قيمة الشهادة العلمية الجامعية
نيرمين ماجد البورنو
يعد التعليم المتميز من أهم أسباب تقدم الأمم والشعوب, لأنه يكسب الفرد المزيد من المعارف والمعلومات التي بدورها تزيد من قدرته على التعامل مع العالم المحيط به, فإن تراجع التعليم انهارت الأمم وتفككت, فلقد انتشرت في الآونة الأخيرة دكاكين لبيع الشهادات والأطاريح العلمية في بلادنا بشكل كبير وعجيب ومقلق ومفزع, بحيث يمكن لأى إنسان شراء شهادة البكالوريوس والماجستير والدكتوراه مختومة في أي تخصص يريده, دكاكين باتت تسهم في هدم الأجيال المقبلة بتخريجها كوادر فاشلة لا تمتلك القدرات ولا حتى الرؤى المستقبلية, هدفها تحقيق أعلى ربح مادي فضلاً عن ضمانات ووعود مسبقة تقدمها جامعات للطلبة قبل التسجيل بالنجاح, وتخريج أجيال يحملون الشهادات فقط بلا ضوابط أو شروط, يحملونها كاسم دون رسم, وكشكل دون مضمون، وهذه هي آفة الآفات أن يلجأ بعض ضعاف النفوس لمثل هذه الدكاكين للحصول على ورقة من باب الوجاهة الاجتماعية أو المباهاة أو البرستيج أو معالجة نقص بالشخصية, وهو يدخل في إطار التدليس وشهادة الزور يلوثون طهارة التعليم، إن تزوير الشهادات الجامعية أمر ليس بهين فهو تزوير للمجتمع وفساد يتكاثر ويكبر, فكل ما بني على باطل فهو باطل.
إن الشهادات الوهمية قد تكون بكالوريوس أو دبلوم أو درجات عليا كالماجستير أو الدكتوراه، وغالبُا ما يكون الغرض من الحصول على هذه الدرجات الوهمية المنفعة المادية, شهادات تصدر عن جامعات لا أصل ولا فصل لها, أشبه بالدكاكين أو تلك التي تزعم انها تعمل بنظام التعليم عن بعد، بحيث يدرس الطلبة مذكرات لا تتعدي العشر صفحات فينجح وينتقل للسنة التي تليها, هذه الشهادات تأتي غالبا من جامعات وهمية على الإنترنت أو غير معترف بها عالميا , تجد في ضعاف النفوس والذين يفضلون السرقة على بذل الجهد والعمل العلمي الحقيقي ملاذا لهم وراحة , والأمر برمته ينبئ عن كارثة أخلاقية وعلمية واجتماعية من العيار الثقيل تمس الحاضر والمستقبل, فلم يعد نيل الشهادات العلمية بالأمر الشاق ولا يتطلب الحصول عليها طلب العلم ولو في الصين.
الاستمرار على هذا النهج يفسد مستوى التعليم, ويعمل على أضعاف الكفاءة وجودة الأداء، هذا فضلا عن تفشي الجهل في أوساطنا العربية , لأن تلك الدكاكين و الشهادات لن تساعد على النهوض بأوطاننا، وعليه فمن الضروري أن توضع خطة تربوية كاملة للحد من هذه الظاهرة, فالأمر يتطلب قدراً كبيراً من الوعي والجدية والمتابعة لأنه بمثابة ناقوس خطر للأمية والاحتيال والنصب, وكارثة كما قلنا تمس الحاضر والمستقبل, فلقد ذكرت اليونسكو بمؤتمر دولي عقد في باريس بأن” وجود كثير من المزودين بالتعليم العالي من المؤسسات الخاصة المتوخية للربح يثير كثيراً من القلق على كفاءة جودة التعليم، والقلق من نشوء حوانيت احتيال لسك الشهادات “, دكاكين تبيع الوهم لجيل المستقبل من أجل حفنة من الدنانير، من سيقوم بمحاسبتها؟؟؟ والغريب بالأمر أن يستغل هؤلاء الحاصلين على الدكتوراه الوهمية، تلك الشهادة في تأسيس كيان وهمى يمنح من خلاله درجة سفير وعضوية وبروفسور وألقاب عديدة المهم تدفع كم !
مثل هذه الظواهر تسيء الى الجامعات والمعاهد التعليمية, وتخلط الصالح بالطالح وهذا ما يفرض على الجهات المشرفة بوزارة التربية والتعليم العمل على ضبط هذه الجامعات والمراكز والسعي لتخليص هذا القطاع من المتاجرين بالتعليم من أجل الربح المادي, على حساب القيم والأخلاق والضمير والمبادئ, والعمل على أخذ الاجراءات المشددة مع أي دكان تصدر منه عمليات تزوير أو تلاعب او اصدار شهادات للطلبة, ويجب على الطلبة أيضا مراجعة تلك الجامعات والالتزام بقائمات الجامعات المعترف بها سواء بالتأكد من وزارة التعليم العالي أو السفارات الملحقة بها لكي لا يقعوا فريسة الجهل والنصب والاحتيال لأن موضوع تزوير الشهادات الجامعية موضوع كبير وخطير ويعد نوعا من أنواع الفساد والجريمة الذي يجب على الدولة محاربته بشتي الطرق, لأن ذلك يسيء إلى سمعة التعليم وهيئة التدريس في الجامعات والمعاهد التعليمية, ولان آثاره ليست هينة ونتائجه خطيرة على الدولة والمجتمع ؛ لما يمكن أن يتسبب به أصحاب الشهادات الهلامية والوهمية بأذى على الناس، وخاصة أولئك الذين يمارسون مهنهم بشهادات مزورة، في قطاعات يؤتمنون فيها على أرواح البشر ومقدراتهم وحياتهم الاجتماعية؛ فمن يملك شهادات علمية عليا مثل الطب والهندسة وغيرهم من التخصصات، ويعملون في مؤسسات مفصلية في الدول لا يقلّون خطورة على مجتمعهم عن المجرمين ومدمني المخدرات، الذين لا يتوقفون عند قيمة أرواح البشر ومصائرهم المستقبلية.