عمر مضى
حشاني زغيدي
تمضي الأيام ويمضي معها زهرة عمرنا، فتطوي أوراق دفترنا الذي حوى في طياته عمر تبدد، وأجل يتقدم، وأحدنا لا يدري متى يحصل الوداع ويحصل اللقاء؟! ولا يدري متى تدق ساعة الرحيل؟! ولا متى تنتهي تلك الرحلة؟! ولا يدري كيف تكون النهاية؟! ومعها لا ندري ما تحمل النهاية؟! أأفراحا نستبشر بها؟ أم أحزانا تفجعنا؟! فيجهز أحدنا نفسه قبل الوداع .
تمضي أيام أعمارنا ونحن نجهد نفسنا في عراك الدنيا الفانية، ودقات ساعات العام تجري خلفنا تهمس في ٱأذاننا، دقق حساباتك، واجرد مدخراتك، كلمات تردد كالصدى، أحذر، فلا تدري متى يكون الرحيل؟! فعمرك قصير، فجهز مستلزمات سفرك وزاد طريقك.
للواحد منا يعلم أنه صائر لأجله، فالعمر له ساعاته معدودة، فما الليل والنهار والأيام والشهور والأعوام إلا عوامل، فرحلة السفر مهما طالت مدتها فأوقاتها منتهية، والمجتهد البصير من حصل زاد رحلته.
فزاد الرحلة المنتظرة حلاوة إيمان له طعم يسري في كيان الجسد، ونور يشرق في القلب فيطيب به اللسان، وتتحرر به الجوارح، فتحمله في ارتقاء ليعيش حياة طيبة سعيدة في الدنيا. ويعيش حياة المكرمين المستبشرين في الجنة. قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَو أُنثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97]
أما في الآخرة قال سبحانه: ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [الصف: 12]..
كما أن زاد الرحلة ثبات في السير، وصبر في السير الطريق، وصبر على العقبات والمتاريس والأشواك المزروعة هنا وهناك، ومع ذلك الصبر يعضده يقين ينير طريق الرحلة؛ فيكون الله مقصدنا، ويكون الرسول قائد رحلتنا، ويكون القرآن دستورنا. فمتى وصل اليقين بهذه الحقائق، امتلأ القلب إشراقا؛ وينفي عنه كل خوف لأنه بات مشغولا بحب الله تعالى والخوف منه والتوكل عليه .
و زاد الرحلة أيضا إخلاص لله تعالى في القول والعمل، إخلاص بالقلب والجوارح، إخلاص في القصد والطلب، وهذا زاد ثمين لا يستغني عنه صاحب الرحلة. يقول الله تعالي فيه “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة” البينة-5
يقول الإمام حسن البنا رحمه الله مبينا حاجة المسلم لهذا الزاد فيقول: ” وأريد بالإخلاص أن يقصد الأخ المسلم بقوله وعمله وجهاده كله وجه الله وابتغاء مرضاته، وحسن مثوبته من غير نظر إلى مغنم أو مظهر أو جاه أو لقب أو تقدم أو تأخر، وبذلك يكون جندي فكرة وعقيدة لا جندي غرض ومنفعة. يقول اله تعالى ” قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ “161الانعام وبذلك يفهم الأخ المسلم معنى هتافه الدائم “الله غايتنا ” .
كما أن زاد الرحلة عمل صالح يقدمه المؤمن لوجه الله تعالى يرجو به جنته، والعمل ثمرة من ثمار الإخلاص ولا يتحقق إلا إذا أصلح المسلم نفسه، وعمل على تكوين بيت قوامه الصلاح، وأسهم في ارشاد مجتمعه، وسعى في إصلاح أوضاع وطنه، واهتم بهموم أمته بذلك كان فردا عاملا، كان فردا صالحا.. يقول الله تعالى ” وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ” التوبة:105.
المسلم يبذل وسعه لتحقيق هذه الواجبات، فلا يترك طريقا لليأس ؛ يحول دون تحقيقه لأن المنى أن يفوز المسلم بالأجر العظيم يقول عز من قائل: ” أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ” (136) آل عمران
الأستاذ حشاني زغيدي