أخبارتقنية

تَحْت سِتْر الضَّبَاب

الجانب المظلم من النفس البشرية هو المادة الأولى التي ينسج منها الكاتب ناصر
محزري، في روايته “تَحْت سِتْر الضَّبَاب”، وهي رواية تُفكِّك العلاقات المصلحية في
مجتمع المال والأعمال وما يناظرها في الواقع الاجتماعي الفعلي من شهوة السيطرة
والاحتيال والكذب للحصول على المنفعة؛ فترصد الرواية زوايا معتمة من السلوكات
البشرية الغير متوازنة حيث الغلبة للقوي على الضعيف، والنفوذ على القانون، والغريزة
على الأخلاق.
هذه المعالم تتوضّح شيئاً فشيئاً في النص، من خلال تموضُع شخصية الأخطبوط في
الفضاء الروائي وانخراطها في شبكة علاقات مصلحية مع شخصيات أخرى تشكّل هي
محورها؛ فالكل ضحاياها، قتلاً وانتقاماً وظلماً. فيصل وعمه الذي أخفى عنه سرّ وفاة أبيه
لمنفعة بينه وبين الأخطبوط، زوجة الأخطبوط وإخضاعها لمبدأ تعدد الزوجات ومثلها
ابنتها وصال التي اكتشفت أنّها الزوجة الثالثة، منال وزواجها الذي شكل صفقة بين
والدها والأخطبوط وانتهى بقتلها، سما ابنة الأخطبوط التي عرفت الحبّ وافترقت عنه
بعقلها لا بقلبها خوفاً من والدها على محبوبها، كل هذه الشخصيات تسير بها الرواية إلى
حتفها في ظل سيطرة النزعة الماديَّة على عالمها، وهي وإن تمرد بعضها على النواميس
ظاهرياً إلا أنها لم تستطع ترجمة قيمها إلى واقع ملموس وخضعت في النهاية لمصيرها
المرسوم لها منذ البداية.
ما يميز هذه الرواية على الرغم من واقعيتها، هو هذه الدقة في الحس والرهافة في
القول، واللغة الشاعرية، الأنيقة التي كُتبت بها، حيث قدّم الروائي توليفة لغوية جميلة
تنحو منحى رومنسيّاً مفارقاً للاتجاه العام للرواية في قسوته. فالواقعية والرومنسية
تتداخلان في إنتاج رؤية موحدة للأحداث وإرهاصاتها، وهكذا يتكامل السرد والحوار
واللغة في روي حياة الشخصيات والسير بها نحو نهايتها المرسومة.
من أجواء الرواية نقرأ:
“نحن نعيش في قلب البذخ. نسكن في محيطه. المحيط الذي يُصيب أصحابه بلوثة
الأنانية، فيصبح كل سلوك، وفعل، وقول ينبغي أن يتماشى مع أجندة شخصية، يرغب كل
واحد منّا الوصول إليها. حياة البذخ تضع الشخص بين الغيوم، وخلف الضباب، فتبدو
السعادة قريبة منه، وفي متناول يده، وحين يقترف كمشة منها، يجدها تتداخل بين أصابعه
وتتلاشى وتتبخر.
والدك شوّه نظرتي العاطفية للحياة وتركني أتعامل معها ومعه بعقلي فقط، لأنّ العاطفة
والمشاعر لا وجود لهما في عالمنا هذا.
كل هذه اللَّامبالاة التي لمستها في أُمّي كانت مثل بركانٍ خامد، عرفَتْ كيف تطوّع
نفسها عليه وتكبته على امتداد سنوات زواجها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى