كيف أتعامل مع المنتقدين

د. محمود عباس

لا بد من تمييز منابعهم، وخلفياتهم، قبل غاياتهم، ومستويات تناولهم للمطروح من المفاهيم أو المواضيع، هل انتقاداتهم رؤى وتحليلات مبنية على أسس ثقافية متينة، أم ذاتية الغاية تعكس الضحالة؟ هل هي نابعة من الكراهية الشخصية أم العداوة القومية؟

1-     الصادرة من الأعداء، لها خصوصية؛ لأنها المرآة التي أرى فيها ذاتي وسوية مضمون النص. يحفزني على المزيد، كلما كثر النقد حتى ولو كان مبتذلا، أو كان التهجم حادا، لأنها تعكس مدى تأثير الموضوع عليهم، وامتعاضهم دلالة على أن الرسالة وصلت، وأثرت، وبالتالي أخرجت البغض والكراهية الدفينة فيهم، وأشعرتهم ببشائع أعمالهم، من الخباثة السياسية إلى الجرائم بحق أمتنا. فردودهم إذا كانت تتضمن الحقد، تدفعني إلى ديمومة السير على المنهجية التي قدمت فيها المادة أو الموضوع. لا شك هناك دائما حثالة لا تستحق سوى رمي تهجمها إلى صندوق القمامة وإغلاقها، لقذارة مفاهيمهم ونقدهم، وليس لبعدهم الوطني كما يدعون. ظهرت أسماء من هذا النوع على الساحة السياسية – الثقافية في منطقتنا، غربي كوردستان.

أما الردود المبنية على قوة فكرية وجدلية منطقية، تحفزني للتنقيب بشكل أوسع، والبحث في الموضوع بشكل أعمق وأمتن، لترسيخ الحجة لإقناعهم أو ردعهم، حتى ولو كانت احتمالات الإقناع شبه معدومة، مع ذلك فلا بد منها لإثبات ما نحن بصدده أمام القراء والمحايدين في القضية.

أما إذا كان هناك الصمت، وعدمية الرد، فهي تعني إما أنني أتناول قضية ليست بذات الأهمية، هنا لا بد من تركها وتناول قضية أخرى، أو أنني تناولت الإشكالية بضحالة أو بطريقة لم تؤثر فيهم وعليهم، ولا على القراء، وبالتالي يجب دراسة هذه وذاك، إما إعادة النظر في المواضيع، أو أسلوب تناولها، ومن ثم معرفة مدى التأثير، أو النتائج المتوقعة.

2-   أما النقد من المصادر الكوردية، حالة معاكسة، وهي ذات أوجه متنوعة.

–         شريحة تفعلها لمجرد تبيان الذات، وحب الظهور، عادة ما تكون ضحلة لا تحتاج إلى تأويل أو رد، لأنها لن تجدي، فما بين تصحيح المفاهيم، أو تبيان الخطأ، وبين النقد والقول (أنا هنا) هوة يتواجد في وسطها حالة نفسية مرضية، والإتيان بالأفضل، أو رد النقد لن يؤثر ولن ينفع، ولن يكون دواء لمعالجته.  

–         ومجموعة حاقدة، أو حاسدة لسبب ما، أو تحمل موقف مسبقة، فحتى لو كانت المادة من صلب مفاهيمه، سيهاجمون لأنها خارجة من الجهة التي حسم الرأي فيه، وقد تكون انتقاداتهم مبينة على خلفية صور نمطية خاطئة غرست في ذهنهم لموقف ما، أو أثر في ذهنهم البعض لمجرد خلاف فكري أو سياسي، وهؤلاء لا يحتاجون إلى الرد أيضا، فهم دون منفعة لذاتهم ولا للمجتمع، وضررهم في حالة الرد أكثر من المتوقع.

–         جهلاء ولا يدركون، في حالتي التأييد أو العكس، أضرارهم كارثية، خاصة المتأثرون بالمواقف الحزبية، الذين يزيدون من شرخ الخلافات، فالصمت خير الأساليب.

–         الأكثر مدعاة إلى الأسى، هي الأقلام التي تكتب بإملاءات، ولا تتقيد بالمواضيع، ولا بمضمون النصوص ومفاهيمها، بل بما قيل لهم، وما يجب أن تكون عليه صيغة التهجم، وهم دون صبر لدراسة المطروح، يحكمون من العناوين أو من مقاطع عشوائية، وهؤلاء إلى جانب ضحالة تهجمهم، كثيرا ما يتجاوزون حدود الأدب، كالعبيد الذين كان يفرض عليهم محاربة الأخر كواجب مع منعهم من الإيمان بالأديان، وبالتالي يؤثرون سلبا في كل الأطراف، على الذات والقراء، وأنا أخر من يمكن أن يتأثر بمثل هذه الضحالة الفكرية. أستخدم معهم منطق غاندي، عندما قيل له لماذا لا ترد على من يهاجمك، فقال (هل تريدونني أن أعض من عضني).

–         أما الذين ينقدونني ونقدوني عن خلفية ثقافية أو سياسية مع خلاف فكري، أو حول مادة رأوها لا تصيب. أدرسها وأرد بإسهاب وبعمق قدر ما أتمكن منه، وكثيرا ما قدمت لهم الشكر، حتى ولو كنا على نقيض، لأنهم يقدمون خدمة لي بتنوير جوانب من الموضوع أو التحليل ربما غابت عني، وخدمة للمجتمع بالحوار المؤدي إلى توعيته، وللقراء بتبيان المستويات التي يجب أن نكون عليه في النقد حتى ولو كنا على خلاف، ولا يهم هنا إن كنت على صواب أو رأيت خطأ في رؤيته أو تحليله، بل التقدير على ما قدمه من حوار ونقد.

ما بيننا نحن الكورد، حواجز مرعبة، بنيت على مدى عقود طويلة، جلها بيد الأعداء، ساهمت فيها جهالتنا، والضحالة المعرفية، أصبحت شبه ثقافة نبتذلها نظريا ونطبقها عمليا، فرغم حاجتنا الماسة إلى التوافق حتى ولو كان مؤقتا، نستمر ببناء نقدنا للآخر على خلفية إلغاءه أو تقزيمه لا تصحيحه أو تنويره، وأحيانا تتضمن نوع من الفوقية، فتكون النتائج الكارثية على الطرفين.

   ومن غرائبنا، فرغم معرفتنا لما نحن عليه من الخطأ، نستمر بالسير على الدروب ذاتها، وننقد بعضنا لا للتصحيح، بل للتدمير، رغم تغير الظروف، ونهلنا من الحضارة.

ألم يحن الوقت بعد، لنعيد النظر في مداركنا، ومعرفة أن السلبيات في ذاتنا يمكن أن تحتضن إيجابية فيما لو تناولناها بدون حقد وكراهية، وأنه قد حان الانتقال من خانة التهجم إلى النقد التنويري، وهي إحدى الدروب إلى النجاح.

د. محمود عباس

الولايات المتحدة الأمريكية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى