صفات الجنس العربي
العرب يخالطون ولا يختلطون، فالعربي صعب الاندماج في غيره، شديد المحافظة إلى الدرجة القصوى على ذاتيته، غيور قوي الغيرة على عروبته وما تنطوي عليه من عوائد وأخلاق وسجايا، فترى القبائل العربية الكبرى في أرض الجزائر اليوم (في منتصف القرن الرابع عشر الهجري) وخصوصا المستقرة بالزاب والصحراء والهضاب العليا أو المستقرة في عمالة وهران كبني عامر (زُغبة الهلالية) وبني هاشم (الأشراف)، تعيش نفس العيشة التي كان عليها أسلافها وتتكلم نفس اللسان الذي كان يتكلمون به وتتخلق بعين الأخلاق التي كانت أخلاق السالفين، وقد حافظوا بعبارة أخرى على جميع الكليات والجزئيات التي كانت لبني هلال وبني سليم من حيث اللغة والأخلاق والعوائد والعقلية والنفسية، فالصبي العربي اليوم يمثل الصبي العربي النازح مع أبيه وأمه من الحجاز ونجد والراعي العربي يمثل لك تمثيلا صحيحا الراعي الهلالي، والسيد العربي اليوم هو نفس السيد العربي الذي كان يسود القبائل نحو بلاد المغرب، والمرأة العربية اليوم هي نفس المرأة التي تمثلها الجازية وتعرف من شهيرات الهلالية، إلى درجة أنك إذا استقر بك المقام في خيمة عربية في أي ناحية من نواحي الجزائر، أمكنك أن ترى وأن تسمع نموذجا حيا من نماذج العرب الأولين كأنهم لا يزالون يرعون السائمة بين الحجاز ونجد.
والعربي ذكي إلى درجة مفرطة، فصيح طلق اللسان ولو كان أميا، كريم إلى أقصى حدود الكرم، شجاع إلى درجة الجرأة، فارس يعشق فرسه ويتغنى بذكر محاسنه، شريف النفس إلى حد التضحية بماله ومصالحه وذاته في سبيل الشرف، مسلم متين الإسلام قوي الثقة بالله متواكل أحيانا إلى درجة التفريط و الكسل.
والعربي يختلف عن البربري في أمرين أساسيين:
أولهما أن البربري مقتصد يفكر في غده أكثر مما يفكر في يومه، أما العربي فلا يعرف للاقتصاد معنى ولا مبنى. إن كان غنيا فهو شديد الإسراف يعيش عيش البذخ والعظمة إلى أن يفنى ماله. وإن كان متوسط الحال فهو ينفق عن سعة كل ما يتحصل عليه من مال، فلا تلبث أن تراه في فاقة واحتياج. وأما إن كان فقيرا فهو لا يفكر إلاّ في قوت يومه، فإن تحصّل على أكثر من ذلك لم يفكر في الغد أصلا.
وثانيهما أن والعربي متسامح مفرط في المسامحة. إن أساء مسيء إلى بربري، حفظ له البربري ضغينة وحقدا، وجعل همه الانتقام من المسيء ولو اعتذر وأناب! وإن أساء مسيء إلى عربي ثم ابتسم له ومد له يده، نسي العربي الإساءة وانمحى من قلبه أثرها ومدّ له يد الصداقة والأخوة بإخلاص وانعطاف.
✍ المؤرخ العربي أحمد توفيق المدني