رأي

صدق الوفاء

أخي الكريم :
الوفاء من أجمل الصفات التي يتحلى بها الإنسان و الوفاء ثمرة من ثمار الصدق، فمن معاني الوفاء الإخلاص، الذي هو صدق النية و العطاء و التضحية المنافية للخيانة و الغدر، و من أمثلة الوفاء وفاء خليل الرحمان إبراهيم عليه السلام ، فكان أصدق من وفى ، و قد أوجز صاحب الظلال الصورة في أجمل وصف : ( وإبراهيم الذي وفَّى ) . وفَّى بكل شيء . وفَّى وفاء مطلقاً استحق به هذا الوصف المطلق ”
أخي الكريم :
لقد شدني وصف رائع لمعنى الوفاء أجمل فيه صاحبه كل معاني الروعة في إيجاز مبينا الوصف الحقيقي كأنه لوحة رسمها فنان مبدع إذ يعد الوفاء قطرات ندى سقط على إكليل زهرة يقول صاحبها : ” الحب كالزهرة الجميلة والوفاء هي قطرات الندى عليها، والخيانة هي الحذاء البغيض الذي يدوس على الوردة فيسحقها ” .
و الأوفياء هم أحرص الناس على حفظ العهود و المواثيق فلا يدسون المبادئ بالأقدام .
أخي الكريم :
و أفضل الوفاء أن يكون من العبد لله تعالى ، يكون الوفاء للمنعم صاحب الإنعام و الفضائل ، فتكون الطاعة له و ليس لسواه، نخصه بالعبودية ، فتكون حياتنا حسبة لله تعالى
قال الله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [الأنعام: 162، 163].
أخي الكريم:
و الأحق بالوفاء بعد الله تعالى و الأحق بالبر و الإحسان و الأحق برد المعروف لهما، أقرب الناس إلينا، أرحمهما دون الخلق الوالدان الكريمان، فالوفاء لهما حق واجب في حياتهما و بعد مماتهما
﴿ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ الإسراء: 24.
أخي الكريم:
و تظل شجرة الوفاء تثمر في البيوت و الأسر فتتأسس العلاقة الأسرية و تقوى دعائمها بالوفاء، فتحفظ من الهزات و التلاشي، فتدوم العشرة و تطول بالوفاء، و تحقق الرحمة و المودة بين الأزواج بحفظ هذا الخلق، فحياة يطبعها الوفاء تكون حياة متميزة، تبقى نفحاتها مزروعة في كيان الأسرة و لو مرت السنوات و انقضى الآجال ، يظل لحن تلك الأيام يفوح بأطيب الروائح الشذية .
فعن عائشة -رضي الله عنها (ما غِرتُ على نساءِ النبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- إلّا على خديجةَ، وإنّي لم أُدركها، قالت: وكان رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- إذا ذبح الشّاةَ فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاءِ خديجةَ، قالت: فأغضبتُه يوماً فقلتُ: خديجةُ؟ فقال رسولُ اللهِ ﷺ: إنّي قد رُزِقْتُ حُبَّها).
يوم فتح مكة حين جاءت إحدى صديقاتها للسلام على رسول الله ﷺ أجلسها على ردائه وجلس معها يتذكرون أيام خديجة.
و تذكر كتب السنة أثرا رائعا لوفاء رسول الله لزوجته خديجة رضي الله عنها ، في موقف يرسم صورة الحب والوفاء نتعلم منه الدروس و المواعظ .
حين أرسلت زينب بنت رسول الله ﷺ تفتدي زوجها أبا العاص بن الربيع بالقلادة التي أهدتها إياها أمنا خديجة في زواجها؛ فلما رأى رسول الله القلادة، بكى وقال لأصحابه. إن شئتم أطلقتم أسيرها وأعدتم لها قلادتها ، فأي روعة هذه و أي وفاء هذا .
و تظل صور الوفاء ترسم لوحتها في حياتنا ، تطبع علاقتنا و أفكارنا ، فليس من الوفاء في شيء أن تدير ظهرك لمبدأ تشربته و فكرة رضعت من صاف لبنها ، و ليس من المعروف و لا الوفاء في شيء أن تنكر جميلا أسدي إليك يوما ما ، فأصل الكريم الوفاء،و ليس من الوفاء في شيء بيع صديق بفتات الدنيا الفانية ، و ليس من المروءة و لا الوفاء في شيء نكران المودة بعد عشرة طويلة ، و ليس من الوفاء في شيء خذلان الأصحاب وقت الشدة ، فمعادن الأوفياء تظهر أثارهم عند الضيق و في أوقات الشدائد، إنه صدق الوفاء .
الأستاذ حشاني زغيدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى