كل شيء عن الدراسات الجامعية بعد الدكتوراه
حارث سعيد الورد
ما بعد الدكتوراه هو نمط من الدراسة البحثية التي يستطيع من يحمل شهادة الدكتوراه او ما يعادلها ان يقوم بها تحت اشراف او توجيه استاذ مختص و تكون هذه الدراسة البحثية مدعومة من جهة داعمة او مانحة هدفها دعم مشاريع بحثية مفيدة يحصل من خلالها المشتغل ببحوث ما بعد الدكتوراه على توظيف مؤقت او زمالة بحثية من قبل الجامعة او المؤسسة العلمية التي مُنحت الدعم عن طريق احد اساتذتها والذي سيقوم بالاشراف على هذا المشروع البحثي. وبطبيعة الحال فان المشرف هنا و هو احد اعضاء هيئة التدريس هو موظف دائمي يقوم بالاشراف على موظف مؤقت (باحث ما بعد الدكتوراه حاصل على منحه) من اجل اتمام مشروع او مشاريع بحثية و غالبا ما يقوم عضو هيئة التدريس هذا بتوفير الوظيفة المؤقتة او الزمالة للباحث حيث يحصل الاخير على راتبه من الدعم الممنوح لهذا المشروع البحثي الذي يسعى باحث ما بعد الدكتوراه اليه للحصول على تدريب و اعداد ونشرعلمي و خبرة ضمن برنامج بحثي مدعوم.اذ ان برامج مابعد الدكتوراه المختلفة هي جزء حيوي وفعال ومهم في المنظومة البحثية في معظم الجامعات العالمية وتشير الاحصائيات الى ازدياد اعداد باحثي ما بعد الدكتوراه في معظم هذه الجامعات وخاصة في العقود الاخيرة وتبعا لتقديرات المؤسسة الوطنية الامريكية للعلوم فان مايقارب 63 الف من باحثي ما بعد الدكتوراه كانوا قد اكملوا عملهم في مشاريع بحثية في الجامعات الامريكية في مجالي الهندسة و العلوم فقط حسب تقديرات عام 2010 وهو ضعف عدد باحثي مابعد الدكتوراه في عام 1990. كما ان كبريات الجامعات الامريكية تستعين بباحثي ما بعد الدكتوراه كموظفين مؤقتين لانجاز مشاريع بحثية حيث وصل عدد باحثي ما بعد الدكتوراه في جامعة ستانفورد الى 1800 باحث و في جامعة هارفرد الى 1000 باحث وقد استولت افضل اول عشر جامعات في الولايات المتحدة على نسبة 25% من مجموع باحثي مابعد الدكتوراه. وان سر التضاعف هذا في اعداد باحثي ما بعد الدكتوراه يعود الى قلة الوظائف الدائمية المفتوحة في معظم الجامعات العالمية في الاونه الاخيره بالاضافة الى الاختلافات والتغايرات العديدة التي طرأت على سوق العمل والتنافس بين الخريجين والتداخل بين الاختصاصات وكثرة اعداد الباحثين الاجانب حيث تشير بعض الاحصائيات ان نسبة 59.7% من باحثي ما بعد الدكتوراه في الولايات المتحده للعام 2001 هم ممن يحملون تاشيرات دخول مؤقته قابلة للتجديد.
وعلى الرغم من من ان توظيف ما بعد الدكتوراه مؤقت الا انه بالامكان ان يستمر لمدة قد تصل الى خمس سنوات او اكثر احيانا او قد يستطيع الباحث تجديدها كل سنة او كل سنتين مرة بشرط ان لا تتعدى الخمس سنوات او حسب العقد المبرم بينه وبين الجامعه او القسم العلمي والذي غالبا ما يمتلك استقلالية غير محدودة نسبيا .وبالعموم فان الباحثين الشباب الذين يحصلون على هذا النوع من التوظيف المؤقت سيجنون فوائدها خصوصا بعد انهائهم لمرحلة الدكتوراه حديثا وذلك من خلال الخبرة التي يحصلون عليها و شبكة الباحثين التي يتعرفون عليهم وعدد طلبة الدراسة الاولية و العليا الذي سيعملون تحت اشرافهم المحدود احيانا ومن كم المؤتمرات العلمية التي سيحضرونها و يلقون فيها بحوثهم ومن مشاريع البحوث التي سيطلعون عليها و يراجعونها احيانا ناهيك عن احتمالية دخولهم في لجان تحكيم ومراجعه و تقييم بالاضافة الى اهم فائدة و هي النشر حيث تشير الاحصائيات بان نسبة لا بأس بها قد تصل الى 43% من الاسماء الاولى لمؤلفي البحوث في مجال العلوم هم من باحثي ما بعد الدكتوراه بالاضافة الى ان معظم الجامعات التي تحتضن باحثي ما بعد الدكتوراه تقدم برامجا خاصة لهؤلاء الباحثين في طرائق التدريس الحديثة و في التوجيه و الارشاد الجامعي و في اصول كتابة مشاريع بحثية للحصول على منح وورش عمل خاصة باعداد اعضاء هيئات التدريس المستقبليين. ان كل ما سلف ذكره من فوائد سيكون اثرها اكبر واعمق على باحثي ما بعد الدكتوراه الذين يرومون التقديم لوظيفة دائمية في الجامعه او في مركز بحثي. ان دراسة ما بعد الدكتوراه يمكن عدها واحدة من اهم متطلبات التقديم لوظيفة اكاديمية دائمة في اي من الجامعات العالمية ومن خلال متابعتي للسير الذاتية لعدد من الاساتذة في بعض الجامعات العالمية الحاملين لتخصصات في العلوم الحياتية، وجدت ان جميعهم قضوا فترة تتراوح بين سنتين الى خمس سنوات في جامعات و مؤسسات بحثية كدراسين لما بعد الدكتوراه قبل ان يتم تعيينهم كاساتذة دائمين في جامعاتهم الحالية وربما كانت هذه الملاحظات متوافقة مع بعض الارقام المنشورة في ادبيات تعنى بهذا المجال حيث اشارت بعض البحوث الى ان نسبة 75% من الاساتذه الدائمين في اقسام البيولوجي في الولايات المتحدة الامريكية كانوا قد اكملوا على الاقل دراسة ما بعد الدكتوراه لمرة واحدة قبل ان يحصلوا على وظائفهم الدائمة في جامعاتهم ولكن هذا لا يعني ان المهارت التي طوّرت ابان مرحلة ما بعد الدكتوراه هي غير مفيدة في قطاعات اخرى غير القطاع التعليمي البحثي الجامعي حيث يمكن لباحث ما بعد الدكتوراه ان يستفاد من هذه الخبرة في قطاعات الصناعة و الزراعة وان يحصل على توظيف دائمي في هذه القطاعات غير الجامعية.وهنا لا بد من ان يوضع في الحسبان ان ما اشير له في هذا المقال يؤكد على ضيق في مساحة سوق العمل امام الحاصلين على الدكتوراه بدون خبرة مرحلة ما بعد الدكتوراه في الدول التي تعمل ببرنامج توظيف و زمالات ما بعد الدكتوراه في جامعاتها. كما ان هذه الجامعات يمكنها ان تحقق الكثير من الاهداف بالاعتماد على برامج اعداد باحثي ما بعد الدكتوراه وهذه الاهداف هي:
اولا: تطوير بعض البرامج و البحوث الوطنية خاصة في مجالات العلوم الرائدة والعلوم الحديثه.
ثانيا: توفير فرق عمل بحثية تتمتع بمهارات جيدة من اجل توظيفها في البرامج التعليمية او البحثية او كليهما والمساعدة في رفد هذه البرامج بافكار ورؤى و قدرات بحثية جيدة.
ثالثا: توفير فرصة لتقييم الكفاءات الشابة من باحثي ما بعد الدكتوراه في المجالات العلمية المختلفه الذين اظهروا مهارات و قدرات علمية عالية وتثقيفهمم حول التعاون المستقبلي مع المؤسسات والمراكز العلمية او الجامعات بالاضافة الى تشجيعهم ليحتلوا وظائف علمية دائمة.
رابعا: جذب واستقطاب باحثي ما بعد الدكتوراه من الاجانب المتميزين.
في العراق لم اجد مثل هذه الوظائف المؤقتة داخل الجامعات او المؤسسات العلمية البحثية الرسمية لباحثي ما بعد الدكتوراه الانها موجودة تحت عناوين التفرغ الدراسي داخل و خارج العراق وعلى النحو الاتي
الاول: تفرغ علمي دراسي داخل العراق (في الجامعات الرسمية العراقية) لحملة شهادة الدكتوراه من المعينين بوظائف دائمية اصلا في الاقسام العلمية للجامعات او في مؤسسات الدولة المختلفه، حيث ان التوظيف ولمدة لا تقل عن سنتين كخدمة وظيفية في احد دوائر الدوله هو احد اهم الشروط للمتقدم وهذا هو الفرق الجوهري بين جامعاتنا و الجامعات العالمية حيث ان حامل شهادة الدكتوراه لدينا يعد في العرف العام مؤهلا للتعين بصيغته الدائمية بدون المرور بفترة توظيف مؤقت كباحث لدراسة بعد الدكتوراه على الرغم من ان فترة التوظيف هذه هي ليست شرط للتعين الدائم في الجامعات العالمية الا انها تلعب دورا مفصليا بالغا في تفضيل مرشح على اخر كما اسلفت. ولا بد للاشارة هنا ان دراسة ما بعد الدكتوراه في العراق يمكن ان تُستحدث الان، حيث كانت غيرمفعلة سابقا، بشرط ان تخضع هذه الاقسام و الكليات العلمية لاليات وضوابط معينه ليكون باستطاعتها ان تستحدث هذا النوع من الدراسة حيث يجب ان يكون قد مضى على تاسيس الجامعة والكلية المانحة لهذه الدراسة مدة لاتقل عن( 25 ) سنة و(20 ) سنة على تاسيس القسم العلمي على ان يكون قد خرج ما لايقل عن (عشرة) دورات من طلبة الدكتوراه وان لايقل عدد اعضاء الهيئة التدريسية في القسم من حملة الدكتوراه عن (عشرة) ايضا من حملة استاذ واستاذ مساعد.وبالفعل تم استحداث دراسة ما بعد الدكتوراه في قسم التاريخ التابع لكلية التربية في جامعه واسط للعام الدراسي 2015-2016.وربما تكون هناك امثلة اخرى لاقسام اخرى استحدثت مثل هذه الدراسة.
الثاني هو تفرغ علمي دراسي لاكمال دراسة ما بعد الدكتوراه حيث يمكن ان يحصل المرشح لنيل هذه الدراسة على منحة من احد الجامعات خارج العراق عن طريق جهد شخصي او مؤسساتي(عن طريق اتفاقيات او مذكرات تفاهم بين العراق والدول المانحة) ويشترط الجانب العراقي على من يحصل على هذه المنحة ليتم ايفاده او ابتعاثه رسميا على خدمة لا تقل عن ثلاث سنوات وان يحصل خلالها على تقييم اداء بدرجة 70% كحد ادنى .
ساناقش الحالتين اعلاه من خلال النقاط الاتية:
اولا: ان عرض ما بعد الدكتوراه في كل من الحالتين السابقتين سيكون مقتصرا على الموظفين الدائمين اذ لاوجود لشروط خاصة لمن يريد التقديم من حملة الدكتوراه غير المتعينين وارى ان تقوم الجهات المسؤولة بتشجيع و تسهيل الموضوع لغير المتعينين ايضا بشرط ان تتوفر لهم درجات وظيفية مستقبلية يمكن ان يشغلوها بعد الانتهاء من دراسة ما بعد الدكتوراه. او تمكينهم من دخول منافسات التعيين بوضع اليات معينه للتنافس باعتبار ان زمالاتهم قد تعطيهم نقاط اكثر من حملة الدكتوراه فقط .
ثانيا: تشجيع مثل هذه الزمالات حتى وان كانت على النفقة الخاصة خارج العراق لغير المتعينين او للمجازين بدون راتب للمتعينين اعتمادا على قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 . خصوصا وان لا اثار مادية مترتبة على هذا النوع من الدراسه بعد التخرج.واعتبارهم حاصلين على شهادة زمالة ما بعد الدكتوراه ومعادلتها ضمن ضوابط واليات معادلة الشهادات خصوصا بعد ان تم اعتبارها تحصيلا علميا عاليا وذلك بعد دراسة مجلس الكلية لطلب المتخرج والاطلاع على ابحاثه التي انجزها وهو ما نص عليه قرار وزارة التعليم العالي بهذا الخصوص بالنسبة للحاصلين على الدراسة من داخل العراق.
ثالثا: ان حصر المرشحين للتقديم على هذا النوع من الدراسة على الباحثين الشباب ممن لهم تاريخ وظيفي قصير له اهمية لاباس بها في صقل مهاراتهم و اضافة ما يمكن اضافته الى خبراتهم ولانهم ذوي انتاجية عالية فان الجهات المانحة ترحب بهم دون غيرهم اما الباحثين ذوي التاريخ الطويل فان التفرغ العلمي لغرض التدريس او التدريب او المشاركة في نشاطات علمية هو الاجدر بهم واحيانا ما يتم الخلط بين التفرغ العلمي لما بعد الدكتوراه و التفرغ العلمي الاخر.
رابعا: ليس كل التخصصات بحاجة الى باحثي ما بعد الدكتوراه، اذ ان التخصصات العلمية التي فيها مشاريع بحثيه لمعالجة مشاكل حقيقيه مهمه والتي تحفز الجهات المانحة على تبنيها هي التي يمكن ان تستقطب باحثي ما بعد الدكتوراه.
وختاما و بعد كل ما سبق من تفاصيل فانه من المناسب ان يتم العمل و بشكل اكثر جديه لتطوير و تفعيل برامج ما بعد الدكتوراه للباحثين الشباب من خلال تغيير في آليات رفد هذه البحوث بالامكانيات المادية المناسبة لخلق جوا بحثيا صحيحا في تخصصات نحن بحاجة لها فعلا.