تعاليقرأيمجتمع

قانون الإزاحة

ياسر جابر الجمَّال
كاتب وباحث

الإزاحة ليست خاصة بالفيزياء أو الرياضيات كقانون حسابي فقط من خلاله يتغير نصف مساحة الجسم؛ إنما هي ممتدة في كافة جوانب الحياة، فالحضارات الكبرى تزيح الحضارات الصغرى ، والأمم القديمة تزيح الأمم الضعيفة، وهكذا في كل شيء، فهذه علاقة مطردة على كافة الأشياء، فالأدب الحديث وعتباته يزيح الأدب الكلاسيكي، والنظريات الحديثة تفرض وجودها بإزاحة القديم، فما بعد الحداثة تزيح الحداثة، وما بعد النهايات تزيح فلسفة النهاية، وهكذا في الفنون المستحدثة تزيح الفنون التقليدية، والتكنولوجيا تزيح الحياة التقليدية على كافة المستويات، فالحياة بالصورة القديمة لم ولن تستمر في ظل تغيير نمط الحياة، وفرض الصورة الجديدة على البشرية.
لا يخفى على أحد أن التقنية حولت قضايا كبيرة في حياتنا إلى مجرد ذكرى أو تراث نتراجعه ونتذكره من باب الأيام الحلوة ، وهكذا فالمعرفة الإلكترونية تزيح المعرفة التقليدية، وتفتح الباب على مصراعيه أمام الجميع .
سنصبح في فترات قريبة بغير حاجة إلى تعليم تجاوزه العقل وبصورة متهالكة ، فبمجرد وجود البديل وبنفس الجودة أو أعلى في النتيجة الواقعية- سوق العمل- كالجامعات الافتراضية التي تغزو العالم، وهكذا ينتهي دور التعليم التقليدي.
الجوال والكاميرا الفوتوغرافية تجعل من العالم حجرة صغيرة داخل كون عظيم، يمكن للإنسان من خلالها الوصول إلى نهاية العالم في لحظة بسيطة ، فأصبح التلفزيون والمسرح والسينما مجرد ذكرى، باقية لفترة محددوة حتى يغزو هذا النمط كافة قطاعات البشرية .
أما في مجال الكتابة والتأليف والنشر لم يعد الناس بحاجة إلى ذلك، فقد أزاح الكتاب الألكتروني الكتاب الورقي، ومن ثم أصبح الكتاب الورقي ضمن مقتنيات التاريخ .
والأشد من ذلك أن يصبح الكتاب والمثقفون ضمن منظومة التاريخ المزاح عندما يتصورن أنهم مازالوا في عصر القراءة والنظر إليهم على أنهم أنصاف آلهة أو قديسين، وغير ذلك من التوهمات، التي لا العقل ولا العصر يحتمل مثل هذه الفلسفات المتهالكة .
الإزاحة الآن أشبه بالقوة الجبرية التي ترغم الجميع على طريقها، وتمارس سلطاتها على كافة المستويات حتى تؤكد بصورة حاسمة انتهاء العصور التقليدية في كافة الجوانب الحياتية، فلم تعد ذات قيمة .
وهكذا فكافة الأفكار التقليدية، والعيش وفق منظومة قديمة سيجعل الإنسان صاحب هذه النظرة غير قادر على مواكبة الحياة أو التأقلم معها، وخصوصًا في قطاعات تقدس القديم لمجرد أنه قديم ولم تكلف نفسها في مناقشة الزحف القادم .
القادم مرعب بقدر ما هو مريح وبسيط؛ لكنها قوانين تجرى على البشر وفق تقدير الله (عزوجل).

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى