مجتمع

كيف تعلمنا الكلام؟

د. صادق السامرائي الجهاز اللغوي.. كيف تعلمنا الكلام؟

الجهاز اللغوي.. كيف تعلمنا الكلام؟.. هذا السؤال أشبه بسؤال كيف تعلمنا نأكل ونتنفس ونمشي.. إلخ.

المخلوق فيه أجهزة فاعلة ذات عمر محدد للنضج والقدرة على العمل، فنحن نمشي بعد نضج الجهاز الحركي، وعند الولادة هناك أجهزة تعمل للإبقاء على الحياة، فإن ولدنا وبها نقص تعذر بقاؤنا، وفي الزمن المعاصر نبقى في الحواضن حتى يتحقق تمام نضج الأجهزة.

وللكلام جهاز في الدماغ حال إكتماله نبدأ بالكلام، وفي أغلب البشر يكون الجهاز قادرا على العمل السليم بعد الثانية من العمر.

والجهاز الكلامي يتألف من منطقتين رئيسيتين هما: منطقة (ويرنيكا) في النصف الصدغي الأيسر، وفيها يتم إدراك وتوليد المفردات.

ومنطقة (بروكا) في الفص الأمامي الأيسر، وتترجم رسائل (ويرنيكا) إلى كلام منطوق أو مكتوب بتواصلها مع المنظومة التعبيرية.

وأي خلل في المنطقتين وما بينهما وحولهما يتسبب بأضرار متنوعة، وعند نضوجهما يكون المخلوق مؤهل للكلام، وفي البشر يبدو أنهما متوافقتان بالنضج، وباقي المخلوقات ربما منطقة (ويرنيكا) أكثر تطورا ونضجا من منطقة (بروكا)، ولهذا فهي تفهم ولا تتكلم، وبعض الطيور تقلد الكلام.

ومنطقة (ويرنيكا) تستقبل الأصوات وتفاعلها وتصوغ منها ما يشير إلى معنى ومفهوم، فهي ترابطية بإيقاعية ذات آليات متناسقة عند معظم المخلوقات، فأي صوت يرد إليها يرسم خارطة وجوده فيها، ولهذا الطفل عند الولادة يتمثل الأصوات التي حوله، وتتفاعل معها هذه المنطقة وتصنع ما يساعده على الحياة.

ولو أن الطفل ولد في الغابة فسيقلد أصوات الحيوانات وسيمنحها معنى إدراكي.

والبشر الذي وجد لتوه فوق التراب مع عدد آخر من بني جنسه، سيبتكر أصواتا تشير إلى ما حوله، فيبدأ بالأسماء وربطها بما يدل عليها.

ففي منطقة (ويرنيكا) توجد قواعد اللغة، وأنظمة الإيقاع الصوتية، ولكل لغة قواعد وإيقاع، فالشعر موجود فيها، وفيها نظام متشابه، وفقا لترتيب الأصوات والمعاني والدلالات.

والمعرفة متوارثة، شئنا أم أبينا، لأن ما نتعلمه يؤثر على الجينات الكامنة فينا وتنتقل عبر الأجيال، فما نفكر به إن لم يتحقق في عصرنا، سيتحقق في عصور قادمات، لأن الإرادة الجينية ستطلقه عندما تتوفر الظروف المناسبة، والأمثلة عديدة وأقربها فكرة الطيران، التي ظلت تدور في دنيا البشر لآلاف السنين حتى إنبثق التعبير عنها فجأة.

والأفكار الكامنة فينا ستجد طريقا للتعبير عنها عندما يكون الجهاز اللغوي مستعدا لذلك، وتكتمل ملحقاته الآلية كالحنجرة والحبال الصوتية واللسان، وباقي الأجزاء اللازمة للتعبيرات اللغوية.

وهكذا نجد عند الحضارات القديمة لغات متنوعة، إستطعنا أن نفك رموزها لأنها من ذات المنشأ، فهي من إنتاج التفاعل بين المنطقتين وما يتصل بهما.

ومادام المنبع واحد، فأي لغة قديمة يمكن فك رموزها، فقرأنا الكتابات السومرية والفرعونية وغيرها من اللغات، والغوص في منشأ اللغة وفقا لتخيلات وتصورات، ما عاد يجدي نفعا، ولا بد من إستحضار ما توصلت إليه العلوم والدراسات العلمية الرصينة.

ولا يزال الدماغ من العوالم التي نجهل عنها الكثير، وربما معرفتنا بالكون أكثر من علمنا بما يدور في أروقة الدماغ.

هذه قراءة ذات إقتراب عُصيبي – نفسي – سلوكي وتدور في فضاءات الدماغ وتفاعلاته الكهرومغناطيسية مع محيطه الأشمل.

فالدماغ جذّابٌ لما هو فيه، واللغة من إستحضارات ما حوله وتكريرها في مدارات التصنيع!!


د. صادق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى