”زهايمر“.. ذاكرة مهترئة وقلب مثخن بالجراح.

—–

رشيد مصباح (فوزي)

حينما يكون لديك مال، أو جاه، أومنصب.. فإن الدنيا تأتيك صاغرة. وبمجرّد فقدانك للمال، أو الجاه، أو المنصب، فإنّك من يومها تمسي معدوما، ويهجرك الصاحب والقريب.

لا شكّ في أن المال يُكسِب القبول في الأرض، وكذلك في السّماء؛ إذا ما تمّ توظيفه بشكل سليم، وعلى النحو الذي يرضي المولى عزّ وجل. وأمّا الفقر فيورّث النّفور والذل، حتى وإن كان الفقير على قدر من اللّباقة واللّطافة. فنحن في زمان لا مكان فيه للّباقة واللّطافة، ولا للأخلاق الكريمة.

كذلك الأمر حين يشيخ الانسان، ويغزو الجسد الهزيل والذّاكرة المهترئة والقلب المكلوم الممزّق أنواع الأمراض الخطيرة، والمؤلمة، والمزمنة، والملوِّثة… و يتلاشى كل شيء جميل ذو قيمة من حوله؛ ويهجره الأقرباء والأصحاب والأتراب.. وتغدو الوحدة الأنيس المفضّل والرّفيق الدّائم والمميّز.

وما بال الإنسان إذا ما اجتمعت فيه هذه البلاوي كلّها، وغدا من يومه معدوما يتألّم وحيدا، وأوصِدتْ في وجهه كل الأبواب.. ولم يتبقَّ منها سوى ”اليأس“؟

أختي المكلومة عن ابنها الشاب الذي اختارته الأقدار من بين أترابه لترتقي بروحه البريئة من الحضن الدّافئ إلى مكان لم يكن في الحسبان، ونزل خبرُه كالصّاعقة على فؤاد أمّه، ظلّت تبحث عن شيء اسمه ”الزهايمر“ للنّسيان ومداراة الألم.

حين توصد كل الأبواب في وجهك، أو تفقد عزيزا على قلبك، فإنّك تغدو أسير الهواجس والهلاوس وتتسلّط عليك الأفكار المقلقة والمؤلمة. وتطلب النسيان فيغدو كالبدر صعب المنال.

من رحمة الله و لطفه، فإن النسيان بلسم للقلوب المثخنة. ومن عدله كذلك، إنّه ما من مخلوق على وجه البسيطة إلّـا ويصيبه ما قد أصاب غيره؛ فإمّا عجز، وإمّا فقر، أو فراق.. وإمّا دفعة واحدة.

وكما أن لكل بداية نهاية، فكذلك دوام الحال من المحال: ((عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ، وأحبِبْ من شئتَ فإنَّك مفارقُه)). كما جاء في الحديث الشريف.

أين الزّعماء؟

أين الرّؤساء والملوك الجبابرة؟

أين الأجيال التي سبقتنا وعمّرت الأرض قبلنا؟ صاروا كلّهم ”أثرا بعد عين“! ولم يبقَ منهم ولا من أجسادهم التي تعفّنت وتحلّلت و تحوّلت إلى أسمدة تغذّي الثرى… سوى العِبرة أو الأسماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى