تعاليقرأي

الغزو الثقافي: الواد مادّيه وهو يقول ما أحلى برودته.

رشيد مصباح(فوزي)

….

كانت بداية مرحلة انزلاق، أمسيتُ لا أقدر على التخلّي فيها عن أسباب الانحراف. بعض الأصدقاء، وحتى الزملاء ممّن كانت تربطني بهم علاقة متينة بهم، وبيني وبينهم قواسم مشتركة، مجموعة من المراهقين همّهم الوحيد وجل تفكيرهم يكاد ينحصر في شي واحد هو كيفية الحصول على “ماصّة” و “طرف”؛ زطلة من السّلعة المميّزة التي تزيد في النّشوة وتنسي الواقع.

وقد لعب توفّر الأمن والاستقرار في تلك الأيّام الجميلة دورا مهمّما في ظهور بعض الآفات، وكما أن السن التي كنّا فيها لم تسمح لنا بتقبّل نصائح الآباء والأولياء.

وكان الوقت يمر بسرعة ولا نشعر به، غائبين مغيّبين، في غاية من الرضا والانبساط.

كنّا في تلك الأيّام مغرمين بنجوم الفن والأفلام الغربية، منبهرين بهم، ننتظر نهاية الأسبوع كي نشاهد نجوم الديسكو والروك، نردّد أغانيهم في النّهار، وننوّه بحياة وأسماء بعض منهم. نستمتع بالحديث عنهم وعن خرجاتهم، على الرّغم من أن حياتهم هذه كلّها لا تكاد تخلو من المآسي و المصائب؛ فبعضهم يموت منتحرا بالجرعة المفرطة، وبعضهم الآخر اختار التشرّد كنمط عيش له، مثل الهيبي وغيرهم. ومن رحمة ربّنا أنّه لم يصبنا ما أصابهم، ولم ننتحر، ولم نمت بالجرعة الزّائدة أوالمفرطة، حتّى وإن كنّا في البضاعة سواسية (هههه).

ومن الزّملاء والأصدقاء من لم يرقه مثل هذه السّلوكيات، فكنّا ننظر إليه بازدراء، ونسخر منه ومن “جهله”، وننعته بالمتخلّف. وهو في الحقيقة في طريق الحقّ والصّواب. لم ينخرط معنا لأنّه كان مدركا لخطورة الانحراف على مستقبله، عاجلا أم آجلا.

لقد ساهمت سياسة الانفتاح على الغرب التي انتهجها الرّئيس الرّاحل (الشّاذلي بن جديد) في تلك الأيّام بعد رحيل( بومدين) وإبعاد محيطه وأتباعه عن الحكم، في ظهور ما يسمّى بالغزو الثقافي.. وقد حاول بعض من أصحاب الرّأي و الفكر لفت الأنظار إلى ضرورة التصدّي لهدا الغزو الأجنبي. لكن آراءهم وأصواتهم بقيت تترنّح في مكانها، “كالبطّة العرجاء”، تفتقر إلى الدّعم السيّاسي المطلوب. فكانوا كمن يسبح ضد التيّار، أو كمن يحارب طواحين الهواء.

وأمّا نحن فقد كنّا كمن جرفه الوادي وهو يستمتع ببرودة المياه ولا يعرف أين سيحمله. وكما يقول المثل الشعبي: “الواد مادّيه وهو يقول ما أحلى برودته”

ضائعٌ بين أقرانه

الجزء الثّاني

(22)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى