إقتصادفي الواجهة

سلاح الدواء العالمي و شركات الدواء

طلال الربيعي
في اعتراف صريح وفج، صرح الرئيس التنفيذي لشركة باير مارخن ديكرز بان الدواء الجديد المصنع من قبل شركته لمعاجة سرطان الكلية والكبد, Nexavar, لم يصنع لمعالجة “الهنود”، وانما لمعالجة “المرضى الغربيين” الذين يستطيعون تحمل كلفة هذا الدواء. وجاء اعلانه هذا في أعقاب حكم صدر مؤخرا من قبل محكمة هندية يقضي بأن بعض الأدوية المنقذة للحياة يمكن أن تنتج و توزع, محليا, بسعر ارخص من سعر الدواء الاصلي, اي بانتاج نسخ من الدواء الاصلي مع الاحتفاظ بنفس الفعالية العلاجية تماما للدواء الاصلي.
ان تصريح ديكرز مزر، ولكن الدفاع الأيديولوجي الذي مارسته وسائل الإعلام البرجوازية وغيرها يكشف عن مستوى أعمق من الحقيقة. يصرح المتملقين و المستفيدين من الرأسمالية بانه
“بالطبع نحن نريد أن نتأكد من امكانية الناس بالحصول على الأدوية المنقذة للحياة”, ولكنهم يؤكدون بشكل قاطع بان “انتهاكات حقوق الملكية الفكرية على نطاق واسع يمحو حافز الاستثمار في اكتشاف وتطوير هذه الأدوية في المقام الأول. اي انه في نهاية المطاف، فإن الجميع [الذي لا يزالون على قيد الحياة] يستفيدون من الالتزام بالحقوق الحصرية للملكية الفكرية.”
ان هذا المنطق التبريري لشركة باير يعني تورط النظام على نطاق أوسع: فهم يقولون “من أجل إنتاج الأدوية المنقذة للحياة، نحن بحاجة لتقييد الحصول عليها عبر تدابير التسعير، مما يتضمن حتمية معاناة العديد والموت الذي لا لزوم له. فرفع الاسعار يضمن تحقيق الارباح الضرورية للاستمرار في انتاج وتطوير العقاقير. بطبيعة الحال، الجميع سوف ينتفع في الحصول على مزايا افتراضية على المدى الطويل”.
تاريخ باير الدنيئ ومجمعها الصناعي للسرطان
تأسست شركة باير في عام 1863 في بيرمن، ألمانيا. في عام 1899 اتتجت الاسبرين. وفي العام قبله، انتجت الهيروين وسوقته كدواء سعال للأطفال “من دون آثار جانبية”.
خلال الحرب العالمية الأولى، حولت الشركة اهتمامها نحو تصنيع الأسلحة الكيميائية وحتى انها أسست “مدرسة الحرب الكيماوية.” بعد الحرب انضمت باير مع غيرها من شركات تصنيع المواد الكيميائية لتشكيل “فاربن” ، أكبر شركة في ألمانيا في ذلك الوقت و أكبر مساهم لاحقا في الحملة الانتخابية لهتلر.
خلال الحرب العالمية الثانية، استخدمت فاربن عمل السخرة في العديد من المصانع والمناجم التابعة لها. وحصلت الشركة على براءة اختراع ل زيكلون B، الغاز المحتوي على السيانيد والعديم الرائحة, الذي استخدم لقتل أكثر من مليون شخص في معسكرات الاعتقال في جميع أنحاء أوروبا المحتلة. في عام 1946 اقرت محكمة نورمبرغ أنه كان غير ممكنا نشوب الحرب العالمية الثانية بدون شركة فاربن.
حكم فقط على 13 من أعضاء مجلس إدارة شركة فاربن, البالغ عددهم 24, بالسجن بسبب جرائمهم ضد الإنسانية، وأولئك الذين حكم عليهم بالسجن كانت عقوبتهم, على حد تعبير النيابة العامة, مناسبة لمعاقبة “سراق الدجاج.” بالإضافة إلى ذلك ، فإن العديد من المدراء التنفيذيين الذين دعموا النازية عادوا للعمل في شركات جديدة بعد تقسيم ممتلكات فاربن في عام 1952.
اما اليوم، فمجمع باير هو عبارة عن تكتل ضخم مكون من ثلاثة أقسام رئيسية هي: باير للرعاية الصحية، وهو القسم الخاص بانتاج الأدوية والمعدات الطبية؛ باير، التي تنتج البوليمرات و البلاستيك ، و باير كروب ساينس، التي تنتج المحاصيل المعدلة وراثيا والمواد الكيميائية الزراعية. أساسا، فان باير تتكون من ثلاث شركات كبيرة، اثنان منها لإنتاج أو استخدام المواد التي تسبب في حدوث السرطان، والاخرى تنتج علاجات لامراض مثل السرطان – ولكن فقط للأشخاص الذين يمكن أن يدفعوا سعر الدواء.
الاقتصاد السياسي للملكية الفكرية
ان الهند ليست البلد الوحيد الذي يسعى لإنتاج نسخ من الادوية الاصلية الحاصلة على براءة اختراع بتكلفة أقل بكثير. فقد تسبب مؤخرا حكم قضائي في جنوب أفريقيا, يسمح بالتصنيع المحلي المنخفض التكلفة, برد فعل غاضب من قبل شركات الادوية المصنعة للعقاقير الاصلية والحاملة لبراءة الاختراع, حيث هددت هذه الشركات باتخاذ إجراءات عقابية, بل وحتى بتقييد الوصول إلى انتاج عقاقير جديدة في المستقبل.
ان الجدل الدائر حول التصنيع المحلي للأدوية يسلط الضوء على بعض ملامح التناقضات العالمية. في هذه الحالة، فإن برجوازية حفنة صغيرة من بلدان العالم الثالث الصاعدة تشعر بانها أكثر حرية في تحدي الهيمنة الاقتصادية للإمبريالية الثلاثية (شمال اميريكا, اوربا, وجنوب شرقي آسيا). تشعر الإمبريالية الغربية, لربما اكثر من غيرها, بالتهديد الخطر المحدق مما يجعلها الآن اكتر تصيما في الدفاع عن مصالحها والحفاظ على هيمنتها من اي وقت مضى.
من الناحية الاقتصادية, فان براءات الاختراع والملكية الفكرية هي نوع من رأس المال الاحتكاري. فاندماج رأس المال هذا مع غيره من أشكال الرأسمال المالي، أي شركات التأمين التي تدفع عادة الجزء الأكبر من العلاجات باهظة الثمن لأولئك الحمظوظين بامتلاكهم للضمان الصحي, ينتج احتكار رأس المال الذي يسمح بتداول و تركيز رأس المال في المركز (الدول الغنية) على حساب الهامش (الدول الفقيرة). وبالتالي، فان الامر لا يقتصر فقط على حقوق الملكية الفكرية التي تقييد بالضرورة الحصول على الأدوية المنقذة للحياة لأولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكلفتها، وانما يشكل ايضا جزء من النظام الذي يخلق الظروف المسببة لانتشار الفقر في المقام الأول.
الحل
فمن الواضح أن التوصل إلى حل حقيقي للحفاظ على الصحة عالميا لن يتحقق ضمن المنظومة الرأسمالية الإمبريالية الحديثة. ففي ظل الرأسمالية, فان شركات الأدوية لا يمكنها تقييد الحصول على العقاقير من أجل ضمان الربح، لان التقييد سوف يتعارض مع الغرض من وجود هذه الشركات ويؤدي لا محالة الى فشلها في الواقع. ان اسلوب عمل شركات الأدوية هو تجسيد لنظام أكبر تكون فيه أغلبية الناس غير قادرة على تحمل كلفة منتجاته أو خدماته.
لذلك يجب السعي إلى حل حقيقي من خلال اقتصادية جديدة, اي بإنتاج وتوزيع ديمقراطي وعقلاني يرضي الرغبات والحاجات. وحل كهذا لا يمكن تحقيقه إلا بالاطاحة بالنظام الاقتصادي القائم من خلال الثورة: الإطاحة بالعلاقات الرأسمالية الإمبريالية الإنتاجية والاجتماعية -حقوق الملكية الفكرية وغيرها- ومن خلال تنامي النفوذ الاقتصادي والسياسي للجماهير المستغلة و المضطهدة في العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى