رأي

رسالةُ العهدِ الأبديِّ

حشاني زغيدي
شَكتِ الأمُّ عقوقَ أبنائِها، أبناؤُها الذين تلحفُوا سماءَها، وارتوا من مائِها، وتنعمُوا من خيراتِها، لكنَّ العقوقَ أعمَى أبصارَهم، أوَ ينسَى الأبناءُ حنانَ أمِّهم وعطفِها !؟ أوَ ينسَى الأبناءُ حضنَ أمِّهم الدافئ !؟ أوَ ينسَى الأبناءُ قصَصَ الحبِّ المكتوبةِ في جدارياتِ الآثار المنحوتةِ !؟
تخرجُ تلكَ الكلمات الحزينةُ منْ أعماقِها، تخرجُ كلماتُها تحملُ الأوجاعَ، فلمْ يخطرْ ببالِ الأمِّ الحنونِ أنّ أبناءَها، قدْ رضعُوا لبنًا غيرَ لبنِها، حينَ كانتْ تقارعُ الأعداءَ، تحمِي أبناءَها، تحصنُ ثغورَهم، لكنَّ هوْلَ مصابِها وبلواهَا زادَ حينَ علِمتْ بالفاجعةِ، أنَّ أبناءَها يريدُون تقطيعَ أوصالِها، يريدُون فصلَ أوردتِها، ولمْ تشفعْ لهم صرخاتُها وألمُها الشَّديدُ.
عجيبٌ أمْرَ الدّنيا ! وعجيبٌ أمرَ الأبناءِ في زمن الخيانة ! لكنَّ الأم.َ الحنونَ لنْ يقرَّ بالُها حتَّى يعودَ صغارُها لبرِّها، وتعودَ الصِّلةُ إلى سابقِ عهدِها، كما كانتْ معقودةً لآبائِهم وأجدادِهم .
معَ تلكَ الشكوَى المحزنةُ، فإنَّ يقينَ الأمِّ الحنونِ ثابتٌ، أنَّ أبناءَها الذينن رضعُوا لبنَها الصافِي، لن يخيِّبوا رجاءَها، ولنْ يقطَعُوا ودَّها المزروعَ في أحشائِهم، وستظلُّ صِلتَهم قويةٌ أبدَ الدّهرِ، يرعُوا رسائلَها المكتوبةَ في جبالِ الطاسيلي، وتاهت، وجرجرة، والعمور، ولالة خديخة والأوراس، وفي كلّ بقعةٍ من ترابِها، هيَ رسائلٌ تحملُ عهدًا أبدياً وقّعَه الأبناءُ البرَرَةُ، ألّا يخونُوا عهدَ أمِّهم ما بقيَت. لهمْ الزفراتٌ، وما بقيَ لجسمِهم النّحيفِ القوّةَ والجهدَ، هي رسالةٌ يحيَا بها الأبناءُ طولَ الزّمنِ .
الجزائر في العيون نفنى ولا تهون.
الأستاذ: حشاني زغيدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى