كلام صريح جدّا وجريء.
كلام صريح جدّا وجريء.
رشيد مصباح (فوزي)
*
لكي نكون صرحاء مع أنفسنا ومع الآخرين، نحن مجتمع سطحيّ ومنافق؛ نحكم على المظاهر ولا تهمّنا الجواهر، عكس ما يأمر به ديننا الحنيف. نحترم الغنيّ و نهاب أصحاب الجاه، ونحتقر الفقير نعافه ونتجنّبه و نتفاداه. ومن يقول غير مثل هذا الكلام فهو إمّا كاذب و إمّا منافق.
بالنسبة إلى المجتمعات الرّاقية، فإن الأمور تختلف. لأنّ في مثل هذه المجتمعات التي تمجّد العلم وتحترم الإنسان، المتفوّقة علينا فكريّا وحضاريّا، يُقيّم الإنسان الفرد وفق معايير العلم والأخلاق. لذلك فإنّك لن تجد بعض الظواهر المتمثّلة في السلوكيات المشينة المتفشيّة بيننا؛ مثل النفاق والريّاء والخيانة والكذب.
لديّ صديق كلما حزبه أمر لجأ إليّ، ليحاجي ويفاجي قليلا. صديقي هذا شخص خلوق ومتواضع، لدرجة أن كل من يراه ويحتكّ به يحكم عليه لأوّل وهلة بالسّذاجة. وكان هذا سببا في خسارته لمجتمع واسع وعريض ظلّ يتملّقه ويتحبّب إليه لفترة من الزّمن؛ قبل أن يتعرّض إلى أحداث مؤلمة ومؤسفة قلبت حياته رأسا على عقب.
لم يكن هذا الصديق يعرف حقيقة المجتمع إلّـا عندما خسر كل شيء، عندها فحسب أدرك صديقي وبعد فوات الأوان بأن الذين كانوا يبدون له الصداقة والحب والوفاء ليسوا سوى حثالة من الانتهازيين انفضّوا من حوله بمجرّد انتهاء المصلحة.
ليس ثمّة فرق بين صالح وطالح بالنسبة لهؤلاء المنافقين الذين ما إن تنتهي مصلحتهم بك انفضّوا من حولك، و أوصدوا كل الأبواب في وجهك، و يتجنّبونك و يتحاشون وجودك ويتفادونك ولو كنت معهم وفي صفّهم، ولو بداخل المساجد؛ وأمثال هؤلاء لا يتخلّون عن طباعهم المشينة حتى في بيوت الله. وباسم الدّين يبدون لك بعض المودّة المصطنعة المزيّفة، لكي لا تشكّ فيهم ولا في نواياهم السيّئة تجاهك.
لكن الإيمان بالله لا يقبل القسمة على اثنين، فإمّا أن تكون مؤمنا حقّا، وإمّا أنّك تنافق، وتخفي ما لاتحب أن يطّلع عليه غيرك. وأنت حينها لست سوى واحدا من أولئك الأنذال الذين يستبيحون كل شيء، بما ذلك الدّين، في سبيل خدمة أغراضهم الدنيوية الدّنيئة.
لن تجد مثل هذه السلوكيات في المجتمعات الرّاقية التي تحترم الإنسان؛ كائنا ما كان. ونحن نرى ذلك مجسّدا في أعمالهم الخيرية وفي العلاقات التي تربط بين الأفراد، وفي مدى احترامهم للحريات، بما في ذلك الحرّيّات الفرديّة والجماعيّة والتنقّل من مكان إلى مكان وحرّيّة الرّأي و الكلام. وليس ثم تفضيل عندهم بين أبيض و أسود، ولا بين ابن الوزير وابن الغفير… والكل سواسية في نظرهم ونظر القانون.
إذن نحن نعاني من نفاق باطني يتبنّاه مجتمع، من ورائه طبع مستهجن ترفضه الأخلاق والدّين والقيم. وإن كثيرا منّا على علم بذلك، ولكنّا لا نستطيع التخلّي عن الطبائع المشينة لأنّها صارت راسخة متجذّرة فينا.
من الناس من يمارس النفاق بأخبث وأبشع ما فيه، يتصدّق ليراه الناس، ويداهن ويتملّق، ويدوس على كرامة الفقير المحتاج… ولكنه يتظاهر بإيمان مزيّف ويدّعي حب الآخرين ليخفي نفاقه؛ ومن الأقنعة ما يمكن إسقاطه، ومنها ما يصعب إلّـا بنبذ صاحبه.
وفي الأخير أوجّه نصيحة لصديقي ”السّاذج“؛ كما يراه بعض من الذين لايعرفون معنى التواضع والأخلاق من أصحاب المصالح الانتهازيين. بأن المنافقين ليسوا بشيء، فلا يجب أن تلتفت إلى هذه ”النفايات البشرية“. فمكانهم الحقيقيّ هو ”مزبلة التاريخ“، وليس في مجتمع يدين بدين الإسلام الحنيف. وأختم قولي بالآية الكريمة من سورة النساء، والتي يقول فيها المولى -عز وجل- وهو أصدق القائلين: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا﴾.