري . وجود نقود في السوق تزيد من مصاريف المواطنين على ما يحتاجونه من سلع وخدمات , ووجود نقود في السوق تؤدي بالشركات بزيادة استثماراتهم , انتاجهم , ومن ثم زيادة الطلب على الايدي العامة . ولكن في الأخير فان عجلة الاقتصاد تتحرك , وهذا ما ينتظره اغلب الشعب العراقي هذه الأيام , انهم يريدون من مجلس النواب العراقي المصادقة السريعة على قانون الميزانية لعام 2023 عسى ولعل يترك السوق العراقي والذي اصبح تجاره يعانون من وحشية سكونه . تذكر ان خريج الجامعة , البقال , العطار, بائع الاقمشة , بائع التجهيزات الكهربائية , الأثاث , السفر والسياحة , والالاف من الاعمال يعتمدون على جيب المواطن وان تأخير تشريع قانون الميزانية يعني استمرار السوق على سكونه وربما تراجعه . لان من خلال الميزانية تستطع الوزارات المختلفة فتح باب العمل للخرجين وغير الخرجين , ومن خلالها يتم الإعلان عن بدء مشاريع للبنى التحتية , وعندما يتوفر العمل يفتح باب الرزق للعطار , والبقال , وباعة الأثاث , والأجهزة الكهربائية , ومعارض السيارات , سيارة التكسي , و يكثر زبائن مطعم ” المضيف ” في الكاظمية. في لغة العراقيين ” السوق مشى” او “السوق اتحرك”.
تحرك السوق الان قد يؤثر على مستقبل الاقتصاد الوطني و المستوى المعاشي للشعب اذا لم يتم توزيع تخصيصات الميزانية بشكل متوازن , متوازن بين الاستهلاك والاستثمار. تذكر ان السلع الاستهلاكية لا تدوم طويلا . وجبة العشاء التي يقدمها لك ولعائلتك “قاسم أبو الكص” تنتهي فائدتها في اليوم الثاني , ولكن انشاء جسر على نهر دجلة ( استثمار) تستمر فائدته ربما خمسين عاما وربما اكثر, بعض الجسور في بغداد مازالت تعمل بكل نشاط حتى وان كان عمرها ثمانين عام .
اذن , توزيع الميزانية بين الاستهلاك والاستثمار يضمن الخير ليس للجيل الحالي وانما الى أجيال المستقبل . تخصيص , على سبيل المثال, ثلاثين مليار دولار للمشاريع الاستثمارية مثل الطرق العامة , بناء السدود , ابنية انيقة للوزارات , ابنية مريحة لطلاب المدارس , مطارات و موانئ بحرية , شق الترع لغرض الزراعة , اصلاح الأراضي الزراعية , توصيل الماء الصالح للشرب كلها مشاريع استثمارية توفر العمل لشريحة كبيرة من أبناء العراق في الحاضر , وتوفر الرقي والتقدم للأجيال القادمة .
ما خطر تركيز ميزانية الدولة على المشاريع الاستهلاكية ( رواتب واجور , سيارات فارهة ضد الرصاص , أقلام واوراق , زيارات لموظفي الدولة للداخل والخارج ) على الاقتصاد الوطني ؟ الجواب هو تخمة المواطن هذا اليوم وجوعه غدا . المواطن سوف يعاني غدا من نقص لكل ما يحتاجه . التركيز على القطاع الاستهلاكي وترك القطاع الاستثماري يعني اعتماد المواطن العراقي على الخارج لتجهيز مطبخه , ملابسه و اثاثه , وكل ما تجده الان في الأسواق العراقية , حيث اصبح من النادر ان تجد بضاعة كتب عليه ” صنع العراق” . لقد وصل استيراد ملابسنا التقليدية من الصين مثل الزي الكردي وزي العربي , العقال والغترة .
وفي النتيجة , فان الوضع سوف لن يبقى على حاله وانما يزداد الاعتماد اكثر على بضاعة وخدمات ليس من صنع العراق, و ستضطر الدولة الاقتراض من اجل اطعام شعبها , العمل بميزانية ذات عجز مالي كبير تغذيها القروض الداخلية والخارجية . وهذه تشكل جريمة بحق الأجيال القادمة . انهم سيبلغون سن الرشد وسن العمل ولكنهم سيجدون ان بلدهم ليس يفتقر الى البنى التحية فقط وانما محمل بالديون الواجبة الدفع عند استحقاقها , ويصبح البلد يدفع فوائد على القروض قد تزيد على مشاريع الرعاية الاجتماعية , أي ستضطر الدولة الى تخفيض حصص الفقراء من اجل دفع الفوائد على قروضها.
فلو افترضنا ان دين الحكومة العراقية لعام 2022 هو 20 مليار دولار بسبب عجز الميزانية العامة , فان المولود الجديد في عام 2022 يولد وهو محمل بدين قدره 500 دولار ( على فرض ان عدد سكان العراق هو 40 مليون نسمة) , وربما يصل الى 5000 دولا عندما يصل الى عمر العمل, عاما 18 , خاصة اذا استمر تغذية العجز المالي بالانتفاخ . هؤلاء الشباب هم الذين سيتحملون وزر أخطاء من كان من قبلهم , وسوف يدفعون الديون من خلال تخفيض اجورهم , ارتفاع في نسب الضرائب التي تفرضها الوزارات على طبقات المجتمع بحق او بدون حق , انخفاض في مستوى المصاريف الحكومية , وحصة متزايدة من الضرائب عليهم تدفع على شكل فوائد لتغطية استهلاك الماضي . وعلى المثل العراقي القائل ” ناس تأكل دجاج , وناس تتلقى العجاج”, أي الجيل الحالي يتمتع بشراء المواد الاستهلاكي وان الجيل القادم سوف يعاني من عدم توفر فرص العمل والفقر.