إسلامثقافة

من أسرار و حكابات الهجرة النبوية

معمر حبار

أوّلاّ: أهمية التجارة من خلال الهجرة:

هاجر سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بدينه، وعقيدته ووجد في المدينة المنوّرة الحرية لممارسة شعائر الله تعالى بحرية، وعلانية، وأمن، واستقرار.

لم يكن يهم قريش من أمر “الدين” شيء، وكانت مستعدة كلّ الاستعداد أن تتنازل عن “دينها” مقابل نفوذها، وهيمنتها، وسيطرتها. لكن لايمكن بأيّ حال من الأحوال أن تتنازل عن تجارتها، وقوافلها، وأموالها لأنّها سرّ قوّتها.

حين أدركت قريش أنّ هجرة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم للمدينة المنوّرة ستغلق عليها طريق التّجارة، والقوافل أعلنت حالة الطّوارىء، واستدعت قادتها، ورجالها، وسادتها بصفة عاجلة لاتقبل أدنى تأخير، لحضور اجتماع دار الندوة قصد قتل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم. وقريش لاتجتمع في دار الندوة إلاّ لأمر جلل، بالإضافة إلى القضايا العامّة التي تتعلّق بشؤونها.

حين استقرّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة المنوّرة، شرع في مطاردة قوافل قريش، لأنّه يعلم علم اليقين أهمية ومكانة التّجارة، والقوافل، وطريق القوافل لدى قريش. فكثّف الغارات، وأضاف أعداد الجند، وغيّر كلّما استدعت الظروف في الطريقة للسّيطرة على قوافل قريش. وفي الوقت نفسه عزّزت قريش قوافلها، وكثّفت الحراسة، وضاعفت الجند، ووضعت أفضل رجالها، وسادتها الذين كانوا يقودون القوافل بأنفسهم لأهميتها، وغيّرت الطريق كلّ مرّة لأنّها تدرك أهمية وعظمة القافلة التّجارية بالنسبة لحياتها، وماضيها، ومستقبلها.

استمرّ الوضع على حاله إلى أن كانت غزوة بدر. وقد قلت أكثر من مرّة أنّ غزوة بدر كانت بسبب قافلة تجارية لم يمكن السّيطرة عليها من طرف المسلمين، ونفس القافلة التجارية حين تأكّد سادة قريش أنّها في أمن، وسلام، ولم تعد بأيدي المسلمين.

قريش تحسن الحساب حين يتعلّق الأمر بتجارتها، وقوافلها ولذلك أعلنت، وخطّطت، واجتهدت، وسعت في قتل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين تيقّنت أنّ الهجرة إلى المدينة المنوّرة تعني غلق طرق التّجارة في وجهها، ومنعها من ممارسة حرية التّجارة التي كانت تنعم بها أثناء رحلتي الشّتاء والصيف. وقريش قد تتنازل عن آلهتها، وتستعمل المقايضة بشأنه. لكنّها لاتتنازل قدر أنملة عن تجارتها، وقوافلها، وأموالها.

وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يدرك جيّدا أنّ قوّة قريش في تجارتها وليس في آلهتها، فأغلق طرق تجارتها، وهدّد قوافلها، وجعلها تعيش في خوف واضطراب، وحرمها من نعمة الأمن الذي كانت تنعم به. ونجح في ذلك نجاحا لاخارقا.

ثانيا: علاقة الهجرة بتوزيع المهام وليس شجاعة سيّدنا الصّدّيق، وعلي بن أبي طالب:

يخطئ من يعتقد أنّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم اختار سيّدنا الصّدّيق رفيقا في الهجرة لشجاعته، واختار سيّدنا علي بن أبي طالب ليخلفه في مكّة في الهجرة لشجاعته، رحمة الله ورضوان الله عليهما.

لاأحد يناقش شجاعة، وقوّة، وعظمة، وبلاء أسيادنا الصّدّيق، وعلي بن أبي طالب. فلا داعي للخوض في هذه النّقطة، والمقارنة بين العظيمين الكبيرين، فهذا ممّا ليس من مقاصد المقال.

اختار سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، -في تقديري- سيّدنا الصّدّيق ليكون رفيقه في الهجرة ، وثاني اثنين إذ هما في الغار، وفاء لطول الصحبة التي جمعتهما، ولم تفرّق بينهما الأيّام بل زادت ثباتا، ورسوخا، وصفاء، ونقاء، ووفاء مع الأيّام.

كان سيّدنا الأمين صلى الله عليه وسلّم، وفيّا حين اختار صاحبه الصّدّيق رفيقا له في الهجرة. وسيّدنا الصّدّيق كان صادقا مع صاحبه سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ووفيّا له. فاجتمعت الأمانة، والوفاء، والصّدق وفي أحلك الظروف، وأصعبها، وأخطرها.

اختار سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم سيّدنا علي بن أبي طالب، -في تقديري- ليخلفه في مكّة أثناء الهجرة، ويتكفّل بتوزيع الأمانات على أصحابها. لأنّه ابن عمّ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، أي من عائلته. والأمانات في بيت سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا أحد يدخل البيت إلاّ أحد أفراد عائلة سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ومن الطبيعي جدّا أن يكون سيّدنا علي بن أبي طالب.

نجح سيّدنا الصّدّيق في المهمّة التي أسندت له، والمتمثّلة في الصحبة أثناء الهجرة. ونجح سيّدنا علي بن أبي طالب في المهمّة التي أسندت إليه، والمتمثّلة في إعادة الأمانات إلى أصحابها، وكلاهما تحصّل على العلامة الكاملة. وتفوّق سيّدنا الصّدّيق بكونه أشرك ابنته سيّدتنا أسماء بنت الصّدّيق، وابنته سيّدتنا الصّدّيقة البكرأمّنا عائشة، وسيّدنا ابنه عبد الله في الدّعم المقدّم لما يتعلّق بالهجرة. مايعني أنّه عرّض حياة ابنتيه، وابنه، وأبيه للإبادة الجماعية، والمحو الكلّي.

أخذ سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، سيّدنا الصّدّيق معه لأنّه كلّفه بمهمّة الرّفقة. وأبقى سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، سيّدنا علي بن أبي طالب خلفا له في مكّة لأنّه كلّفه بمهمّة البقاء. وسيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم، يحسن توزيع المهام، واختيار أهلها الذين يقومون بها على أحسن وجه، وبفاعلية، ولا يخطئ أبدا ومطلقا في توزيعها، واختيار أصحابها.

المسألة -في تقديري- لا علاقة لها بشجاعة سيّدنا الصّدّيق، وشحاعة سيّدنا علي بن أبي طالب فيما تعلّق بالهجرة -وهم الشجعان-، إنّما تتعلّق بتوزيع المهام، وكلّ حسب قدرته، واستعداده، ووفائه، وأدائه، وفاعليته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى