أخبارثقافةدراسات و تحقيقات

في ذكرى ابن باديس كما يراها مالك بن نبي من خلال كتابه ماذا أعرف عن الإسلام حبار

في ذكرى ابن باديس كما يراها مالك بن نبي من خلال كتابه ماذا أعرف عن الإسلام – ترجمة ومقدمة معمر حبار

Malek Bennabi “Que sais-je de L’Islam”,Edition ALEM EL FIKR, 2023, Mohammadia, Alger, Algérie. Contient 88 Pages

المقال المعني بالترجمة:

A La mémoire de Ben Badis, N : 3 , Du : Avril 1970 , Pages : 41-47.

مقدمة القارىء المتتبّع، والمترجم:

سبق أن تطرقت لعموم الكتاب عبر الحلقة الأولى 1، والحلقة الثّانية بين يديك.

كتب الأستاذ مالك بن نبي مقاله هذا وحسب ترجمتي: “في ذكرى مالك بن نبي”، بتاريخ: أفريل 1970. مايعني:

مرّت ثلاثون سنة على وفاة الأستاذ عبد الحميد بن باديس، باعتباره توفى بتاريخ: 16 أفريل 1940.

كان عمر مالك بن نبي يوم كتابة المقال: 65 سنة، باعتباره من مواليد: 1905. و ثمانية سنوات عن وفاته، باعتباره توفى بتاريخ: 1973.

يفهم من هذه المقدّمة أنّ مالك بن نبي كتب هذا المقال عن ابن باديس وهو في كامل نضجه الفكري، وتمام عقله، وفي أواخر عمره.

مايجب التّأكيد عليه أنّ مالك بن نبي ختم حياته وهو يثني على الشيخ عبد الحميد بن باديس، ولقي ربّه وهو يمدحه.

سبق لمالك بن نبي أن قدّم رسالة بتاريخ: 8 أفريل 1966 يثني عبرها على الشيخ عبد الحميد بن باديس، وتفسيره 2.

تحدّث الأستاذ مالك بن نبي عن الأستاذ عبد الحميد بن باديس عن معرفة قريبة، وطويلة. فشهادته يأخذ بها ويعتد بها.

ممّا وقفت عليه وأنا أقرأ، وأعيد القراءة، وأكتب عنها لأوّل مرّة في حياتي، وهي: استعمل الأستاذ مالك بن نبي ثلاثة ألقاب وهو يتحدّث عن الشيخ عبد الحميد بن باديس، وهي:

ابن باديس: 41-44.

الشيخ: 44-46.

الشيخ بن باديس: 46-47.

احترمت عنوان الكاتب وحافظت عليه أثناء الترجمة.

سبق أن تطرقنا مرّات عديدة للعلاقة القائمة بين الأستاذ مالك بن نبي، والأستاذ عبد الحميد بن باديس، رحمة الله عليهما، ومنذ سنة 1936، لمن أراد الزيادة 3.

الهوامش من وضع المترجم.

الأسماء، والكلمات التي تحتاج لإعادة كتابتها كما جاءت في الكتاب، تمّ نقلها كما جاءت باللّغة الفرنسية عبر الهامش.

متن المقال المعني بالترجمة:

“التحدّث عن ابن باديس بينما صدى صوته مازال يرن في أذاننا، بينما شخصيته لم تأخذ بعد هذه الحركة الأبدية التي تسمح للمؤرّخ بقراءة ملامحه النهائية، تعتبر مهمّة تقريبا غير مريحة لإنسان هذا الجيل”.

“لابدّ من مسافة أكثر. ابن باديس مازال قريب منّا جدّا. يفرض اسمه علينا بداية صورة عائلية لإنسان نعرفه. نراه يمشي بخطواته عبر أزقة قسنطينة القديمة، محييا هذه المجموعة، ومتوقفا عند آخر لطلب جديد حول غائب أو مريض”.

هذا القسنطيني المميّز، يتّصف في الحقيقة بأفضل السلوكات. كان المؤدّب، والضحوك، والحنون.

ننحني طواعية لتتبع خطواته. بداية في مكتبه الصّغير بشارع أربى شريف 4 حيث يذهب ليكتب افتتاحيته.

هذا الذي يرفع الهمّة قصد الاستماع لهذا الزّائر، والقادم من الداخل، والحامل للجديد عن مسيرة الإصلاح في الوطن.

يعطي تعليماته لمساعده المكلّف بسحب عدد “الشهاب” الجاري طبعه. وسيذهب لامحالة لتقديم درسه لتلامذته، ولهذا الجيل الذي تكوّن في مدرسته والذي يضم أيضا الشاعر حمة العيد.

سيذهب بسرعة أيضا لهذه الحلقة من أنصاره لأجل درسه العام، في المسجد الصغير سيدي قموش أو الجامع الأخضر.

إنّه فريق أنصاره، وقيادة أركانه حيث يضع معها مخططات العملية الإصلاحية وجمع وسائله.

نتابعه بإرادتنا في هذا المسار اليومي حيث تضاف كلّ يوم أحداث مفاجىة، وأحيانا عجيبة، وحين سيكون، مثلا، موضوع محاولة قتل أمام باب بيته، من طرف متطرف متحمس أو قاتل بسيط مدفوع له، نتساءل أيضا.

باختصار، هذا الجانب الجميل، هذا الجانب الإنساني من حياة ابن بادبس، مع نصيبه من الفرح والألم كالنّاس أجمعين، سيكون قطعا موضوعا جميلا لرواية خاصّة بالسّيرة الذاتية على شكل “الأيّام 5” لطه حسين.

مايهمنا أكثر، هو اتّجاه فكره، ونشاطه في الجانب الاجتماعي والسياسي الذي يتغيّر حسب هذا التّفكير وهذا النشاط.

لابدّ من إجراء مايشبه تقريبا طريقة أرنولد توينبي في التّاريخ العام، أي ضبط وبنفس الطريقة الأسباب التّاريخية لمرحلة والنتائج التي حدّدتها عبر فكر وفعل معاصريها.

عاش ابن باديس في جو اجتماعي وسياسي منحه أكيد كلّ الحوافز التي جعلته يتصرّف ويفكّر كما تصرّف وفكّر.

شخصيته هي انعكاس لعدّة عناصر والتي تعكس كلّ مزايا هذا الوسط حيث تنمو الأفكار التي ستغيّره.

تعدّد دوره هو أحد النتائج. هو المحاور القوي، والمؤمن الذي يؤمن بمهمته التّاريخية لدينه، وإنّه المؤمن الذي يظلّ وفيا لأدقّ تعاليم دينه. إنّه المعلّم الذي كوّن جيل المثقفين، والصحفي الذي يسيّر ويكتب “الشهاب”، والمتمكّن الذي كانت له شجاعة تصحيح وإعادة نشر كتاب أبو بكر بن العربي: “العواصم في القواصم”. وإنّه أيضا، في وقت فراغه، الشاعر الذي وضع المقاطع الأولى للنشيد الوطني على ألسنة الجيل الناشىء . هذا كلّ مايجب دراسته حين يريد أحد طلبتنا تخصيص رسالته في الدكتوراه لهذه المرحلة من التّاريخ الجزائري التي نشّطها الشيخ بأفعاله.

عوض التّطرّق للموضوع بصفة عامة، لنحاول عوض ذلك التطرّق له بشكل انتقائي. ولنحاول البحث البسيط عوض المعقّد.

عبر ميدان الدراسة المذكور أعلاه، وحسب عمل أرنولد توينبي، لنرسم بثقة اتّجاها يحدّد تقريبا قسما عبر كافّة الأسباب التّاريخية والدوافع التي أنشأت ابن باديس.

يمكننا إذاً متابعة طول هذا الاتّجاه عبر بعض استطلاعات التّاريخ كما نفعل لأجل ترتيب خريطة جغرافية.

لابد أن يكون أوّل استطلاع على مستوى الأسباب التي حدّدت وجهة الشيخ. لايوجد أيّة مدينة جزائرية حافظت، كقسنطينة، وبنفس القوُة المرعبة، ذكرى فرض الاستعمار عبر جدرانها.

في سيرتا 6 القديمة، عالم مدمّر، لكن البقايا العريقة مازالت تحتفظ بالعادات، والممارسات وأحيانا في نفس وجوه الأماكن، لم تتوقّف عن التّحدّث للأجيال التي توالت إلى غاية جيل ابن باديس.

استقرّ النظام الجديد في هذا الخراب وهذه الآثار.

لابدّ أن نتخيّل كيف ستكون الصدمة لهذا الجيل القسنطيني الذي رأى مسجد صالح باي يتحوّل إلى كنيسة المدينة.

في الواقع، هي عملية عنصرية ثقافية التي بدأت عبر كافة الوطن لعزل الوعي الجزائري عن حضوره التّاريخي العربي-الإسلامي.

في المدارس الجديدة التي فتحت، كسيدي الجليس، يشرع الصغار الجزائريين في حفظ دروسهم الجديدة الخاصّة بالتّاريخ حول أسلافهم الغال 7.

هذا الدرس ماهو إلاّ قطعة، وشكل دراسي بسيط لمرحلة ترسيخ ثقافي موجّه تغطية، وطمس عبر طبقات متتالية، شخصية الوطن، في عمق وعيه وفي غفلته.

سنتحدث لاحقا عن مسخ الشخصية: وهذا هو معناها الحقيقي، أي، نزع شخصية الجزائر من الجزائر في جميع الميادين، وبكلّ الطرق.

اللّغة، والاقتصاد، والسّياسة، والتّعليم، والإدارة، لعبوا دورهم كعناصر استيعاب.

حتّى الثكنة لعبت دورها، لأنّه، في سنة 1912، قانون التجنيد الإجباري شمل كلّ الجزائر.

والشعب الجزائري قدّم في حربي 1918.1914 ثمانون ألف من أبنائه قتلوا دون شكّ أبطالا، لكن على طريقة المحرقة ومذبح هذه “الحضارة” التي تصرّ على استعمال الأهالي كمرتزق عسكري يحمل البندقية وأحيانا للقلم.

حتّى الموت تفقد الجزائري شخصيته حين يموت تحت راية جيش أجنبي. هكذا، وطيلة قرن من الاستعمار افتتح عبر عنصرية عزلت الوعي الجزائري عن حضوره التّاريخي العريق، وهو عمل غرس ثقافي الذي يتواصل ببطء، لكن بيقين، لكي يعطي ميلاد، وعبر مسار، لجزائر آل لويس 8 وآل أندري سرفييه 9.

قطف بن باديس، ونقل، عبر جيلين أو ثلاثة من حيّه، الذكريات الأولى للعنصرية على المستوى الذي قرّرنا فيه الشروع في الإجراءات على مستوى أول استطلاع.

يرى الآن العمل القوي يتواصل عبر كافّة التراب الوطني.

لنتوقّف هنا، نحن أيضا، في هذه اللّحظة من تفكيره وننتقل إلى المرحلة الثّانية من الاستطلاع على مستوى النّتائج.

الحدث ليس له نفس الانعكاس على الأفكار.

أدت ثورة السيباس 10 في الهند، في1858، إلى نظرتين مختلفتين.

في وعي أحمد ميرزا خان، مؤسّس جامعة الأليغاره 11 ومنشئ الفلسفة السياسة الجديدة للمسلمين التي سعت هذه الجامعة لتبنيها، وأدى الحدث لحركة حوكم عليها من طرف بعض المعاصرين على أنّه هروب.

في وعي جمال الدين الأفغاني، يحدث بالعكس تعهدا أكثر عمقا، وتضحية التي ستأخذ اسم النهضة في العالم الإسلامي.

نفس الشيء، في الجزائر، أدى مسار مسخ الهوية الجزائرية في وعي مثقف 12 إلى سلبية تثبّت الخوف: “سألت، قال 13 (…) لم أجد الأمّة الجزائرية 14”.

يوقظ المسار لدى الشيخ ابن باديس، بالعكس صرامة أكثر للوعي الذي يضع تحديا على ألسنة الجيل الجديد من الجزائريين ؛ وأترجم: “الجزائر مسلمة وتنتمي للعالم العربي”.

هي في الحقيقة، تعليق للترسيخ الثقافي الذي تبع فرض الاستعمار. وتمحور أثره المباشر في التحصين الذي ساهم في التوقيف التّام لمسار مسخ الهوية الجزائرية في الوطن والإصرار على الإتّجاه الجديد هذا.

يسجّل في هذه اللّحظة عنصرية جديدة وانطلاق عصر جديد للترسيخ الذي أطلق في الجزائر مسار استرجاع القيم التّقليدية المدفونة مؤقتا تحت وحل العصر الاستعماري.

استرجعت اللّغة العربية. وأصبحت وسيلة تعبير للحياة العامّة التي تعدّت أكثر فأكثر عباراتها ذات الإلهام الأجنبي. ودقّت السّاعة، حاليا، عن إعلان السّاعات الجديدة للتّاريخ الجزائري.

بالطّبع، أستاذ المدرسة البلدية مازال يواصل تدريس الصغير الجزائري درسه في التّاريخ حول أسلافه الغال.

لكن الطّفل يخرج من الدّرس وهو يحدّث نفسه، أو وهو يغني مع أترابه في اللّعب: “الجزائر مسلمة وعربية…”.

الثّلاثاء 22 جمادى الأولى 1445هـ، الموافق لـ 5 ديسمبر 2023

الشرفة- الشلف- الجزائر

الهوامش:

  1. مقالنا بعنوان: مالك بن نبي من خلال ماذا أعرف عن الإسلام- الحلقة الأولى– معمر حبار

وبتاريخ: الإثنين 14 جمادى الأولى 1445هـ، الموافق لـ 27 نوفمبر 2023

  1. عمار طالبي “ابن باديس حياته وآثاره”، ، الجزء الثاني، طبعة 2009، دار الامة، الجزائر، من 534 صفحة.
  2. للزيادة، راجع من فضلك مقالنا بعنوان: مالك بن نبي.. احترامه لابن باديس – معمر حبار وبتاريخ: الخميس 19 ربيع الأول: 1436 هـ الموافق لـ: 31 ديسمبر 2015.
  3. Arbain chérif
  4. للزيادة، راجع من فضلك مقالنا بعنوان: طه حسين من خلال الأيّام – معمر حبار

وبتاريخ: السبت 21 شوال 1441 هـ الموافق لـ 13 جوان 2020

  1. Cirta
  2. Les gaulois
  3. des Louis bertrand
  4. des andré servier
  5. Des cipayes
  6. L’université d’aligarh
  7. أقول: المقصود بـ “المثقف” هو فرحات عباس، صاحب مقال: “أنا فرنسا” سنة 1936.
  8. أقول: قال فرحات عباس: “لو كنت قد اكتشفت أمة جزائرية لكنت وطنيا ولم أخجل من جريمتي، فلن أموت من أجل الوطن الجزائري، لأن هذا الوطن غير موجود، لقد بحثت عنه في التاريخ فلم أجده وسألت عنه الأحياء والأموات وزرت المقابر دون جدوى”.
  9. فيما يخصّ العلاقة القائمة بين فرحات عباس، ومالك بن نبي. راجع من فضلك مقالنا بعنوان: فرحات عباس كما يراه مالك بن نبي– معمر حبار

وبتاريخ: الأربعاء 4 محرم 1441 هـ – الموافق لـ 4 سبتمبر 2019

الشلف – الجزائر

معمر حبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى