الإسراء والمعراج محطة إيمانية عاشها الرسول صلى الله عليه وسلم ، عاشها بروحه وجسده ، كانت رحلة مميزة ، ليست كباقي الرحالات ، هي رحلة تجلى فيها الإعجاز الإلهي ، ظهرت فيها قدرة الله على تدوير الأحوال بأمره بالأمر بفعل كن فيكون ، مصداقا لقوله تعالى ﴿ وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ﴾ سورة القمر ، وحادثة الإسراء والمعراج من هذا القبيل ، هي في أمر الله من الأمور العادية والمألوفة ، ولكنها في عالم البشر من الخوارق ، التي تهز كيان ضعاف الإيمان ، فتربك قواهم العقلية ، بل تهز قناعات ضعاف الإيمان ، و هي للمؤمنين وقفة للتأمل يعيشها بطعم الإيمان ، وهذا الطعم الإيماني الرائع عاشه أفضل الصحابة – أبو بكر الصديق رضي الله عنه – حين شكك القريشيون في أمر الحادثة ، وأرادوا هز إيمان أقرب الصحابة لرسول الله ، لكن الصدمة هالت قريشا ، علق تعليق الواثق الثابت ، قال بقين المؤمن :” والله لئن كان قال هذا الكلام لقد صدق، فو الله إنّه ليخبرني أنّ الخبر يأتيه من الله من السّماء إلى الأرض فأصدّقه”.
وقد جاءت حادثة الإسراء والمعراج ، تسلي و تفريج هم لرسول الله ، بعد ضغوطات قاهرة عاشها ألمت به صلى الله عليه وسلم ، جاءت بعد صدمات عنيفة تلقاها ، فليس سهلا أن يفقد المرء أحبابه في عز الأوقات ، فتغيب الزوجة الراعية لحقوق زوجها ، تغيب الزوجة المشاركة في تأسيس مشروعه الدعوي ، وهو في مهد بدئه ، ويزيد ذلك الألم بفراق أحب الأشخاص إلى قلبه ، فيغيب عمه المدافع عنه ، يقابل كل ذلك شدة أذى الخصوم ليصل إلى حد الاعتداء الجسدي ، وهذه كلها تضعف كاهل الرجل القوي .
مع هذه الهزات يقابل كل هذه النوازل بقلب المؤمن الصابر والمحتسب ، يلجأ إلى الله يطلب فك الأسر ورفع البلاء ، يلجأ إلى الله متضرعا بدعاء يفطر القلب ، دعاء يستلهم منه الضعيف القوى بعد الانكسار ، دعاء كلماته رقيقة ، كلماته مرهفة الحس ، كلماته ما أحوج أن يرددها كل مبتلى مكسور ، وهو في طريق العودة من الطائف إلى مكة ، يجلس تحت ظل شجرة يلجأ إلى الله بشكواه طالباً منه النصر والعون بكلمات ملؤها اليقين والثقة بنصر الله سبحانه وتعالى قائلاً: “اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت ربُّ المستضعفين وانت ربّي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهَّمني أم إلى عدو ملكته أمري إن لم يكن بك علىِّ غضبُُ فلا أبالي، ولكنَّ عافَيَتَك أوسعُ لي أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخر ه من أن تُنزل بي غضبك أو يَحِلَّ علىَّ سخطُك لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك”. المعجم الكبير للطبراني.
في هذه الظروف العصيبة تحل العناية الربانية لتزيل هم المكروب ، تزيل هم المبتلى ، تأتي المنحة الربانية لتجلي الأحزان عن قلب المحزون ، تمنحه رحلة تخالف النواميس الكونية في روعتها وجمالها ، فيحلق فيها عبر مركب خاص ، عبر دابّة البراق من مكة المكرمة إلى بيت المقدس ثم يُعرج به إلى السماء ويعود إلى بيته في ليلة واحدة، فيرى في تلك الرحلة المعجزة من الحقائق ما تشرح الصدر وأخرى تهز الكيان في تفاصيل رحلة طويلة نوجزها بشارات و عبر خفيفة ، نعرضها في رؤوس أقلام :
1. تبين رحلة الإسراء أن طريق السعادة محفوفة بالمكاره .
2.تبين حاجة المسلم للرجوع إلى الله في اليسر والعسر.
3. حاجة المسلمين للإيمان بالحقائق الغيبية التي هي من صميم الاعتقاد الصحيح .
4. بيان مكانة الأقصى في قلب الأمة ووجوب نصرته .
وفي ختام المقال نسأل المولى عز و جل أن يقوي ضعفنا ، ويلم شملنا ، ويؤلف الذات بيننا ، يجمعنا أحبة على الحق ، نرفع البنيان كي يستعيد أقصانا حريته المسلوبة .
الأستاذ حشاني زغيدي