رأي

مجانية التعليم … لمن ؟!

أحمد فاروق عباس

فى حوار لإسماعيل باشا صدقى مع جريدة المصرى يوم ٤ فبراير ١٩٥٠ جاء رأى صدقى باشا فى عدة موضوعات واضحا وجريئا ..
سأله المحرر أولا عن رأيه فى مجانية التعليم ..
وكان رد صدقى باشا كالأتى :
” المجانية فى التعليم شئ طيب ، بل هو واجب ، على أن تكون هذه المجانية مؤدية لنفع واقعى وحقيقى ، أو تتمشى مع المبادئ العامة التى جرت عليها البلاد المتحضرة ..
ولابد أن يلحق بمجانية التعليم الابتدائي مجانية التعليم الفنى ، لاحتياج البلاد إليه ولتأدية مطالب التصنيع والتحسين الزراعى ..
أما التعليم الثانوى والجامعى فرأيي أن لا تكون المجانية فيه إلا للنابه والنابغ ، وهما النوعان اللذان تنتظر منهما البلاد نفعا من وراء الحصول على ثقافة عالية ..
ويستمر صدقى باشا فى كلامه :
اما تحميل سكان البلاد جميعا أعباء ” شباب ” قد يصلح لأعمال أخرى فسوف يصبح تعليمه مجلبة لضرر عام ..
وفى الوقت الذى نحن احتياج فيه ليد عاملة راقية ( أى ماهرة ) فإن نشر المجانية فيه لا ينتج غير الضرر ، وغير إنشاء طبقة من أرباع المتعلمين الذين سيكونون عالة على الغير ، وقد يسيئون إلى هدوء البلاد وطمأنينتها بتفشى الأفكار غير السليمة في أوساطها “
أعتقد أن ذلك كان شجاعة من صدقى باشا ، وهى شجاعة لم تكن أبدا غريبة عليه ..
فلم يعرف عن صدقى باشا مع طول عمله في السياسة المصرية تملق عواطف الجماهير أو نفاق الجموع بحثا عن شهرة أو جماهيرية ، بل كان رجلا ذو رأى وحجة ، وهو مستعد دائما للدفاع عن رأيه ، وليس لديه سوى المنطق وقوة الإقناع ..
والمشاهد أن من يصل إلى التعليم الجامعى محدود في كل دول العالم ، بما فيها الصين ” الشيوعية ” التى تضع شروطا قاسية – غير مالية – للالتحاق بالجامعات ، تتعلق بالاستعداد والكفاءة والذكاء ، وليس فقط بالمجموع في الثانوية ..
إن جزءا كبيرا من مشاكل التعليم الجامعى فى مصر راجع إلى الإعداد المهولة التى تصل إلى التعليم الجامعى ، بدون استعداد قوى أو كفاية أو ذكاء ..
ولما كان تشخيص المشكلة خاطئا فقد قُدم العلاج الخاطئ ، فتم اعتبار مشكلة الجامعات المصرية مشكلة مادية ، وهنا كان الحل بإنشاء الجامعات الخاصة !!
فالتشخيص الخاطئ قاد إلى العلاج الخاطئ ..
وقديما كان يصل إلى التعليم الجامعى من ليس لديه استعداد قوى لذلك ، غنيا كان أو فقيرا ، والآن أصبح يصل إلى التعليم العالي من ليس لديه استعداد قوى لذلك ، وخصوصا لو كان غنيا !!
وهل ما نراه الآن فى التعليم الجامعى المصرى إلا ما حذر منه إسماعيل باشا صدقى منذ أكثر من سبعين عاما ؟!
وإسماعيل صدقى كان ينظر إليه قديما كسياسى محافظ أو حتى رجعى بلغة تلك الأيام البعيدة – وهو مالا يبعد عن الحقيقة – ولكن لابد من الإعتراف أن جزءا كبيرا من آراءه أثبتت الأيام وجاهته ، وأنه لم يكن يبعد كثيرا عن الحقيقة ..
يقارن الإنسان بين نوعية السياسيين والمشتغلين بالعمل العام قديما ونوعيتها الآن ، ويجد شتان الفارق بين الاثنين ، ليس فقط في الخبرة والحنكة وتجارب الحياة ، ولكن أيضا في شجاعة الرأى وعدم تملق الجموع ، ووضوح الرأى والقدرة على الدفاع عنه بمنطق وحجة ..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى