مجتمع

الزمن وقيمة الأشياء

 
علا الحسيني
مع أول صرخة نطلقها ونحن نلج العالم المادي، تصرخ في دواخلنا مهارات وهوايات وميول، بعضها يموت من الاهمال بطيئا على مر السنين، وبعضها يكمن في دواخلنا متحينا الفرص كي ينشط فيشارك في تسيير أقدارنا.
أذكر أنني كنت في طفولتي شغوفة بالرسم ولدرجة أقل بالكتابة…أنغمس لساعات ارسم والاصباغ تلطخ يداي دون اكتراث. أجلب الواني واوراقي واجلس أتأمل فيما سأرسم تأمل بنت قبيلة بدائية أثناء طقس ديني. أصفف ألواني متدرجة ليس حسب أبعادها اللونية لاني لم أكن قد خبرت ذلك بعد، بل حسب ذوقي الخاص ومع ذلك تبدو منضدتي جذابة كما لو أنها قوس قزح.
أنهمك بالرسم ولا أنتبه لمن حولي كما ينهمك المؤمن بصلواته، ولا أرغب في أن يباغتني أحد بسؤال أو أن يصدر ضوضاء يمكن أن تشتت تركيزي وتُطَيّر افكاري. كل ذلك لم يسلبني براءة الطفولة واستحيائها وعفوية الاستجابة، افزع من تدخلهم لكني اضحك بخجل من تهكمهم الودي.
كانت الالوان والاوراق مصدر تسلية عظيم. ألسهولة توفرها أم لشغف فيَّ عارم؟ لست أدري بقدر درايتي انني كنت استمتع غاية الاستمتاع وأنا اعكس اشكالا ملونة على الورق واتمنى لو انها تتجسد حية.
شغفي بالرسم وفَّر على أبَوَيَّ مبالغ إقتناء لعب الاطفال فأنفقونها في توفير ضروريات الحياة لعائلتنا التي لم تكن ثرية. كنت انزع الى أن أكون بمصاف من يكبروني سنا، وزهدت فلم تستهوني لعب الاطفال والتهيت فَرِحَةُ بزهو الوان رسومي.
موهبتي كانت فطرية واستمرت تتقد في داخلي جذوتها دون تحفيز او تشجيع من أهلي ليس لانهم مثبطون للهمم والهوايات ولكن لان انشغالهم بتنشئتنا واستمرارهم بالعمل من اجل توفير لقمة العيش جعلهم يرون الاهتمام بالفنون ضربا من ضروب البذخ الفكري الذي عادة مايصيب الطبقات الارستقراطية.
مالم استطع نيله من مواد في طفولتي، جعلني أشعر بالحرمان أحيانا ولكنه أيضا علمني درسا وهو أنني لما كبرت أيقنت أن كل مايتمنى المرء يدركه من خلال الاصرار والعمل الحثيث، وعلى من يروم وصل الشمس حوك خيوطها.
كدحت واجتهدت في العمل حين كبرت، ومن ريعه وفًرتُ لنفسي كلما حرمت منه في طفولتي، فالطفلة ماتزال تعيش في لاوعيي والأمر الوحيد الذي فشلت في استحضاره هو نوع السعادة التي كانت ستغمرها لو كانت الطفلة حصلت على ماأرادت وهي ماتزال طفلة. شعرت بعدها ان لاجدوى من استحصال ماكان يصعب استحصاله لانه لايستطيع جلب السعادة التي كانت ستصاحبه لو أنه أستحصل في حينه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى