رأي

أركون…أداة العلمانية والتغريب

أركون…أداة العلمانية والتغريب

لمعرفة حقيقة أركون يكفي أن تقرأ كتبه، خاصة بالفرنسية التي كتبها بها…هي كلها دون استثناء تدور حول محورين اثنين: “أنسنة” الإسلام وعلمنته…يصرح هو تصريحا لا تلميحا أن هذه هي المهمة التي نذر لها حياته، فلْيدافع عنه من يشاء وليجعل منه مفكرا خارقا للعادة ومجددا مميزا، لكن تبقى هذه هي حقيقته…والغالب أن الذين يبالغون في الثناء عليه إما أنهم من طائفة “التنويريين” أو ممن يغلب عليهم الانتماء الدشراوي، والشيء من معدنه لا يستغرب…كثيرا ما يستعمل هو وأنصاره تعبير “نقد العقل الإسلامي” في غلإشارة إلى مشروعه، والحقيقة أنه مشروعه كله ليس نقدا للعقل وإنما – بوضوح وجلاء وصراحة – للقرآن الكريم والتراث المرتبط به، أي بكل ما هو مقدس….وكم يحلو له أن يردد “أحب محمدا (يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم) الانسان ولا أحب محمدا النبي !!!

أركون ليس شخصا بل هو مشروع استشراقي صنعه الغرب على عينه على أنقاض الاستشراق التقليدي، نشروع يتولاه “مسلمون” لإفراغ دين الله من الربانية وتقديمه كمنتج إنساني بحت لا قداسة له بأي شكل من الأشكال، إنه “الاستشراق العربي”، لذلك كان أركون لا يكتب لا للعرب ولا للمسلمين بل للغربيين، كدليل ثقافي يعبد لهم طريق علمنة الإسلام واحتوائه من طرف الثقافة الغربية لإبطال مفعوله وإطفاء شعلته ضمن الخطة التغريبية الشاملة التي يقودها الثلاثي العتيد: الاستشراق والتنصير والاستعمار، فكتاباته مطية للطعن في الدين والتشكيك فيه بين المسلمين بما يطلِق عليه “وسائل علمية حديثة”.

إني استغرب احتفاء بعض الأفاضل بأركون وإضفاء صفات التجديد والبحث العلمي والجدية على أعماله،  ببساطة أظن أنهم لم يقرؤوه، أو اقتصروا على الاطلاع السطحي المصحوب بالانبهار المسبق…جميع كتبه تنطق – أجل، تنطق – بما ذكرته: مشروعه هو “أنسنة” الإسلام وعلمنته…هو لا يومئ إلى هذا بل يذكره صراحة ويؤكده ويناضل دونه بكل جرأة ويكرره في جميع كتبه دون مواربة، وهذا الذي حدا بالشيخ محمد الغزالي رحمه الله أن ينبهه إلى أنه إن كان يعتقد هذا فهذه ردة عن الإسلام.(وقد هوّل أنصاره ومحبوه الأمر واتهموا الشيخ بالتكفير وتغاضوا عن الردة الصريحة).

يحلو للدوائر الغربية والعلمانية أن تصنف أركون ضمن من تسميهم “مفكري الإسلام الجدد” والتنويريين، وهؤلاء يحملون أسماء عربية وإسلامية يتعاملون مع القرآن الكريم كمادة بشرية بحتة، ومع السنة النبوية بالإنكار، ومع علماء المسلمين عبر القرون كأميين جُهال يستخدمون الدين لأغراض مصلحية وسياسية، أي ينكرون الوحي، ويزدرون التراث العلمي، ويجعلون من الإسلام عجينة طيعة يصنعون منها خلقا مشوها يطلقون عليه “الإسلام”.

بعد وفاته صدر لأركون كتاب مهم جدا عنوانه La construction humaine de l’Islam – والترجمة دقيقة جدا فهي “البناء البشري (أو الإنسي) للإسلام، وليس “البناء الإنساني” كما تسرع بعض المترجمين- ومحتوى الكتاب ينطق بهذا، فهو خلاصة وعصارة عمل أركون الفكري، يسرد فيه جهوده المضنية منذ شبابه من أجل نزع الصفة الربانية والقدسية عن القرآن والإسلام وجرّ المسلمين إلى الفكر الغربي العلماني عبر إعادة قراءة الإسلام قراءة بشرية صرفة ليس فيها أي تقديس للوحي ولا للرسول صلى الله عليه وسلم فضلا عن تراث العلماء والفقهاء والمجتهدين، ولو كان الأمر لي لوزعت هذا الكتاب على أوسع نطاق ليعرف الناس حقيقة أركون مباشرة من كتبه وعلى لسانه وبقلمه، بعيدا عن سحر الإعلام الغربي والهالة التغريبية وبعض الأقلام التي تفتقد إلى الرسوخ أو الأمانة العلمية…أركون كثيرا ما يردد هذه العبارة ومثيلاتها “ليس القرآن كلاماً آتياً من فوق، وإنما فقط حدث واقعي تماماً كوقائع الفيزياء والبيولوجيا التي يتكلم عنها العلماء، إن القرآن يتجلى لنا كخطاب خاص له ماديته وبنيته “، لهذا نجد الدوائر الغربية والشرقية والوطنية المعادية للإسلام كلها تقف وراء فكره وتريد أن تفرضه على الجزائريين فرضا لأنه معول فعال لهدم الاسلام من الداخل.

أركون مفكر مزيّف ليس له أي خلفية معرفية راسخة بعلوم الدين والعربية، ولولا الهالة التي أضفتها عليه الدوائر التغريبية لما سمع به أحد، إنما هو مغمور مكلف بمهمة زعزعة إيمان المؤمنين وتضليل المسلمين ونشر الكفر بينهم باسم قراءة الإسلام قراءة عصرية تعتمد الوسائل الحديثة مثل اللسانيات والأنتروبولوجيا، وهذا زخرف قول بطبيعة الحال، وطريقة ملتوية لإخفاء القصد الواضح من مشروعه الهدام…أريد ان يقرأ الناس – هم بأنفسهم – تراث أركون ليروا ألا علاقة له بالاسلام في قليل ولا كثير – ما عدا اسمه الأول، واختم بالتنبيه على هذه النقاط:

–         سنة 1984 دُعي أركون لإلقاء محاضرة في جامع باريس الكبير، وأثناء النقاش سُئل لماذا لم يُرَ ولو مرة واحدة يصلي بهذا المسجد وهو يسكن قريبا منه فأجاب: الصلاة مسألة شخصية! وتذكر ابنته سيلفي Sylvie أنها لم تر أباها يصلي ولو مرة واحدة (ولم يره أحد أيضا في ملتقيات الفكر الإسلامي) ولا صام ولا التزم بأي من أحكام الاسلام…هذا هو “المسلم” الذي يريد تجديد الإسلام !!!

–         يقول تلميذه وصديقه شديد الإعجاب به –رشيد بن زين– “لقد رفض (أي أركون) دائماً الإجابة عن هذا السؤال: هل أنت مؤمن؟ و قبل أيّام من وفاته قال لي: لا أحبّ أن يُطرح عليّ هذا السؤال.

–         كتب الدكتور يحيى بوعزيز الأستاذ بجامعة وهران –رحمه الله– مقالاً في جريدة الشروق مقالاً ذكر فيه أنّه كان في مؤتمر دولي حول الإسلام في بلد أوروبيّ ورأى أركون يحاضر في الإسلام ثمّ “يشرب الخمر في فترات الاستراحة ويستزيد منها”..ولم يكذّب أركون الخبر.

هذا هو أركون الإنسان و أركون أداة العلمانية والتغريب.

عبد العزيز كحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى