غزة دون احتلال ومنزوعة السلاح
إبراهيم ابراش
لا شك أن مقاتلي فصائل المقاومة في غزة أبدعوا في مواجهة جيش الاحتلال وأن الشعب الفلسطيني في القطاع صبر وصمد وتحمل الكثير، ولكن لا يبدو في ظل موازين القوى الراهنة أن المقاومة والشعب قادرون على الصمود إلى ما لا نهاية أو هزيمة العدو في هذه الجولة من الحرب، كما لا يبدو أن الاحتجاجات الشعبية على مستوى العالم المنددة بالاحتلال و المؤيدة للحق الفلسطيني و المشاعر الوطنية الجياشة لأهلنا في الضفة والقدس والشتات الداعمة للمقاومة والتي تطالب أهل غزة بالصمود والصبر الخ بالرغم من أهميتها وإمكانية البناء عليها لاحقا ستوقف حرب الإبادة أو تغير راهناً من سياسات الحكومات تجاه ما يجري في فلسطين.
والسؤال الذي يفرض نفسه، ماذا بعد أن أصبح مطلب المقاومة الرئيس وقف الحرب وخروج جيش الاحتلال ومحاولة الاستفادة من صفقة تبادل أسرى تسعى لها واشنطن وكل العالم ويتهرب منها نتنياهو، وهي صفقة ستؤدي في أفضل الحالات العودة إلى ما كان عليه الحال قبل الحرب، مع كل ما لحق بالقطاع من خراب ودمار وعشرات آلاف الشهداء والمفقودين والجرحى والأسرى؟!!!
مطلب المقاومة هذا يُرجعنا إلى خريف عام ٢٠٠٥ عندما خرج جيش الاحتلال من داخل القطاع ضمن مخطط الانسحاب من طرف واحد، وكان يفترض آنذاك أن يتم التفرغ لبناء القطاع ونزع الذرائع من العدو للعودة للقطاع وأن تتكثف حالة المقاومة في الضفة والقدس ولكن الذي جرى أن حركة حماس واصلت تعزيز تواجدها العسكري في قطاع غزة فقط بينما كثفت جهودها في الضفة لإفشال وإسقاط السلطة الوطنية، وبعد أشهر وتحديداً في 25 يناير 2006 شاركت في انتخابات لـ(سلطة أوسلو) التي كانت تعتبرها خيانة وفي يونيو 2007 انقلبت على سلطة أوسلو في غزة فقط وأصبحت سلطة حاكمة هناك وطالبت دول العالم أن يعترفوا بسلطتها.
كما أن مطالب حماس اليوم وشروطها لوقف الحرب تُرجعنا إلى اليوم السابق للحرب حيث كانت غزة تعيش في هدوء واستقرار نسبي والناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي وكل شيء متوفر لهم تقريبا مما يجنونه من رواتب السلطتين والأموال القطرية ورواتب المنظمات الدولية والأونروا والعمل في إسرائيل ومن رواج اقتصادي وإنتاج زراعي وكانت كل المعابر مفتوحة ولا يوجد جيش الاحتلال داخل القطاع…
فلماذا عاد جيش الاحتلال لغزة؟ وهل من خطط لعملية طوفان الأقصى كان يعتقد ويراهن أن غزة يمكنها أن تكون هانوي فلسطين وأن تحرير فلسطين سينطلق من غزة؟
كان خطأ الفصائل وخصوصاً حركة حماس انهم اختزلوا المقاومة وحصروها بالعمل العسكري وتحديداً في الأنفاق والصواريخ وراهنوا على أن مقاومتهم ستحرك الجيوش العربية والإسلامية للمشاركة في معركة التحرير، وراهنت حماس أن عملها العسكري سيعزز من حضورها داخلياً ودولياً لتحل محل منظمة التحرير في تمثيل الشعب ومحل السلطة في تلقي الدعم والتمويل الخارجي، جاهلين أو متجاهلين ما يجري على أرض الواقع من تحولات دولية جيواستراتيجية وما يجرى من عمليات تطبيع متسارعة مع العدو، وأنهم يواجهون أقوى جيش في الشرق الأوسط ودولة مدعومة أمريكياً وغربياً.
بعد كل ما جرى يجب التفكير بغزة بعد الحرب منزوعة السلاح بدون الاحتلال وجيشه، وبدون كل المظاهر المسلحة للفصائل الفلسطينية وخصوصاً الصواريخ والأنفاق، حتى وإن كان هذا مطلب العدو.
قد يكون هذا المطلب صادما و مستفزة للبعض، فكيف نطلب أن تكون غزة العزة والبطولة والكرامة والمقاومة الخ منزوعة السلاح؟ وأين دور قطاع غزة في معركة التحرير؟
من مصلحة غزة وأهلها والقضية الوطنية في هذا الوقت وبعد الحروب المدمرة التي تعرضت لها وتوظيف العدو لغزة وحروبها وحصارها للتغطية على ما يجري في الضفة والقدس وتعزيز الانقسام، وقف كل أشكال الحشد المسلح من أنفاق وصواريخ وأسلحة ثقيلة والتفرغ لإعادة بنائها وعودة أهلها الذين شردهم الحرب، ، وحتى في هذه الحالة غزة لن تتخلى عن دورها وواجبها الوطني وستستمر محافظة على هويتها وثقافتها الوطنية وسيستمر أهلها متمسكين بحق العودة و بالثوابت الوطنية، ولكنها تحتاج لفترة معافاة، وسيكون دورها وواجبها في إطار استراتيجية وطنية شاملة متعددة المسارات لكل الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، استراتيجية توظف التحولات الإيجابية للرأي العام العالمي لصالح القضية الفلسطينية وتراجع الدعم والتأييد للكيان الصهيوني وحتى لليهود.
(أما آن لهذا الراكب أن يترجل) مقولة تنسب لأسماء بنت أبي بكر الصديق قالتها مخاطبة الحجاج بن يوسف الذي قتل ابنها عبد الله بن الزبير وأبقاه مصلوباً لأيام، ونحن نقول لقد آن لأهل غزة أن يترجلوا عن صهوة جيادهم ولو في استراحة مقاتل، وليس مطلوب من غزة أن تتحمل وحدها مسؤولية تحرير فلسطين والدفاع عن الأقصى أو الدفاع عن كرامة الأمة العربية والإسلامية، أو أن يحولها البعض لحقل تجارب لمشاريعهم الفاشلة ويحولوا أهلها لمرتزقة لخدمة أجندة خارجية. ويضاف لذلك لن تنجح أية حكومة فلسطينية أو جهة دولية في وقف العدوان وإعادة إعمار القطاع ووقف المجاعة وهو مطلب له الأولوية الآن في ظل وجود فصائل مدججة بأسلحة ثقيلة و وحوذ الأنفاق وتسود حالة عدم رضا بينها وبين الشعب المكلوم.–