أحوال عربيةأخبار العالمأمن وإستراتيجية

غزو تايوان ..هل ما يزال ضمن خطة بكين ؟

مرزوق الحلالي صحفي متقاعد وكاتب غزو تايوان : هل ما يزال ضمن خطة بكين ؟

إذا كانت الحرب هي خطة بكين ، لا يمكن على الإطلاق إخفاء الأمر، فستكون هناك مؤشرات موثوقة على أن الحرب قادمة.

إبان تصاعد التوتر بين الصين وتايوان والولايات المتحدة خلال في 2021 ، افترض العديد من المحللين أن الحرب آتية عاجلاً وليس آجلاً. كانت هذه التكهنات مبنية على التعليقات الصادرة عن كبار الضباط العسكريين الأمريكيين، والتي أفادت بأن الرئيس الصيني “شي جين بينغ” قد وجه جيش التحرير الشعبي) للاستعداد لغزو الجزيرة بحلول عام 2027 ، دون تقديم أساس لهذا الادعاء. يزعم تقرير أن البعض في مجتمع الاستخبارات الأمريكية يقدر الآن أن الصين يمكن أن تهاجم في أقرب وقت بحلول عام 2024 (على الأرجح حول انتخابات تايوان في يناير 2024).

لكن إذا كانت الحرب هي فعلا خطة بكين ، فيجب أن تكون هناك مؤشرات موثوقة تشير أنها قادمة. وقد يكون من المفيد النظر في ما قد يترتب على التعبئة الصينية الكاملة لصراع كبير من هذا الحجم. إن الصين خاضت آخر حرب كبرى في 1979 وكانت ضد الفيتنام ، وعلى الرغم من قدمها يمكنها أن تشكل مرتكزا للنظر كيف يمكن أن تستعد بكين لغزو تايوان وما هي المؤشرات المتوقع ملاحظتها. وحسب التقارير الاستخباراتية الأمريكية ، يعكس مثل هذا الصراع العسكري أربعة افتراضات تتماشي مع نمط صنع القرار من قبل القادة الصينيين.

1
تشير التقارير إلى أن الرئيس الصيني “شي جين بينغ” والحزب الشيوعي الصيني يعلمان، علم اليقين، أن الغزو المباشر لتايوان سيكون مهمة استراتيجية شاقة وسيعدم أي فرصة للعودة إلى الوضع السابق. كما يمكن أن تستمر مثل هذه الحرب عدة سنوات ، وستتعرض الصين لعقوبات أمريكية وربما متعددة الأطراف، بل قد يصل الأمر إلى حصار أمريكي. آنذاك سوف يتحول أساس الشرعية المحلية للحزب الشيوعي الصيني من التركيز على توليد وصناعة النمو الاقتصادي الذي انطلقت منذ 1978 إلى التركيز – ربما حصريا – على القومية في قضية “إعادة توحيد” تايوان مع الصين.

2
كان الهدف السياسي لبكين – منذ التطبيع الدبلوماسي بين الولايات المتحدة والصين في 1979 – هو الحفاظ على إمكانية الوحدة السياسية مع تايوان في مرحلة ما غير محددة. وسعت الصين إلى تحقيق هذا الهدف بداية من خلال تعزيز التكامل الاقتصادي السريع مع تايوان (1). لكن منذ 2020 ، أدى حظر السفر والحجر الصحي في الصين وتايوان إلى انكماش كبير. كما أن حملة بكين في 2019 ضد دعاة الديمقراطية في هونغ كونغ قد شوهت النموذج الصيني – “دولة واحدة ونظامان” – للتسوية السياسية في نهاية المطاف، وأثرت سلبًا على تصورات العديد من التايوانيين لدوافع بكين ونواياها وأهدافها. لقد قوض هذا المسار أمل الصين الواضح في أن الاتصالات الشعبية والتبادلات الاقتصادية ستعزز الوحدة عبر مضيق تايوان. وهذا التآكل السريع للعلاقات جعل التوحيد السلمي أكثر إثارة للشكوك بخصوص تحقيقه.


(1) – قبل تفشي جائحة كوقيد ، تمكنت الصين من توسيع نطاق السفر عبر المضيق بشكل كبير ، حيث كان يزور ملايين السياح الصينيين تايوان سنويًا ويعمل ملايين التايوانيين في الصين.


3
لطالما كانت استراتيجية الصين السياسية للتوحيد تشمل المكون العسكري ، فضلاً عن المكونات الأخرى : الاقتصادية والمعلوماتية والقانونية والدبلوماسية. علما أن معظم التحليلات الأمريكية ظلت تتعاطى مع خيارات الصين باعتبارها ثنائية السلام أو الحرب ولا تلي الاهتمام الكبير للعناصر الأخرى. لذا ظل يعتقد الكثيرون في واشنطن أنه إذا لجأت بكين إلى استخدام القوة ، فإن الخيار العسكري الوحيد الذي قد تفكر فيه هو الغزو. لكن هذه الرؤية نظرة تبسيطية وليست واقعية. لدى الصين أكثر من خيار لزيادة الضغط على تايوان ، بما في ذلك الخيارات العسكرية بخلاف الغزو ، مثل حملات محدودة للاستيلاء على الجزر التي تسيطر عليها تايوان قبالة سواحل الصين ، وإغلاق الموانئ ، و خنق تجارة الجزيرة. وقد لا تستطيع هذه الخيارات إجبار تايوان على الاستسلام ولكنها، من الأكيد، أنها قد تزيد من عزلها اقتصاديًا وسياسيًا في محاولة لزيادة الضغط على حكومة تايوان وحملها على الدخول في مفاوضات سياسية بشروط ملائمة لبكين.

4
إن العديد من التفاهمات والعوامل العسكرية والمواقف الغامضة التي كرست عقودًا من السلم والسلام والازدهار والديمقراطية في تايوان، تتآكل الآن، وذلك بسبب القوة الاقتصادية والعسكرية المزدهرة للصين ، و مسار ترسيخ الديمقراطية في تايوان بقيادة الحزب الديمقراطي التقدمي المؤيد للاستقلال ، وتنامي تصميم الولايات المتحدة على لعب “ورقة تايوان” في تنافسها الاستراتيجي مع الصين.

السؤال هو : إذا كانت الصين قد قررت بالفعل الدخول في حرب مع تايوان لإلحاقها بها، فما هي المؤشرات التي توشي بذلك ؟

لم يعد يخفى على أحد اليوم، أن تستهلك الحرب الحديثة بين القوى العظمى (وحتى القوى غير العظمى) تستهلك مخزونات ضخمة من الذخائر الرئيسية ، خاصة تلك الموجهة بدقة للحرب البحرية والجوية والبرمائية عالية الكثافة. لذلك كانت الصين قد بدأت بالفعل في زيادة إنتاج الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز ، وصواريخ جو – جو وصواريخ كبيرة لقصف طويل المدى للشواطئ ؛ والعديد من المنتوجات الحربية الأخرى ، وذلك قبل سنة على الأقل. وقد كشفت صور فضائية منشآت عسكرية جديدة في الصين ، بما في ذلك صوامع جديدة لقوتها المسلحة النووية الموسعة من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وعموما إن الإنتاج الكبير من قبل الصين للذخائر الرئيسية سوف يلاحظ من قبل الحكومات الدولية والمراقبين غير الحكوميين على حد سواء.

كما ستتخذ الصين خطوات واضحة لحماية اقتصادها وجيشها وصناعاتها الرئيسية من الاضطرابات والعقوبات المرتقبة. سيتجاوز هذا سياساتها الصناعية الحالية واستراتيجية التداول المزدوج ، والتي تهدف بشكل جماعي إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي والمادي ، أو حتى تدابيرها المحدودة ضد استخدام الولايات المتحدة المتزايد لضوابط التصدير والعقوبات والضغط الاقتصادي والمالي. وحسب جملة من المراقبين الدوليين ، فإن المؤشرات على المدى القريب للاقتراب من الصراع ستشمل أيضا العناصر المالية مثل فرض ضوابط أقوى على رأس المال عبر الحدود ، وتجميد الأصول المالية الأجنبية داخل الصين ، والتصفية السريعة وإعادة الأصول الصينية المحتفظ بها في الخارج. . كما ستشمل زيادة كبيرة في تخزين إمدادات الطوارئ ، مثل الأدوية أو مدخلات التكنولوجيا الرئيسية ؛ وتعليق الصادرات الرئيسية ، مثل المعادن الهامة أو المنتجات البترولية أو المواد الغذائية ؛ وكذلك تدابير لخفض الطلب أو تقنين السلع الأساسية ، وخاصة الواردات مثل النفط والغاز ؛ وترتيب الأولويات أو إعادة توجيه المدخلات الرئيسية للإنتاج الحربي. كما قد تواجه النخب والأطر الصينية ذوي الكفاءات العالية قيود السفر خارج الصين.

ومن المحتمل جدا أن يقوم قادة الصين بإعداد الشعب الصيني نفسياً لتحمل تكاليف الحرب – التقشف، سقوط القتلى في المعارك ، والضحايا المدنيين من جراء الضربات…

ومن المرجح جدا قدوم الاستخبارات الأمريكية والغربية، كشف مختلف المعلومات – بهذا الخصوص كلما وضعت يدها عليها – علنا، على غرار ما حدث قبل شهور من غزو روسيا لأوكرانيا. وقد يتم إعلانها على نطاق واسع.

ومن المؤشرات أن جيش التحرير الشعبي سيوقف معظم التدريبات المنتظمة السارية المفعول في الظروف العادية وسيجري التركيز على الصيانة لجميع المعدات الرئيسية تقريبًا، إصلاح السفن والغواصات والطائرات بعيدًا عن المنشآت العسكرية التي من المحتمل أن تتعرض للقصف ، بما في ذلك القواعد والمطارات البحرية والعسكرية بالقرب من مضيق تايوان، و تحميل الصواريخ والتوريدات والذخيرة على جميع السفن. كما سيتم إنشاء مستشفيات ميدانية بالقرب من نقاط الانطلاق والمطارات.

ستكون هذه الإجراءات العامة من المؤشرات التي سرعان ما سيتم الكشف عنها. وقد تم فعلا، في الآونة الأخيرة ، تسريب معلومات من هذا القبيل.

ومن المحتمل جدا أن يكون الغزو الروسي الكارثي لأوكرانيا قد نبه بكين للمزيد من الحذر. لكن لن يكون أي غزو لتايوان سرا لأشهر قبل بدء بكين للأعمال العدائية، إن هي عزمت على ذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى