أخبار هبنقة

الحمار .. اهانة..

منير المجيد

«يا جحيش»، كان يؤنّبنا الأستاذ في المرحلة الإبتدائية، وحينما بلغنا، كان ضابط المدرسة العسكرية يقول «يا حمير».
التسمية-الشتيمة دقيقة، لأن الجحش هو ابن الحمار.

لم يتعرّض حيوان قمنا، نحن البشر بالإستفادة منه، إلى التعذيب والإستغلال والحطّ من قيمته، كما حصل للحمار ونسله.
ولم تُساعده كثيراً القصص التي رويت عنه، أو رواها بنفسه، مثل حمار بلعام في العهد القديم، أو حمار المسيح (هناك روايات تختلف اختلافاً طفيفاً في الأناجيل الأربعة في وقيعة يوم أحد الشعانين: «ووجد يسوع جحشاً فجلس عليه كما هو مكتوب» – يوحنا ١٤:١٢).
وهناك أيضاً يعفور، حمار الرسول الأسود الذي غنمه من خيبر: يُروى عن ابن منظور: فكلّم النبي صلى الله عليه وسلّم الحمار، فقال له: ما اسمك؟ قال: يزيد بن شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حماراً، كلّهم لم يركبهم إلّا نبي، ولم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، أتوقعك أن تركبني، وكنتُ قبلك لرجل من اليهود، وكنتُ أعثر به عمداً، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قد سميتك يعفوراً، يا يعفور. قال: لبيك. قال: أتشتهي الإناث؟ قال: لا».
فهل كان يعفور بغلاً يا ترى؟ مُلاحظة عن البغال سيأتي فيما بعد.

وقد ورد ذكر الحمار ونسله في خمسة مواضع في القرآن، إحداها هجائية: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (لقمان ١٩)». واخرى وظيفية: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (النحل ٨)».

في القصّ الشعبي جحا وحماره، وفي الأدب حمار توفيق الحكيم الشهير، وقصص عنه في كليلة ودمنة (الأسد وابن آوى والحمار)، وهنا يكون الحمار مظلوماً وأحمقاً أيضاً.
وتُعتبر رواية Lucius Apuleius Madaurensis (١٢٤ م – ١٨٠ م) «الحمار الذهبي» أقدم رواية في تاريخ الأدب، حيث يتقمّص الكاتب شخصية الحمار ويصف معاناته مع البشر.
وهو إحدى شخصيات «مزرعة الحيوان» لجورج أورويل.
أما برناردشو فقد أعلن بوضوح في عديد مقالاته عن غباء وقبح الحمار، بينما يُناقضه عزيز نيسين فيظهر غباء الإنسان (آه منّا معشر الحمير)، وقام بتوظيفه للنيل والسخرية من الأتراك (وسام الحمار).

وُجد الحمار في أفريقيا قبل نحو ١٢ ألف سنة، ودُجّن منذ ما يُقارب ٦ آلاف سنة بسبب جَلَده في العمل، وما يتمتّع به من ذكاء، ومن ثمّة اخلاصه ولحمه وحليبه (جبنة حليب الحمار تُكلّف ثروة في إيطاليا وفرنسا)، والإستفادة منه جنسياً لدى بعض الشعوب.
على طول الحدود السورية-التركية تنتشر مئات مخافر الأتراك، وكان، من الإعتيادي، مشاهدة مرابط أتن (جمع أتان، أنثى الحمار)، كان المُجنّدون المحرومون من الإجازات يفرغون فيها كبتهم الجنسي، وفي نفس الوقت، وعلى مسافة أقل من نصف كيلومتر، كان المجندون في ثكنة القامشلي يسيرون بضع أمتار أيّام الأربعاء إلى الكرخانة لنفس الغرض. الأسعار كانت مُخفّضة ذاك اليوم ومُنعت زيارات المدنيين. يُقال أن المومسات كنّ يتأفّفن من رائحة الجنود النتنة، لذلك كنّ يُخصّصن فترة قُبيل الظهر للإستحمام.

كنّا، كل ذكور حي قدوربك، نعشق خنسة، الحسناء البضّة، بدرجات مُتفاوتة تتراوح بين العذرية والفسق. مازال مشهد الحمار المُحمّل بجبل من البطيخ الذي صادف الأتان يحضرني وكأنّه حدث قبل سنة. ضربت، كما يبدو، رائحة إفرازات خصوبتها الجنسية منخاره، فرمى عنه حمله وكأنّه حقيبة تلميذ ونهق واعتلى ظهرها. حدث كل ذلك خلال ثوانٍ معدودة أمام دارة خنسة. تزايد عدد المتفرّجين فخرجت على عجل ناسية وضع ثياب تستر مفاتنها التي أظهرها فستان النوم الشفّاف السماوي اللون. التهب ذاك اليوم هرمون مراهقتي كما لم يلتهب قط جرّاء مشهد حلمتيها. كل ذلك بفعل حمار شبق.
كان، أيضاً، من الشائع في حيّنا العجيب، فكرة أن ممارسة الجنس مع أتان ستزيد من طول وثخانة العضو الجنسي.
وإذا كنّا منهمكين بمثل هذه الحدّوتات في شرقنا، فقد قام المُرشّح الديمقراطي الأمريكي أندرو جاكسون باختيار الحمار رمزاً لحملته الإنتخابية عام ١٨٢٨، حينما اختار شعار «لندع الشعب يحكم». هكذا. ومنذ ذلك الحين صار الحمار شعار الحزب الجمهوري.

لم نكتف، نحن الهوموسابيان، بالإستفادة من خدمات الحمير التي لا حصر لها، بل قمنا باستغلال خلفتها بطريقة أقبح. البغال.
البغل هو هجين الفرس والحمار، لذا فهو يحمل قوّة الفرس وصبر الحمار. حيوان شديد البأس، قليل الأمراض، استعملناه في أعمال الزراعة ونقل الأثقال والأعتدة الحربية في الجبال والوديان.
أمّا النغل فهو هجين الحصان والأتان، وليس شائعاً كما البغل.
كلاهما، البغل والنغل، عقيمان لا يتناسلان إلّا ما ندر. وتماماً مثل الخال والعم الحمار، فإنّهما تعرضا إلى الشتيمة والحطّ من قيمتهما. «يا بغل» تُقال للرجل الذي يتمّيز بضخامة جثته وعناده، إضافة لغبائه بطبيعة الحال، أمّا النغل فتُطلق على ابن الزنى.
قد تكون صفة العناد مُناسبة للبغل أكثر بكثير من والده الحمار، فهناك عشرات القصص عن «تنحه» حينما يزعل، فيرفض السير على منحدرات الجبال رغم تعرّضه للضرب الشديد، لينتحر رامياً نفسه وحمله في الوادي السحيق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى