فشل أميركا في قيادة العالم
فشل أميركا في قيادة العالم طارق الهوا
انجزت حكومة الولايات المتحدة أمرا غير مسبوق في التاريخ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عندما قررت إعادة بناء خصومها المهزومين على صورة قيم حداثة الحضارة الغربية وليس إذلالهم، فكانت النتيجة ما نراه في اليابان بعد انهيار قوة الامبراطور الإله الدموي الذي أراد عسكرة كل مواطن و احتلال شرقي آسيا وبناء ترسانة صناعية سلمية تنافس منتجاتها منتجات العالم، وتحوّل ألمانيا إلى دولة صناعية كبرى مع إيطاليا.
يبدو أن الولايات المتحدة لم تزل تؤمن بما فعلته في هذه الدول التي هُزمت ودُمرت بشكل شامل، لكن ما حاولت الولايات المتحدة عمله في العقدين الأخيرين لم ينجح سواء في أفغانسان أو العراق أو ليبيا.
كل قيم حداثة الحضارة الغربية يستحيل أن تُنشر في كل مكان. ثم أن هذه القيم يجب نشرها برعاية حاكم قوي ذي عقلية استراتيجية تزرع شتول هذه القيم على فترات طويلة، مع حجب القيم التي لا تتماشي مع العصر خطوة بخطوة، حتى لا يُصاب الناس بلوثة عقلية وفراغ نفساني.
منذ الحرب العالمية الثانية كانت الولايات المتحدة ضامن وناشر القيم الحضارية الغربية، لكن العقد الماضي شهد توجهاً أميركياً لسحب قواتها من أماكن خطرة مثل سوريا والعراق وأفغانستان، بعدما ظهر واضحاً ان فكرة زراعة قيم الحداثة الغربية مستحيلة في بلاد تبنت بدعم أميركي واضح وصريح الاسلام الراديكالي المتحجر لصد المد الشيوعي، فكانت النتيجة الكارثة الدولية التي نشهدها وبدأت تهدد قيم الحضارة الغربية نفسها، بالتزامن مع صعود التيار الشيوعي الصيني كقوة تقنية وعسكرية يستحيل وقفها.
انكفاء الولايات المتحدة بعد عقدين وانفاق 2.4 ترليون دولار على حرب عبثية في أفغانستان واعادة اعمارها بشكل حديث سريع لا يناسب عقول تعيش في القرون الوسطى، يؤكد أن أميركا يجب أن تعترف بفشل سياساتها منذ سنة 2001، وانعكاس هذه الفشل سلباً على الحضارة وقيم الحداثة الغربية كلها.
جو بايدن مجرد دمية تنفّذ سياسة من يمثلهم حسين أوباما، وهذه السياسة تعني ببساطة تخلّي أميركا عن دورها كقوة ردع مؤثرة في سياسات العالم بعد الحرب العالمية الثانية، علاوة على تأكيد نظرية من يمثلهم أوباما بأن الولايات المتحدة امبراطورية تتلاشى، وإذا كتب روجر بويز في “التايمز” قبيل انتهاء فترة حسين أوباما الثانية “لم يقضم شيء من مكانة الولايات المتحدة مثل غرور هذا الرئيس”، أضيف”لم يهدم مكانة الولايات المتحدة مثل خباثة سياسات هذا الرئيس وزئبقيته، ولم ينشر أحد مثله الفوضى في العالم حتى في أميركا نفسها”.
سياسات رؤساء أميركا منذ سبعين سنة في محاربة المد الشيوعي والحروب التي خاضوها بمساعدة شركائهم الأوروبيين خصوصاً توني بلير كانت خاطئة 100%، لأنهم ساهموا في خلق الصين الشيوعية القوية، ولم ينشروا ديمقراطية أو يزرعوا قيم حداثة الحضارة الغربية، بل ساهموا إلى حد عظيم في خروج الارهاب الإسلامي من العمل تحت الارض إلى العلن وتحوله إلى قوة اقتصادية وتدميرية مؤثرة، كما ساهموا بشكل أعظم في تسونامي الهجرة الذي سيدمر قيم الحضارة الغربية ودولها، لأن المهاجرين لُقنوا منذ خمسين سنة أن قيم حداثة الحضارة الغربية حرام، ثم هربوا من بلادهم بسبب حروب الغرب الغبية عليها، بعقول ترى أن الغرب كافر لكنها تستفيد وتنموا من موادره، ويرون في فتحه سلماً غاية سماوية هي ربح الجنة.