ثقافة

صندوق بريد العمارة

خالد محمد جوشن

كنت قد اكملت دراستى الابتدائية بتفوق ، وبدأت الاجازة الصيفية ، كانت العادة لدينا ان نعمل فى اجازة الصيف فى ورشة ، فى مكتب ، اى عمل يدر دخلا ونتعلم مهارة جديدة .

إقترح صاحب المنزل الذى كنا نسكن احدى شققه ان أعمل معه ، كان وكيل محامى ، وشجعت إمرأة الرجل فكرة عملى معه لسبب لم افهمه الا لاحقا .

ذهبت مع الرجل صباحا الى المكتب حيث يعمل ، دخلنا عمارة فخمة من بوابة حديد مكسوة بزجاج جميل قوى به سلك رفيع .

دلفت معه الى باحة العمارة وجدت صندوق بريد كبير مقسم خانات بقطع من الزجاج وباب صغير عليه رقم لكل شقة .

سالت الرجل عليه ، قال ده صندوق بريد ، علشان البوسطجى لما يجى بدل ما يخبط على الشقق يحط الجوبات لكل واحد فى صندوقه ، ومن خلال الشراعة الزجاج ب بيعرف ان جاله جواب يفتح بمفتاحه وياخده .

تمنيت وقتها عندما اكبر ، ان اسكن فى عمارة شيك مثلها وبها صندوق بريد ، دارات الايام وبعد اكثر من خمسة واربعين عام سكنت فى عمارة شيك وما زلت بها ولها صندوق بريد جميل بخانات بعدد شقق سكان العمارة .

طبعا اندثر صندوق بريد العمارة واصبح جزء من تراث العمارة ولا يستخدم ، من يستخدم الخطابات الان فى عصر الاميل والواتس اب والانستجرام ؟

ولكن ما زال الصندوق موجودا يشى بعراقة العمارة وتاريخها التليد ويشير من طرف خفى الى تحقق امالى .

يوما نزلت من شقتى وما كدت انظر الى اليمين حيث يوجد الصندوق ، وجدت بدله فجوة كبيرة فى الجدار تشبه الخرابة ، لقد تم نزع الصندوق من مكانه .

تلفت يمينا ويسار وجدت الصندوق ملقى كجثة هامدة ، تحت سلم العمارة .

ناديت الحارس ولم اجده ، وردت عليا زوجته ، سألتها عن الصندوق ؟

قالت ان احد السكان يقول انه برأى برصا يخرج من الصندوق فأمر بازالته ووضع خشبة مكانه .

اتصلت بمأمور الاتحاد فقرر لى انه لم يقرر نزعه من مكانه ، ولكنه علم ان احد سكان العمارة قرر نزعه ووضع خشبة مكانه تغطى الفراغ الموحش المتخلف عن ازالته .

قمت أرغى وازبد وطلبت منه اعادة الصندوق مكانه ، وانه لا يمكن لاحد ان يستبدل شيئا قيما بشيئا اخر ، وانه وان كان الصندوق لا غرض له حاليا الا انه جزء من تراث العمارة .

وهكذا نجحت وبمعاونة الصديق مامور الاتحاد الى اعادة الصندوق الى مكانه العتيد وانظر اليه يوميا وانا داخل وخارج من العمارة .

كيف يمثل لى هذا الصندوق جزء من التراث والحب للماضى القديم ؟ كيف هان على الجار ازالته واستبداله بمسخ لا قيمة له .

عجبا للانسان وذكرياته العميقة ، دمت لى يا صندوق البريد العتيد .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى