قصة الشيخ رسائل ..
احمد الحمد المندلاوي
وصلني من سامي التميمي:
الشيخ صكبان العبادي الفتلاوي في منفاه قضاء مندلي ،بعد حركه رشيد عالي الكيلاني 1941 م.
في عام 1999 وصلتني رسالة من الشيخ كريم متعب كاظم النداوي رئيس عشيرة الحلف / قبيلة الندا ، كان موضوعها (صكبان العبادي في منفاه في قضاء مندلي) . يقول في رسالته:
لما أحتل الإنكليز بغداد بعد حركه ( رشيد عالي الكيلاني (، أخذوا يستعملون منتهى الشدة والقسوة مع كل من كانت له صلة بالحركة، أن كان صدقا أو كذبا فأمتلأت السجون والمعتقلات برجالات البلد وزعمائها وشيوخها ومتقدميها، وجعلت السلطة أذ ذاك بلدة الفاو ثم العمارة معتقلا للأحرار ومنفى لجميع العراقيين الذين يشم منهم رائحة الكراهية للأنكليز ولـ (عبد الإله الوصي) على العرش وكذلك جعلوا قضاء بدرة محلا للإعتقال وبالأخير نُفي الى قضاء مندلي )
شخص محترم من عشيرة ( آل فتلة يسمى الشيخ ) صكبان العبادي ) من رؤساء قبيلة آل فتلة وكنت اسمع من المرحوم عمي (عبد الله أفندي) عن أحد الشخصيات من عشيرة ال فتله ويحترمه جدا ويثني عليه وهو ( مبدر آل فرعون) وكان نائبا في المجلس العمومي لولاية بغداد زمن الأتراك وكان هذا الشخص ينتخب دائما عضو في ذلك المجلس المشار اليه وكان هو وعمي ( عبد الله أفندي ) متآزرين ويشتغلون دوما لصالح الشعب وبعد ثورة 1920 كنا نسمع بــ ) الشيخ عبد الواحد الحاج سكر (وأعماله وخدماته للثورة وغيرها ، ولما كنت لا أعرف عن محل سكن عشائر آل فتله بالضبط لذا تذاكرت مع أحد الإخوان الاكارم وهو(السيد عبد الكريم الفراتي ) صاحب ديوان العشائر وصاحب جريدة (صوت الاخلاص) حول الموضوع فأتحفني هذا الرجل الطيب بالمعلومات الاتية:
قال ان عائله صكبان العبادي تسمى) ( ال بوهدله ) من عشيرة ) آل فتله ) و العشيرة تمتد من قضاء الهندية ( طويريج) ويرأسهم في هذا القضاء الشيخ ) جلوب غانم ال شمران الجلوب ) وفي قضاء الشامية ترأسهم عائلة ( آل بوهدله) اما زوزو في المشخاب يرأسهم ( ال فرعون ) ومنهم الرئيس (عبد الواحد الحاج سكر ) والشيخ ( صكبان العبادي ) من أبرز رؤساء ( آل فتله ) في الشاميه وتسمى مقاطعتهم ( المهناوية) ضمن ناحيه المهناوية ، وقد نُفي الشيخ صكبان بعد حركه رشيد عالي الكيلاني وذلك للاسباب التاليه:–
1- لمناصرته تلك الحركه الوطنيه التي كان يقصد بها طرد الانكليز من العراق
2- لعداء خاص بينه وبين الوصي عبد الاله وذلك أن اخاه الشيخ اركان العبادي كان قد دعا الوصي في المقاطعه المذكوره ( المهناويه )وان الشيخ صكبان لم يحظر تلك الوليمه المقامه على شرفه ولم يأتي للسلام عليه فأسرها الوصي في نفسه ولما لم تسنح له الفرصه لتنفيذ حقده الا بعد حركه الكيلاني فأمر بنفيه الى العمارة وبعد أن أدعى الشيخ صكبان انه مريض وان جو العمارة لا يلائمه صحيا تم نفيه الى ( قضاء مندلي ) على أعتبار أنه قضاء منعزل وبعيد عن الأحداث السياسيه ويحادد الجهات الايرانيه وليس فيها من العشائر التي لها علاقه معرفة بالشيخ صكبان ، كما انها لا تعرف مكانة هذا الرجل في الفرات الأوسط فلا تتأثر به ولذا اختير له هذا المكان المنعزل . في سنه 1942 لم أكن حاضرا في ( مندلي ) وأن اخي وزميلي السيد ( يحيى عيسى الصالحي ) حسبما سمعت له معلومات قيمه حول الموضوع ، لذا اتصلت به واخبرني تحريريا بتأريخ 2-4-1969 بما يأتي :–
قال السيد يحيى ، في ليلة من ليالي الشتاء وفي شهر كانون الثاني 1942 وفي منتصفه على ما اذكر حضرت ديوانيه ( السيد عبد الستار موسى افندي البياتي ) وكان المجلس مزدحما بالحاضرين وفي صدره عدد من الموظفين ، أذكر منهم ( الدكتور عبد الكريم الرسام ) وغيره ، كان الحاضرون يتسامرون فيمار بينهم والبشاشه تملأ وجوه الجميع لوجود رجل بصير من اهالي خانقين يدعى ( ملا خليل ) وهو ذو فكاهه ونوادر ، وقد خصص له صاحب الديوان مبلغا معينا في كل سنه وكان البحث يدور حول الرجل البصير وعن مقدار ما يأكله من الطعامر بشروط ، حقا كانت ليلة مفرحة وبين الفينه والفينه يحتسون القهوة العربيه اللذيذه ، وبينما كنا في هذه الحاله المنشرحة ، إذ حظر شرطي الى المجلس وبعد أن اخذ محله واحتسى قهوته قال ، مخاطبا صاحب الديوان ، ( يا ابو محمود ) يطلبك شيخ منفي يدعى ( الشيخ صكبان العبادي ) وهو الآن في النظاره فقام ( المرحوم عبدالستار موسى أفندي البياتي ) و ( الحاج طاهر الشكير ) وأنا ( يحيى عيسى الصالحي ) فتوجهنا نحو مركز الشرطه وقابلنا مأمور المركز ومن ثم تم الاتصال بين ( السيد عبد الستار موسى أفندي البياتي ) و ( الشيخ صكبان العبادي ) وقد طلب ( أبو محمود ) أن ياخذ الشيخ معه الى الديوانية وبكفالته ولكن لم يتم ذلك لعدم الإمكان في مثل ذلك الوقت وتم الاتصال هاتفيا مع معاون الشرطه ومع القائمقام ( السيد حسن الطالباني ) فصدرت الموافقه على تهيئة اسباب الراحه ( للشيخ صكبان العبادي ) فاحضر له ما يحتاج اليه وقد قضينا قسطا كبيرا من الوقت مع ( الشيخ صكبان ) الذي تشع روح الوطنيه من عينيه وقد امتلأ قلبه كراهيه وغيضا لزمرة ظالمة قد تحكموا برقاب الناس ، وهكذا قضى ( الشيخ صكبان العبادي ) خمسة اشهر في منفاه ب ( قضاء مندلي ) ومن ثم ارسل الى بعقوبه ثم بعدها أفرج عنه وغادر مدينة مندلي :–
وقد ذكر الشاعر الكبير السيد
محمد مهدي الجواهري ) إقامة ( الشيخ صكبان العبادي ) في ( قضاء مندلي ) بقصيده اليك نص أبياتها:
لبست ثوب الهنا والجذل
وتسامت في علاها مندلي
شرفا فاقت به على كحلائها
واستوت فوق السماك الاعزل
منذ صكبان أنثوى مرتحلا
نازلا فيها بأعلى منزل
أنت رمز للمعالي والنُهى
والغياث المرتجى في المحل
لم تغير في صفات عزتها
سوره البعد وضيق المعقل
جواب الشيخ صكبان العبادي:
وفي وقته راسلت الشيخ صكبان العبادي ليخبرني عما يخالج في نفسه وأفكاره وعما يحفظه عن(مدينة مندلي ) من معلومات قيمة فأجابني بعواطفه النبيلة التي أن دلت على شيئ فأنما تدل على صفاته الجميله وحسن أخلاقه التي جبل عليها و نحن ننقل نفس الرسالة:–
بغداد 5/8/1968
سيادة الاستاذ عمران موسى افندي المحترم
تحية طيبة أبعثها أليك وأرجو لك التوفيق وموفور الصحه :
أما بعد : أستلمت رسالتك التي طلبت مني بها أن أزودكم بمعلومات حول ( مدينتكم مندلي) لتضيفها الى مطبوعكم الذي ارجو له أن يكون قد أعطى هذه المدينة حقها فان لهذه المدينه ذكريات وذكريات في نفسي فأن كنت أنسى فأني لا انساها ما دمت على قيد الحياه فهي المدينه التي تنطبق عليها قول الشاعر :-
جمعت شتات المكرمات بأسرها
كما كانت الايام يجمعها الشهر
نعم أن جميع المكرمات قد جمعت في أهالي مندلي — اذ عندما كان أفراد ال فتله يزورونني عندما كنت معتقلا فيها ، لم أسمع من أحد منهم قد جلس في مقهى أو غير محل ودفع ثمن جلوسه أو ثمن ما أشتراه مهما غلا ثمنه وذلك اكراما من أهالي مندلي لضيوفهم وهذه ظاهره قلما نجدها في مدينه من المدن واذكر مرة طلبت شراء رمان في اول أيام أعتقالي وأذا بي امام ثلاث وزنات او اكثر منه قد ارسلت لي مع كتب أطالعها وأثاث لمنزلي وعند استفساري عن مرسلها فأذا هو ( السيد ظاهر البندنيجي ) كاتب تحرير القضاء وهو من اهالي مندلي الكرماء ومن ثم اخذ اعيان ووجهاء هذه المدينه يكررون الزيارات لي صباح ومساء وعلى رأسهم السيد ( الياس النقيب) والاخ ( السيد عبد الستار موسى أفندي البياتي) واخواه ( عمران ومحمد ومحمد صبري المحامي) و ( السيد خضر النقيب ) و ( السيد عز الدين النقيب ) والاخ ( الحاج طاهر جلبي الشكير ) والاخ ( عبدالرزاق ) مدير المال و ( الحاج حشمت ) وكذلك رؤساء العشائر وكثير غيرهم ثم اخذت الدعوات تتكرر لي حيث أخذوا يتسابقون فيها على ضيافتي ، ان هذه الظاهره ان دلت على شئ فأنما تدل على مكارم الاخلاق اذ أن اكرام الضيف هي سجيه كل من سكن بلاد العرب (الى ان ينتهي كتابه بما يأتي)
عزيزي: انني لا استطيع وصف وعد فضل أهالي مندلي الذين غمروني فيه ، لعلني أجد ضالتي في هذا البيت من الشعر
فعبدهم عند الأجانب سيد
وسيدهم للضيف في بيته عبدا
وختاما تقبل مني فائق الشكر والاحترام وابلاغ سلامي للجميع
اخوكم صكبان العبادي
ارجو اكون قد وفيت بالقليل بهذه المساهمه من تاريخ ابرز شيخ عرفته منطقه الفرات الاوسط بشكل خاص والعراق بشكل عام وهو رمزنا وفخرنا وعزنا الذي نحن فيه في الماضي والحاضر والمستقبل( الشيخ صكبان العبادي رحمه الله )0 (