عزيز العراق.. الحبل المتين
ثامر الحجامي
من وسط الرماد تولد العنقاء، ومن ركام الخوف تولد الشجاعة، ومن تحت سياط الجلادين تولد المقاومة، ومن طوابير الشهداء يولد رجال أشداء يكملون المسيرة، يواجهون الخوف بكل شجاعة، ويضعون على عواتقهم سيوف المقاومة، ويجعلون قضيتهم الوطن، ومسؤوليتهم الدفاع عنه، ويسخرون حياتهم في سبيله، فيذوبون حبا به، ويهبونه كل ما يملكون حتى آخر أنفاسهم.
الشعوب الحية؛ طالما أنجبت رجالا عظماء، يزيلون عنها سنوات القهر والظلم ويتصدون لمحنتها، ويرفعون عنها سنوات البطش والتنكيل والجور، ويتحملون من أجل ذلك كل المحن والشدائد، لا يلهيهم عن أهدافهم تعذيب أو قتل أو تشريد، لا يبحثون عن سلطة أو مغانم أو جاه، لا يهتمون أن أصابهم قدح أو قرح، فنبل أهدافهم يجعلهم يترفعون عن صغار الأمور، ولا يهتزون إن عصفت بهم ريح.
العراق وعبر العصور التاريخية التي مرت به، تعرض الى مراحل مظلمة من الهيمنة والغطرسة والإحتلال، ولطالما كان ينجب رجالا أذاذ يحملون مشاعل الحرية، في سبيل الدفاع عنه وتخليصه من سلطات الحكم الجائرة، وأخطر حقبة مرت في تاريخ العراق الحديث هي حقبة حزب البعث الجائر، التي أسست لمرحلة جديدة من المواجهة، مع الاطياف العراقية المختلفة على أساس طائفي من جهة، ومع الحركات والتيارات السياسية العراقية، وخاصة مع التيار الاسلامي من جهة أخرى.
من أولئك الرجال الافذاذ الذين تصدوا لمواجهة نظام الطاغية، هو السيد عبد العزيز الحكيم ” رحمه الله ” الإبن الأصغر للمرجع السيد محسن الحكيم ” قدس سره” بعد أن نال أسرة الحكيم ما نالها، من إعدامات وقتل وسجون وصل الى 63 شهيدا، وحملات القتل والقهر التي مارستها السلطة الحاكمة على مختلف الشرائح الإجتماعية، في محاولة منها لتغيير التركيبة الإجتماعية والفكرية للمجتمع العراقي، وإنهاء وجود أي حركة سياسية أو فكرية مناهضة للنظام الحاكم.
وهكذا أصبح إبن 22 ربيعا من أول رجال المقاومة المتصدين الطاغية، هذا التصدي الذي كلفه الهجرة من العراق، يدور في بلدان العالم وفي أروقة الامم المتحدة، ولا يترك أي فعالية تظهر مظلومية العراق وشعبه، وتفضح زيف إدعاءات النظام الجاثم على صدر العراقيين، إلا وكان قائدا لها ومشاركا فيها، وكان له الدور الكبير في تجميع حركات التحرر العراقية، وتنظيم صفوفها وتوحيد رؤاها تجاه الاوضاع السائدة في العراق، وكان الساعد الابرز لشقيقه الاكبر السيد محمد باقر الحكيم ” قدس سره”.
لكن الدور الابرز والمهمة الاكبر التي وقعت على كاهل السيد عبد العزيز الحكيم هي بعد عام 2003، وتصديه لمهمة بناء العملية السياسية في العراق والتي أصبح زعيما له وأخذ على عاتقه مهمات كبيرة من أجل رسم كيان دولة العراق الجديد، فكان الخيمة الكبرى التي يجتمع تحتها الفرقاء السياسيين بكافة إنتمائاتهم الطائفية والسياسية، فهو المساهم في تشكيل مجلس الحكم الانتقالي، وهو من دعا الامم المتحدة للتدخل في شؤون العراق من أجل إنهاء الاحتلال وإعادة السيادة للعراق، وتخليصه من البند السابع.
شكلت وفاة السيد عبد العزيز الحكيم في 26 اب عام 2009 الموافق للخامس من رمضان، إنعطافة كبرى في تاريخ العراق والحركات السياسية العراقية، بعد إن غاب الحبل المتين الذي كان يمسك بمكونات الإئتلاف العراقي الموحد مع بقية المكونات السياسية العراقية من جهة، وبين مكونات الإئتلاف العراقي نفسه من جهة أخرى، فقد تشظت بعده كثير من الحركات والأحزاب الشيعية التي كان بينها مماحكات وإختلاف في وجهات النظر، لكن وجودج قائد قوي مثل السيد عبد العزيز الحكيم، كان يمنع ما حدث بعد وفاته.