أخبارأمن وإستراتيجيةفي الواجهة

الحروب غير المتناظرة

الحرب غير المتناظرة

فهد سليمان


■ في سلسلة الحروب العربية – الإسرائيلية التي إفتتحتها حرب 1948، ومن ثم حرب السويس–
1956 (العدوان الثلاثي) + حرب الأيام الستة – حزيران (يونيو) 1967 + حرب الإستنزاف
لأكثر من عام على جبهة القناة– 3/1969 إلى 8/1970 + حرب العبور إلى سيناء والجولان –
تشرين (أكتوبر) 1973، إختتمت الأخيرة مرحلة ما يُسمى بـ«الحروب المتناظرة»، أي تلك التي
تدور بين دول وجيوش نظامية تُخاض بتشكيلات عسكرية متشابهة، بغض النظر عن كفاءة الأداء
في الميدان ومستوى التسليح ونوعيته.
■ الأعمال الحربية اللاحقة، التي دارت رحاها على أرض لبنان (من بيروت جنوباً وحتى
الحدود) بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية المتحالفة – في حينها – مع الحركة الوطنية
اللبنانية، بدءاً من حرب الليطاني– 1978، مروراً بحرب الجسور– 1981، وصولاً إلى اجتياح
1982 (حرب لبنان الأولى بالتسمية الإسرائيلية)؛ هذه الحروب تنتسب إلى نمط «الحروب غير
المتناظرة»، التي تكون فيها المواجهة بين جيوش نظامية لدول، وبين حركات تحرر وطني
بتشكيلاتها الفدائية والدفاع الذاتي المحلية. (في هذا الإطار لا يفوتنا التذكير بأن حرب 1982
إنطوت على فصل عسكري مهم، إنحكم لمنطق «الحرب المتناظرة»، عندما واجه الجيش العربي
السوري في معركتي عين زحلتا – المديرج + عين السلطان، القوات الإسرائيلية الزاحفة وردها
على أعقابها).
■ توصيف «الحرب غير المتناظرة» ينطبق أيضاً على الحروب التي خاضتها إسرائيل ضد
حزب الله في لبنان، من خلال 3 محطات فاصلة: الإجتياح الجوي– 1992 + عناقيد الغضب–
1996، أي المواجهتان اللتان مهدتا لفرض قواعد إشتباك كفلت – بغطاء من الشرعية الدولية –
حق المقاومة المسلحة ضد جيش الاحتلال، الذي تحظر عليه – في الوقت نفسه – الإعتداء على
المدنيين في المناطق المحتلة، … وصولاً إلى حرب 2006، حرب الـ33 يوماً (حرب لبنان
الثانية بالتسمية الإسرائيلية) التي كرّست قواعد الإشتباك القائمة على معادلة الردع المتبادل على

جانبي حدود البلدين، وهي الحرب التي بلور فيها العدو (وبالتحديد على يد أيزنكوت، رئيس
الأركان اللاحق، وأحد أركان كابينيت الحرب الحالي)، وبنتيجة تقييم معمق لوقائعها، ما أسماه
بـ«عقيدة الضاحية» (نسبة إلى الضاحية الجنوبية لمدينة بيروت بالدمار الواسع الذي لحق بها
جرّاء الحرب)، التي تستهدف إلحاق الهزيمة بالمقاومة من خلال التسبب بأفدح الأضرار بالبنى
التحتية، وبالسكان المدنيين، لوضعهم في مواجهة عدائية مع المقاومة.
■ تصنيف نمط معين من الحروب في خانة «الحروب غير المتناظرة» يسري أيضاً على
الحملات والحروب التي شنتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني ومقاومته في الضفة والقطاع، بدءاً
من هبّة النفق – أيلول (سبتمبر) 1996، مروراً بحملة السور الواقي- 2002/ 2004، التي
إستهدفت القضاء على الإنتفاضة الثانية– 28/9/2000 حتى 8/2/2005 تحت شعار «دعوا
الجيش ينتصر» و«كي وعي الشعب الفلسطيني»، لكي يتخلى نهائياً عن المقاومة، لا بل يُقلع
نهائياً عن مجرد التفكير بهذا الخيار؛ وانتهاءً بما تعرض له قطاع غزة على امتداد 16 عاماً (من
عدوان أمطار الصيف/ الوهم المتبدد– 25/6/2006، وحتى السهم الواقي/ ثأر الأحرار–
5/2023، محطة العدوان الأخيرة التي سبقت عملية طوفان الأقصى/ السيوف الحديدية –
7/10/2023) ( 1 ) .
■ ومن بين الحملات العسكرية العشر التي تعرض لها قطاع غزة، تحتل ثلاث حروب منها مكان
الصدارة من حيث المدة التي إستغرقتها، والخسائر البشرية والمادية التي تسببت بها، والسياق
السياسي الذي إندرجت فيه، وهي: 1- «الرصاص المصبوب/ معركة الفرقان»، التي إستغرقت
23 يوماً، بدءاً من 27/12/2008، إرتقى فيها 1.430 شهيداً فلسطينياً؛ 2- «الجرف الصامد/
العصف المأكول»، التي إستغرقت 51 يوماً، بدءاً من 7/7/2014، إرتقى فيها 2.322 شهيداً
فلسطينياً؛ 3- «حارس الأسوار/ سيف القدس»، التي إستغرقت 11 يوماً، بدءاً من 10/5/2021،
إرتقى فيها 256 شهيداً فلسطينياً، والتي على قصر مدتها – قياساً على ما سبقها – تستمد أهميتها
من كونها توّجت – إنطلاقاً من قطاع غزة – المساهمة الكفاحية للكل الفلسطيني في كافة مناطق
تواجده (الضفة بما فيها القدس + الـ48 + الشتات)، باعتماد أشكال النضال المجدية، المنسجمة مع
الشروط والتوازنات السائدة في كل ساحة من ساحات العمل الوطني، معبرة بذلك عن وحدة هذه
الساحات، وتكامل أشكال النضال فيما بينها.
■ تقع الحرب التي أطلقتها عملية «طوفان الأقصى»، في امتداد «الحروب غير المتناظرة» التي
تسيّدت مشهد الصراع مع إسرائيل على امتداد نصف قرن من الزمن، أي منذ حرب تشرين/
أكتوبر 1973، لكنها تتمايز عن سابقاتها، إن لم يكن تختلف عنها بعدد من الأمور، سواء
بأسلوبها، نمطها، إصطفافاتها، وتداعياتها، سواء على مستوى الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي،
أو من زاوية المشهد الجيوسياسي في الإقليم، هذا ما سيتم تناوله فيما يتبع، آخذين بالاعتبار أنه
نظراً لموقعية عملية «طوفان الأقصى» في تاريخ الصراع مع الكيان الغاصب، وتداعياتها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى