سورية والصين …ماذا بعد زيارة الأسد ؟
سورية والصين …ماذا بعد زيارة الأسد ؟
الدكتور خيام الزعبي- عضو منتدى القانون الدولي في جامعة القاهرة
على مدى الأسابيع الماضية أعلنت الصين عن سلسة من التحركات بدت مفاجئة للجميع على أكثر من مستوى بشأن سورية، فالسؤال الأكثر إلحاحاً والذي أصبح هاجساً لكل صُناع السياسة في المنطقة، حول ماهية الوضع المتوقع ما بعد زيارة الرئيس الأسد لبكين، وما ستؤول اليه الأمور على المستوى الإقليمي والدولي ، وخاصة هذه الزيارة تمثل التحدي الأكبر للأنظمة المعادية لسورية، إذ أحدثت ما يمكن تسميته مفاجأة دولية حيث سارعت عدد من الدول وعلى الأخص الولايات المتحدة وإسرائيل بإصدار تصريحات تعكس ردة الفعل التي سببتها هذه الزيارة.
لا يخفى على أحد، تأتى زيارة الرئيس الأسد الى الصين وسط تفاعلات دولية وإقليمية متغيرة ناتجة عن الحرب الروسية الأوكرانية وتداعياتها على حالة الاستقرار والأمن الدولي واعتبار الولايات المتحدة الصين “مصدر قلق” يهدد بصورة مباشرة المصالح الأمنية والسياسية والاقتصادية الأمريكية في المنطقة، هذا إلى جانب ما تشهده سورية على مدار السنوات السابقة من محاولات لكسر العزلة الدولية عبر حالة التقارب الإقليمي مع الحكومة السورية بعد 12 عاماً من الحرب على سورية.
لا شك في أن زيارة الرئيس الأسد لبكين تعد ضربة سياسية كبيرة تعكس جدية المواقف الصينية تجاه سورية، ورسالة إلى المجتمع الدولي مفادها أن بكين ثابتة في مواقفها بالنسبة لسورية، وأن الصين جادة فعلاً في حماية المنطقة من الإرهاب بعد توسعه في المنطقة وعدم قدرة أمريكا والمجتمع الدولي على الحد منه، في إطار ذلك تعهدت الصين بمواصلة دعم الدولة السورية عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.
وإنطلاقاً من ذلك، تأتى هذه الزيارة انعكاساً لرغبة الدولتين في إقامة علاقات شراكة استراتيجية بين البلدين، ومواصلة الدعم في القضايا المتعلقة بمصالح الدولتين وتثير قلقهما، والعمل المشترك على تعزيز قدرة سورية بشأن إعادة البناء والإعمار ومكافحة الإرهاب واجتثاثه من جذوره.
من هنا، إن زيارة الأسد للصين مرتبطة بعدة محددات وعوامل، أهمها سعي دمشق في دعوة الصين للاستثمار وإعادة الإعمار في سورية، بالإضافة الى توظيف الصين لحالة الشراكة الاستراتيجية مع سورية في مواجهة الدول الأخرى التي تناوئ كلاً من الصين وروسيا وسورية على حد سواء، وهى الولايات المتحدة والدول الأوروبية وإسرائيل الإرهابية.
بالمقابل، هناك العديد من الرسائل عكستها زيارة الأسد للصين، وكان من أهمها ، توجيه رسالة للولايات المتحدة تحمل طابع التحدي خاصة بعد الحفاوة الذي استقبلت به بكين الرئيس الأسد على كافة المستويات السياسية والإعلامية، وكسر العزلة الدولية المفروضة على دمشق من الناحية ومحاولة كل من الصين وروسيا كسر هذه العزلة من خلال تقريب وجهات النظر بين سورية والعديد من الدول العربية والإقليمية.
أما الأهداف التي تسعى الصين وسورية لتحقيقها، هي رغبة الصين في الاستفادة من موقع سورية الاستراتيجي في مبادرة الحزام والطريق والتي انضمت سورية إليها لاحقاً، و كذلك سعى الصين للاستثمار في قطاع النفط السوري، بالإضافة الى محاولة الصين لعب دور أكثر فعالية على مستوى التسوية السياسية للأزمة السورية، بالتالي وصول سورية إلى شراكات استثمارية وتجارية جديدة مع الصين من شأنها مساعدته على مواجهة أعباء وتداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة، فضلاً عن الحصول على الدعم من الصين كقوة دولية لها وزنها السياسي والاقتصادي في المنطقة، خاصة بعد اندلاع الاشتباكات والمواجهات المسلحة بين العشائر العربية و”قسد” في الشمال السوري، وقيام الولايات المتحدة بنشر مزيد من قواتها وآلياتها العسكرية في شمال شرق سورية.
لذلك يمكنني القول إن زيارة الرئيس الأسد إلى بكين، تؤكد أن هناك تفاهمات تصل إلى حد التطابق بين الصين وسورية، فالصين تتحدى العقوبات الأمريكية المفروضة على سورية ، وتسعى الى ربط أهدافها الاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط عامة وسورية خاصة بدور سياسي أكثر فعالية وجدية خلال المرحلة القادمة، وبالتالي إن هذه الزيارة من شأنها تقليل حدة الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الاقتصاد السوري، وأن سورية بوابة الصين إلى الشرق الأوسط
على أية حال، إن هذه الزيارة بداية لفتح مسارات جديدة على طريق تسوية الأزمة السورية سياسياً، وبارقة أمل كبيرة في الخروج من النفق المظلم والتوصل إلى حل سياسي يعطي الثقة للشعب السوري في الخلاص من الإرهاب والقضاء عليه، وخطوة مهمة باتجاه فتح الطريق للحوار بين مختلف المكونات السورية، وإنطلاقاً من ذلك فإن التطورات والمشهد المعروض يشير إلى أن الأيام القادمة ستشهد تبدلاً كبيراً على الساحة السورية، خاصة ان الطرح الصيني لحل الملف السوري يدعمه التوافق الإيراني والروسي والدول الصديقة المختلفة.
وأخيراً إننا في انتظار الحدث الكبير…والترقب سيد الموقف.