أمن وإستراتيجيةدراسات و تحقيقاتفي الواجهة

دراسة ..السيطرة الاثيوبية على منابع النيل ! حلم زائف

ليلى الدسوقى

المشهد الاول : تاريخياً
قديماً اشاع اباطرة اثيوبيا فكرة ” السيطرة على منابع النيل و القدرة على تحويل مجرى النيل الازرق فى اى وقت كورقة للضغط السياسى و الاقتصادى على مصر و السودان “
ففى عام 1680 هدد الملك الاثيوبى المسيحى الحبشى ( تكلا هايمانوت ) الحاكم المصرى عندما قال ” ان النيل سيكون كافيا لمعاقبتك فحيث ان الله قد وضع فى ايدينا ينبوعه و بحيرته و نماءه و من ثم يمكننا ان نستخدمه فى ايذائكم “
لقد بدأ الخلاف بين مصر و اثيوبيا بعد ثورة يوليو 1952 فى مصر ، عندما قررت مصر بناء السد العالى و عارضت اثيوبيا ذلك معارضة قوية بسبب انشاء السد العالى ( 1960 – 1970 ) دون موافقتها
لذا قامت اثيوبيا بالاتفاق مع الولايات المتحدة للقيام بدراسة شاملة عن نهر النيل فى اثيوبيا لامكانية اقامة السدود و الزراعة و توليد الكهرباء
و تصاعدت المشكلة عندما اعلنت اثيوبيا فى تصريح نشر فى صحيفة هيرالد الاثيوبية فى فبراير 1956 انها لم تعد تلتزم بالاتفاقيات التى وقعت اثناء حكم الامبراطور منيليك الثانى ( إتفاقية أديس أبابا الموقعة فى 15 مايو 1902 ) بين بريطانيا و إثيوبيا
( بترسيم الحدود بين اثيوبيا و السودان و الذى تعهد فيه ملك اثيوبيا لدى بريطانيا بعدم اقامة اية منشات على النيل الازرق او بحيرة تانا او نهر السوباط يمكن ان تتسبب فى اعتراض سريان مياهها الى النيل ما لم توافق على ذلك حكومة بريطانيا مقدما هى و حكومة السودان )
او اى اتفاقيات حول مياه النيل تكون قد ابرمت قبل نيلها الاستقلال ( 1941 ) ، منها اتفاقية 1929 لتنظم العلاقة المائية بين مصر ودول الهضبة الإستوائية ،كما تضمنت بنوداً تخص العلاقة المائية بين مصر والسودان ( فى الخطاب المرسل من رئيس الوزراء المصرى آنذاك محمد محمود وبين المندوب السامى البريطانى لويد) :
• إن الحكومة المصرية شديدة الإهتمام بتعمير السودان وتوافق على زيادة الكميات التى يستخدمها السودان من مياه النيل دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية فى تلك المياه
• توافق الحكومة المصرية على ما جاء بتقرير لجنة مياه النيل عام 1925 ( و هو عبارة عن مجموعة خطابات متبادلة بين بريطانيا وإيطاليا فى 1925 ، وتعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان فى مياه النيل الأزرق والأبيض وروافدهما ، وتتعهد بعدم إجراء أى إشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسى ) وتعتبره جزءاً لا ينفصل من هذا الاتفاق
• ألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال رى أو توليد قوى أو أى اجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التى تنبع سواء من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أى وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر .و ان لمصر الحق فى الاعتراض ( الفيتو ) فى حالة انشاء هذه الدول مشروعات جديدة على النهر و روافده
• تقدم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لعمل الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل فى السودان ويمكنها إقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر بالإتفاق مع السلطات المحلية .
و جاءت إتفاقية 1959 مكملة لإتفاقية 1929 وليست لاغية لها
فهذه الإتفاقية وقعت بالقاهرة فى نوفمبر 1959 بين مصر والسودان ، حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان فى ظل المتغيرات الجديدة التى ظهرت على الساحة آنذاك وهو الرغبة فى إنشاء السد العالى ومشروعات أعالى النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات فى أسوان . وتضم إتفاقية الإنتفاع الكامل بمياه النيل على عدد من البنود من أهمها :
• احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنوياً وكذلك حق السودان المقدر بأربعة مليار متر مكعب سنوياً .
• موافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالى وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق وما يستتبعه من أعمال تلزم السودان لإستغلال حصته .
كما نص هذا البند على أن توزيع الفائدة المائية من السد العالى والبالغة 22 مليار متر مكعب سنوياً توزع على الدولتين بحيث يحصل السودان على 14.5 مليار متر مكعب وتحصل مصر على 7.5 مليار متر مكعب ليصل إجمالى حصة كل دولة سنوياً إلى 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان .
• قيام السودان بالاتفاق مع مصر على إنشاء مشروعات زيادة إيراد النهر بهدف استغلال المياه الضائعة فى بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه ونهر السوباط وفروعه وحوض النيل الأبيض ، على أن يتم توزيع الفائدة المائية والتكلفة المالية الخاصة بتلك المشروعات مناصفة بين الدولتين .
• إنشاء هيئة فنية دائمة مشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان .
و هكذا بعد نقض اثيوبيا اى اتفاقيات تمت قبل الاستقلال ارسلت اثيوبيا خطاب موجه الى جميع البعثات الدبلوماسية فى القاهرة بانها من حقها انشاء اى مشروعات ضرورية لاقتصادها او لمواجهة احتياجاتها من المياه و الطاقة و الزراعة
و فى نهاية الخمسينيات و خلال فترة حكم الامبرطور هيلاسلاسى استغلت اثيوبيا حالة التوتر السياسى التى كانت سائدة بين مصر الناصرية و الولايات المتحدة انذاك و قامت بالتعاون مع المكتب الامريكى لاستصلاح الاراضى الزراعية التابع لوزارة الداخلية الامريكية لعمل اول دراسة متكاملة حول الاستغلال الرشيد لمياه النيل الازرق فى اثيوبيا خلال 1958 – 1964 فى الوقت الذى كانت فيه العلاقات بين القاهرة وواشنطن فى اسوا احوالها خاصة بعد عزم مصر على انشاء السد العالى فى ذلك الوقت
و صدرت الدراسة النهائية فى عام 1964 فى 7 مجلدات مكونة من تقرير رئيسى بعنوان ( الموارد الارضية و المائية للنيل الازرق فضلا عن 9 ملاحق اخرى مكملة )
و عرف سد النهضة ( الالفية ) الاثيوبى بسد الحدود فى الدراسة الامريكية التى اجريت على حوض النيل الازرق ( اباى ) فى اثيوبيا فى الستينات
و قام المكتب الامريكى بتحديد 26 موقعا لانشاء السدود و قد اشتمل التقرير امكانية تنفيذ 33 مشروع للرى و توليد الطاقة على حوض النيل الازراق و فروعه منها 14 مشروع للرى و 11 لتوليد الطاقة و 8 للغرضين معا و كانت تلك المشروعات تستهدف رى خمسة ملايين فدان كما انتهت الدراسة ايضا الى امكانية انشاء اربعة سدود كبيرة على النيل الازرق و هى ( كارادوبى و مابيل و ماندايا و سد الحدود ( النهضة ) باجمالى قدرة تخزين بعد التعديل 200 مليار متر مكعب ) و قد تم الغاء سد مابيل و استبداله بسد باكو أبو و اقتراح سد خامس تشارا تشارا ( هذه السدود الاربعة كانت لتوليد الطاقة اساسا اما باقى السدود فمنها ما هو لتوليد الكهرباء و منها ما هو للزراعة )
و هذا تحد سافر للمصالح المائية المصرية و بالغ الخطورة على الامن المائى المصرى
من الجدير بالذكر أن دول حوض النيل 11 دولة وهم “أوغندا ؛ إيريتريا ؛ السودان ؛ جنوب السودان ؛ إثيوبيا ؛ مصر ؛ بوروندي ؛ الكونغو الديمقراطية ؛ رواندا ؛ تنزانيا ؛ وكينيا” ، وتصب اتفاقية عنتيبي في قضية مياه نهر النيل وحصصه بشكل مباشر ؛ فهى الشرارة التى بدات معها ازمة سد النهضة فى اثيوبيا وحيث أنها اتفاقية إطارية قامت دول المنبع في حوض النيل بالتوقيع عليها عام 2010م في مدينة عنتيبي الأوغندية ؛ حيث وقعت كل من كينيا وأثيوبيا ورواندا وأوغندا وتنزانيا ، وذلك من أجل طلب حصة إضافية من مياه نهر النيل.
أبدت دولتي المصب مصر والسودان اعتراضهم على هذه الاتفاقية ، وذلك لأنها ستحرمهما من الحصص التاريخية لهما من مياه نهر النيل ؛ حيث أن مصر تحصل على 55.5 مليار متر مكعب ، بينما تحصل السودان على 18.5 مليار متر مكعب ، وترى الكونغو أن هناك مخالفة لأحد المبادئ الرئيسية المنصوص عليها في مبادرة حوض النيل من قِبل الدول الموقعة على الاتفاقية ؛ حيث يتعلق هذا المبدأ بالتوافق في اتخاذ القرارات بين جميع الأطراف ، وهو ما لم يحدث في هذه الاتفاقية التي لم يتفق فيها جميع الأطراف ؛ بل حدث خلاف واضح وصريح حول مضمون الاتفاقية المرفوض تمامًا من قِبل البعض.
انضمت بوروندي إلى الدول الموقعة على الاتفاقية في الأول من مارس عام 2011م ، ولكن البرلمان لم يقوم بالتصديق عليها ، لم يتم التصديق فعليًا على الاتفاقية إلا من خلال الخمس الدول الموقعة بينما تظل بوروندي معلقة لعدم مصادقة البرلمان ، و هكذا تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ إذا وقع عليها ثلثي دول حوض النيل
و ازداد الموقف تازيما بعد انفصال جنوب السودان فى 9 يوليو 2011 ذلك الحدث الذى القى بظلال سلبية على تطورات المعادلة الهيدروبوليتيكية ( المائية- السياسية ) فى حوض النيل و ضاعف من حالة الاحتقان السياسى فى الحوض و لاسيما فى ضوء التصريحات التى خرجت من جوبا فى 22 مارس 2013 لتنادى بالتبرؤ من اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل عام 1959 و التلويح بالانضمام الى اتفاقية عنتيبى و من ثم مزيد من التطويق السياسى و الجيوستراتيجى لمصر
تشتمل الاتفاقية على 13 بندًا ، وتبعًا لتلك البنود فإنها تشير إلى انتفاع دول مبادرة حوض النيل بشكل منصف ومعقول من موارد مياه المنظومة المائية
توضح الاتفاقية أن دول حوض النيل بالإضافة إلى المنشآت ذات الصلة بما فيها التي تمتلك قوة خطرة في حوض نهر النيل ؛ لهم الحق في التمتع بالحماية الممنوحة من قواعد القانون الدولي التي تنطبق في النزاعات المسلحة
ترفض مصر الاتفاقية بكل الأشكال لأنها تمثل خطورة على الحياة ؛ حيث أن نهر النيل ( نهر دولى و ليس عابر للحدود ) هو المصدر الوحيد للمياه في مصر ، بينما تمتلك دول حوض النيل الأخرى مصادر متعددة إلى جانب نهر النيل مثل مياه البحيرات والأمطار
كانت هناك مطالبات لمصر لكي تقوم بإنهاء التجميد والمشاركة في النشاطات ، وذلك خلال عقد الاجتماع الرابع والعشرين لمجلس وزراء المياه بدول حوض النيل ، وهو الذي تم عقده في أوغندا ، ولكن مصر ظلت متشبثة برأيها
اعلنت الحكومة الاثيوبية فى الثانى من ابريل 2011 تدشين انشاء مشروع سد النهضة او سد الالفية العظيم ( بالامهرية هداسى جاديب ) لتوليد الطاقة الكهرومائية ( 5250 ميجا وات ) هو سد اثيوبى قيد البناء يقع على النيل الازرق بولاية بنى شنقول – جوميز غربى اثيوبيا و على بعد 40 كم من حدود اثيوبيا مع السودان و بتكلفة تبلغ نحو 4.8 مليار دولار و اسناده الى شركة سالينى الايطالية بالامر المباشر
و قد علق ( ميليس زيناوى ) رئيس الوزراء الاثيوبى انذاك على تسمية السد ” الالفية العظيم ” بالقول بانه : ” سوف يكون اكبر سد تشيده اثيوبيا على نهر النيل او اى نهر اثيوبى اخر خلال الالفية الحالية ، كما انه سوف يحتل صدارة المشروعات الاثيوبية و هو الذى سوف ينقل اثيوبيا من الفقر و هو بذلك يمثل اضافة لا تقارن الى الخطة الوطنية للتوسع فى انتاج الطاقة “
و بقراءة السوابق التاريخية نجد ان اباطرة اثيوبيا روجوا منذ القدم لفكرة ” السيطرة الاثيوبية على منابع النيل و القدرة على تحويل مجرى النيل الازرق فى اى وقت كورقة للضغط السياسى و الاقتصادى على مصر و السودان

المشهد الثانى : موقع السد الاثيوبى جغرافيا و جيولوجيا

سد ” بوردر ” هو الاسم الاصلى لسد النهضة الذى جاءت به دراسة مكتب الاستصلاح الامريكى التى اجريت فى عام 1964 و طبقا للدراسة الامريكية فان ارتفاع السد الحدودى حوالى 84.5 م و سعة التخزين 11.1 مليار م3 عند مستوى 575 م للبحيرة و قد يزداد ارتفاع السد فى هذه الدراسات ليصل الى 90 مترا بسعة 13.3 مليار م3 عند مستوى 580 م للبحيرة
يقع سد النهضة فى نهاية النيل الازرق داخل الحدود الاثيوبية فى منطقة ” بنى شنقول – جوميز ” و على بعد حوالى 40 كم من الحدود السودانية خط عرض 40 شمالا ، طول 35 و على ارتفاع حوالى 600متر فوق سطح البحر و يصل متوسط الامطار فى منطقة السد حوالى 800 مم / سنة
يقع السد فى منطقة يغلب عليها الصخور المتحولة و التى تشبه فى تكوينها جبال البحر الاحمر الغنية ببعض المعادن و العناصر المهمة مثل الذهب و البلاتين و الحديد و النحاس بالاضافة الى محاجر الرخام
حيث الجبال المرتفعة و الاودية الضيقة و العميقة و ما يترتب عليها بالتبعية من صعوبة نقل المياه من مكان الى اخر فى حالة تخزينها بالاضافة الى انتشار الصخور البركانية البازلتية خاصة فى اثيوبيا و هى صخور سهلة التعرية بواسطة الامطار الغزيرة و هى ايضا صخور ضعيفة هندسيا لتحمل اقامة سدود عملاقة و تؤثر ايضا على نوعية المياه خاصة فى البحيرات حيث تزيد من ملوحتها كما هو الحال فى البحيرات الاثيوبية التى تقع فى منطقة الاخدود (اثيوبيا و كينيا و تنزانيا ) و التى تشكل عائقا ايضا فى تكوين مياه جوفية و هذا الاخدود يسبب تشققات و فوالق ضخمة و نشاط بركانى و زلازل قد يؤثر على المشروعات المائية خاصة فى اثيوبيا
و هناك زيادة فى معدلات البخر من مياه الامطار ( كما هو الحال فى معظم القارة الافريقية ) و زيادة التعرية و انجراف التربة نتيجة انتشار الصخور الضعيفة و الانحدار الشديد لسطح الارض و غزارة الامطار فى موسم مطر قصير بالاضافة الى زيادة معدل ازالة الغابات مع زيادة عدد السكان
و تشير الدراسات الفنية الاولية التى اعدت لتقييم سد النهضة الى ان الخطورة انه مقام على منحدر شديد الوعورة و بالتالى فان احتمالات انهياره عالية للغاية و معامل امانه لا يزيد على 1.5 درجة مقارنة بمعامل امان السد العالى الذى يصل الى 8 درجات و بالتالى فانه فى حالة انهياره فسوف يؤدى الى انهيار سدى الروصيرص و سنار الى جانب سد مروى الواقعين داخل الاراضى السودانية بما يعنى انه سيمحو مدينة الخرطوم من الوجود و يستمر دماره لجميع المدن التى تقع شمالها وصولا الى السد العالى و مدينة اسوان و ستصل كميات كبيرة من المياه الى السد العالى نتيجة هذا الانهيار مما يستحيل التعامل معه فى حالات التشغيل العالية او حتى حالات التشغيل فى حالات الطوارىء حيث ان بحيرة السد يجب ان يكون بها سعة تخزينية فارغة ما بين 24 و 58 مليار متر مكعب قبل وصول كميات المياه الناتجة من انهيار سد النهضة كما انه سيغمر ما يقرب من 24 الف كيلو متر مربع من الاراضى الزراعية و المبانى السكنية على طول المسافة ما بين سد النهضة و السد العالى
و طبقا لتصريحات وزير الموارد المائية الاثيوبى 2011 يتكون سد النهضة من سدين : احدهما سد رئيسى خرسانى على مجرى النيل الازرق بارتفاع 145 م و طول 1800 م و بيتين يحتويان على وحدات ( توربينات لانتاج الكهرباء ) على جانبى النهر و ثلاث قنوات لتصريف المياه و التحكم فى منسوب بحيرة التخزين اما السد الاخر فهو سد مكمل بارتفاع 50 مترا و طول 5 كم لزيادة حجم تخزين المياه الى 74 مليار م3
و فيما يتعلق بوحدات انتاج الكهرباء يحتوى تصميم السد على 15 وحدة كهربائية قدرة كل منها 350 ميجاوات عبارة عن عشرة توربينات لتوليد الكهرباء على الجانب الايسر من قناة التصريف و خمسة توربينات اخرى على الجانب الايمن باجمالى طاقة منتجة قدرها 5225 ميجاوات مما يجعل سد النهضة فى المرتبة الاولى افريقيا و العاشرة عالميا فى قائمة اكبر السدود انتاجا للكهرباء
و طبقا للتصريحات التى صدرت فى منتصف نوفمبر 2012 من ” اتو سيمجنيو بيكيلى ” كبير المهندسين المشرفين على مشروع سد النهضة فان اعمال الحفر الارضية قد اكتملت بالفعل بما يشكل 17% من اعمال المشروع هذا بالاضافة الى انه يتم حاليا اتمام اعمال الحفر من اجل تركيب الانابيب اللازمة لتحويل المياه و ان اثيوبيا قد حصلت حاليا على كل المعدات و الاليات المطلوبة لانشاء السد كما تم الانتهاء من تركيب ” قاطعة صخور ” لديها القدرة على انتاج 400 متر مكعب من الصخور فى الساعة اضافة الى انه يجرى حاليا تركيب الة لانتاج الاسمنت بنفس القدرة
و قد بدات اعمال الخرسانة و هى المرحلة الثانية بعد حقن التربة فى الاساس و كان من المفترض حسب المواصفات المعلنة للسد ان يمتد حقن التربة على مسافة 100 متر لكن هناك شك ان تكون اثيوبيا قد انتهت من جميع اعمال الحقن بيد انها سارعت بوضع جزء من الخرسانة على سطح الارض من اجل كسب الوقت و فرض الامر الواقع على مصر
و قد بدات اعمال التحويل المؤقت لمجرى النيل الازرق فى 28 مايو 2013 لمواصلة عملية بناء الجسم الرئيسى لسد النهضة بما فى ذلك اعمال حفر قناة التحويل و مدخل و مخرج قناة التحويل و السد المؤقت على ان تعود مياه النهر الى مسارها الطبيعى بعد الانتهاء من انشاء السد
و قد حرصت الحكومة الاثيوبية على ان تاتى هذه الخطة الهندسية ذات المغزى السياسى المهم و البالغ الخطورة بالتزامن مع حدثين سياسين اولهما على الصعيد الداخلى فى اثيوبيا حيث جاء الاعلان عن تحويل مجرى النيل الازرق مواكبة لاحتفالات الجبهة الثورية الديمقراطية للشعوب الاثيوبية ( الحزب الحاكم ) بمناسبة الذكرى ال 22 لوصول الائتلاف الحاكم الى السلطة عقب الاطاحة بنظام ” منجستو هيلا ماريام ” فى 28 مايو 1991 اما الحدث الثانى فهو على الصعيد الخارجى حيث تزامن حدث تحويل المجرى مع زيارة د . محمد مرسى – رئيس مصر انذاك – لاثيوبيا لحضور اجتماعات قمة الاتحاد الافريقى فى اديس ابابا و ذلك كنوع من المكايدة السياسية لمصر فى شخص رئيسها مستغلة حالة فرقة السياسة الداخلية التى تعانيها مصر و تدنى الشرعية السياسية للرئيس المنتخب و فقدانه الالتفاف الشعبى
وقد بلغت تكلفة سد النهضة نحو 4.8 مليار دولار امريكى اى حوالى 12% من الناتج القومى الاجمالى لاثيوبيا و المقدر بحوالى 43.3 مليار دولار فى عام 2013 بيد ان التكلفة الفعلية يمكن ان تصل فى نهاية المشروع الى حوالى 8 مليار دولار ( اى حوالى 17 % من الناتج القومى الاجمالى ) للتغلب على المشكلات الجيولوجية التى سوف تواجه المشروع كما هو معتاد فى جميع المشروعات الاثيوبية السابقة
و من الجدير بالذكر ان الحكومة الاثيوبية تعجز منذ عام 2006 عن استكمال بناء سد ” جيبى 3 GB3 ” على نهر اومو المتجه نحو بحيرة توركانا فى كينيا بسبب عدم توفر المبلغ المطلوب و الذى يصل الى حوالى 2 مليار دولار امريكى و الان تضع الحكومة الاثيوبية نفسها فى مازق اكبر بانشاء سد النهضة ليصبح المطلوب توفيره حوالى 7 مليار دولار امريكى للسدين و كما هو معلن فان الفترة الزمنية المقررة للمشروع هى اربع سنوات اى فى عام 2017 الا ان هناك مصادر اخرى ذكرت 44 شهرا للانتهاء من اتمام اول مولدين للكهرباء و من المتوقع ان يستغرق ثلاث سنوات اضافية للانتهاء من بناء سد النهضة كما هى العادة فى السدود السابقة
و على الرغم من ان وزير الطاقة اعلن عن نوايا اثيوبيا لتمويل السد بالاعتماد على قدراتها الذاتية و تحديدا من خلال اصدار السندات الحكومية الا ان هناك شكوك حول ذلك نظرا لان الفوائد على هذه السندات يتراوح ما بين 5.5- 6 % و هو ما يعنى ان قيمة الفائدة الحقيقية ستكون بالسالب نظرا لارتفاع مستوى التضخم الذى قدر فى اكتوبر 2013 بحوالى 15.8 %
و قد احجم البنك الدولى عن تمويل هذا السد وذلك اتساقا مع السياسة العامة التى ينتهجها البنك الدولى فى السنوات الاخيرة بالعزوف عن تمويل السدود الكبرى نظرا لعدم جدواها الاقتصادية فضلا عن انها فى الغالب تكون محل اثارة للمشكلات السياسية فى حالة السدود المقامة على انهار دولية و لذلك اعلن البنك الدولى عن انه سوف لن يقدم اية مساعدات مالية او فنية لاى مشروع على نهر دولى الا بعد موافقة كافة الدول المشاطئة لهذا النهر ( اى بعد اعمال شرط الاخطار المسبق )
و من جانبه اتهم البنك الدولى الخطة الاثيوبية للتوسع فى توليد الطاقة واصفا اياها بانها غير واقعية و انصبت اتهاماته فى قطاع الطاقة الى التوسع فى نطاق شبكات التوزيع و اصلاح القطاعات الجارية
و ذكرت الحكومة الاثيوبية انها تعتزم تمويل المشروع بالكامل بعد اتهامها مصر بانها تحرض الدول المانحة بعدم المشاركة و بعد ان شحنت الشعب الاثيوبى بانه مشروع الالفية العظيم و الذى يعد اكبر مشروع مائى يمكن تشييده فى اثيوبيا
و كما قال الامير خالد بن سلطان رئيس المجلس العربى للمياه ” ان السد سوف يتسبب فى الاضرار العمدى بحقوق مصر بمياه النيل و يعبث بالمقدرات المائية لمصر و السودان و ان مصر هى المتضرر الرئيسى من اقامة سد النهضة لانها لا تملك مصدرا مائيا بديلا مقارنة بباقى دول حوض النيل و ان اقامة هذا السد تعد كيدا سياسيا اكثر منها مكسبا اقتصاديا “

المشهد الثالث : المخاطر الداخلية لسد النهضة

من الناحية الموضوعية يتعين علينا النظر الى السد بوصفه مشروعا هندسيا يراد من وراء تنفيذه تحقيق اغراض سياسية و استراتيجية تخدم المصالح الاثيوبية و تاتى على حساب المصالح القومية المصرية لذلك يجب استعراض الفوائد للسد كما حددها الخبراء قبل المخاطر و هى :
 انتاج الطاقة الكهرومائية (5250 ميجاوات ) التى تعادل ما يقرب من ثلاثة اضعاف الطاقة المستخدمة حاليا لاثيوبيا
 توفير المياه لسكان بنى شنقول جوميز على مدار العام
 التحكم فى الفيضانات التى تصيب السودان خاصة عند سد الروصيرص
 تخزين طمى النيل الازرق الذى يقدر بحوالى 420 مليار م3 سنويا مما يطيل عمر السدود السودانية و السد العالى
 قلة البخر نتيجة وجود بحيرة السد على ارتفاع حوالى 570 الى 650 متر فوق سطح البحر ( اذا ما قورن بالبخر فى بحيرة السد العالى 160-176 م فوق سطح البحر )
 تخفيف حمل وزن المياه المخزنة عند بحيرة السد العالى و التى تسبب بعض الزلازل الضعيفة
اما اضرار سد النهضة فهى :
• التكلفة العالية التى تقدر بنحو 4.8 مليار دولار امريكى و التى من المتوقع ان تصل الى 8 مليار دولار بسبب العيوب الجيولوجية و الطبوغرافية فى اثيوبيا
• تهجير نحو 20 -30 الف مواطن من منطقة البحيرة
• قصر عمر السد و الذى يتراوح ما بين 25 الى 50 عاما نتيجة الاطماء الشديد (420 الف متر مكعب سنويا ) و ما يتبعه من مشاكل كبيرة لتوربينات توليد الكهرباء و تناقص فى كفاءة السد تدريجيا
• زيادة فرص تعرض السد للانهيار نتيجة العوامل الجيولوجية و سرعة اندفاع مياه النيل الازرق و التى تصل فى بعض الايام ( سبتمبر ) الى ما يزيد على نصف مليار متر مكعب يوميا و من ارتفاع يزيد على 2000 م نحو مستوى 600 م عند السد و اذا حدث ذلك فان الضرر الاكبر سوف يلحق بالقرى و المدن السودانية خاصة الخرطوم التى قد تجرفها المياه بطريقة تشبه التسونامى
• زيادة فرصة حدوث زلازل بالمنطقة التى يتكون فيها الخزان نظرا لوزن المياه التى لم تكن موجودة فى المنطقة من قبل و الذى قد يصل الى 74 بليون طن علاوة على وزن السد الصخرى كل ذلك فى بيئة صخرية متشققة
• فقد السودان للطمى الذى يخصب الاراضى الزراعية حول النيل الازرق و الذى يعد المصدر الرئيسى لتغذية النباتات و عدم تعود السودانيون على استخدام الاسمدة الزراعية
• تلوث مياه بحيرة السد نتيجة تخزينها اعلى صخور غنية بالمعادن و العناصر الثقيلة
و على صعيد المصالح المصرية التى ستتاثر من جراء سد النهضة هناك مخاطر عديدة على الصعيد الداخلى المصرى و منها :
o تهديد الموارد المائية المصرية
لقد اشار د. محمد نصر الدين علام ” وزير الموارد المائية و الرى الاسبق الى ان قيام اثيوبيا بانشاء اربعة سدود على نهر النيل سيتسبب فى حدوث عجز مائى فى ايراد نهر النيل لمصر و السودان مقداره حوالى 18 مليار متر مكعب و سوف تقل الكهرباء المولدة من السد العالى و خزان اسوان بنسبة تتراوح ما بين 25 و 30% كما يتسبب سد النهضة وحده حسب الدراسات المصرية و الدولية فى عجز مائى مقداره 9 مليارات متر مكعب سنويا و فى تخفيض كهرباء السد العالى و خزان اسوان فى حدود 20 – 25 % سنويا
و تاكد الدراسات الى اجراها اساتذة جامعة القاهرة و التى تم تاكيدها بالدراسات العالمية و التقارير الاثيوبية ان التاثيرات المتوقعة لانشاء سد النهضة عن امن مصر المائى عالية و قد تكون كارثية و خاصة اثناء فترة ملء السد ففى حالة تزامن الملء مع فترة فيضان اقل من المتوسط فإن الاثار ستكون كارثية حيث يتوقع عدم قدرة مصر على صرف حصتها من المياه بعجز اقصى يصل الى 34% من الحصة ( 19 مليار متر مكعب ) و بعجز متوسط 20% من الحصة (11 مليار متر مكعب ) طول فترة الملء و التى تمتد الى 6 سنوات
و من جانبه اكد د . علاء الظواهرى ” استاذ الهندسة المدنية بجامعة القاهرة و عضو اللجنة الثلاثية لتقييم اثار سد النهضة ” انه فى حالة حدوث الملء فى سنوات متوسطة فإن بحيرة السد العالى سوف يتم استنزافها و سيقل عمق المياه بمقدار اكثر من 15 مترا اى سيصل المنسوب الى 159 م
لذلك فإن تاثير اى نمط للسحب من ايراد النهر يكون تراكميا اى لا يلاحظ فى حينه و بناء على ذلك فانه من الممكن حدوث نتائج كارثية اذا حدثت فترة جفاف تالية لملء السد و بفرض اجتياز فترة الملء باقل خسائر فإن مرحلة تشغيل السد قد تمثل تحديات من نوع اخر حيث ان مبادى تشغيل سد النهضة تعتمد على تعظيم الطاقة الكهرومائية المنتجة و هذا يتعارض فى بعض الاحيان خلال فترة فيضان اقل من المتوسط و سوف يتم تخزين المياه لرفع المنسوب لتوليد الكهرباء و تقليل المنصرف من خلف السد و هذا ما ينذر بحدوث نقص فى امدادات المياه المتدفقة الى مصر
يضاف الى ذلك ان امتلاء البحيرة خلف هذا السد بهذا الحجم الهائل من المياه حتى و لو قدرنا انه يمكن ان يحدث خلال خمس سنوات فهذا يعنى استقطاع 15 مليار متر مكعب كل سنة من حصة مصر و السودان و بالاصح من حصة مصر فقط لان سدود السودان ( خشم القربة – الروصيرص – سنار – مروى ) تحجز حصة السودان من المياه اولا قبل ان تصل الى مصر
اما اذا قررت اثيوبيا ان تملا البحيرة خلال ثلاث سنوات فقط فهذا يعنى خصم 25 مليار م3 سنويا بما يعنى دمارا كاملا لمصر
o اما مخاطر الزراعة على مصر
نقص المياه الواردة الى مصر سوف تؤثر على حجم الرقعة الزراعية حيث من المتوقع ان يتم حرمان 3-5 ملايين فدان مصرى من الزراعة
و تؤدى تلك التاثيرات الى نتائج بيئية و اجتماعية خطيرة فكل (4-5 مليار متر مكعب ) عجز من مياه النيل يعادل بوار مليون فدان زراعى و من ثم تشريد 2 مليون اسرة فى الشارع و فقدان 12% من الانتاج الزراعى و بالتالى زيادة الفجوة الغذائية بمقدار 5 مليار جنيه و يترتب على كل ما سبق تعرض الامن الغذائى المصرى للخطر الشديد
كذلك يترتب على انخفاض كميات المياه المتدفقة الى مصر زيادة تلوث المياه و الملوحة و عجز فى ماخذ محطات مياه الشرب نتيجة انخفاض المناسيب و تناقص شديد فى السياحة النيلية و زيادة تداخل مياه البحر فى الدلتا مع المياه الجوفية و تدهور نوعية المياه فى البحيرات الشمالية فضلا عما يصاحب ذلك من مشكلات اجتماعية بالغة الخطورة كما ان اقامة سد النهضة ستؤدى الى زيادة البخر بمقدار نصف مليار متر مكعب سنويا على اقل تقدير و ذلك عكس ما كان يثار من قبل من ان السد سيؤدى الى توفير المياه عن طريق تقليل البخر من السد العالى
فى هذا الخصوص اكد د. نادر نور الدين ” استاذ الزراعة بجامعة القاهرة ان تقليل حصة مصر السنوية من مياه النيل جراء تشييد سد النهضة سيترتب عليه نقص المساحة الزراعية بصفة عامة و من ثم تاثر القطاع الزراعى على النحو التالى تقليل مساحات الزراعات المستهلكة للمياه مثل قصب السكر و تقليل مساحات الارز و تملح مساحات كبيرة من الاراضى الزراعية المصرية و زيادة الفجوة الغذائية المصرية و نقص كميات مياه النيل المتدفقة الى البحر المتوسط و بالتالى زحف المياه المالحة للبحر الى اراضى الدلتا و المياه الجوفية ، ارتفاع معدلات تصحر الاراضى الزراعية و زيادة تركيز التلوث فى النيل و الترع و المصارف ، ايقاف جميع مشروعات استصلاح الاراضى و التوسع الزراعى فى مصر ، زيادة هشاشة الترب الزراعية المصرية امام تغيرات المناخ ، احتمال اختفاء الاسماك فى نهر النيل ، تحميل الاقتصاد المصرى باعباء اضافية لانشاء محطات تحلية على البحر المتوسط ، ارتفاع نسب البطالة فى مصر بسبب نقص المساحة الزراعية ، تراجع معدلات الدخل القومى بسبب نقص الناتج الزراعى و تراجع معدلات التنمية فى الريف
o التاثير السلبى على توليد الكهرباء فى مصر
سيصاحب العجز المائى فى مصر عجز فى انتاج الطاقة الكهرومائية المتولدة من السد العالى فى حدود 40% لمدة 6 سنوات ايضا
ان عدم امتلاء بحيرة ناصر بالمياه سيؤدى الى انخفاض او انعدام التوليد المائى للكهرباء و بذلك تكون كهرباء اثيوبيا فى الواقع على حساب كهرباء مصر بالاضافة الى ضخ المياه لمصر على صورة حصة يومية تتوقف على قدر احتياج اثيوبيا للكهرباء فيتحول النهر الى ترعة يصرف فيها ماء مقنن باوامر من اثيوبيا و لا يصبح لبحيرة ناصر اهمية مائية و لا للسد العالى الذى سيكون هدمه افضل لتقليل البخر من بحيرة ناصر و تدفق حصة مياهنا من سدود اثيوبيا الى داخل البلاد يوميا فى ترعة النيل بدلا من نهر النيل
و اذا تم الوصول الى هذا المشهد المشئوم سيكون من الواجب على مصر ابلاغ اثيوبيا باحتياجاتها مسبقا فى قطاعات الشرب و الزراعة و المنازل و الصناعة و المحليات حتى تتفضل بصرفها لنا يوما بيوم و كانه ليس نهرا دوليا بل اثيوبيا صرفا
و فيما يتعلق بتاثير ” سد النهضة الاثيوبى ” على السد العالى فى مصر تشير الدراسات الى ان ثمة تاثيرات سلبية ستلحق بالسد العالى متى اكتمل بناء سد النهضة و منها :
 سوف يقل المنصرف الى السد العالى اثناء فترة ملء سد النهضة و يعتمد ذلك على معدل الملء
 سوف يقل المنصرف الى السد العالى بمقدار البخر من سد النهضة فى حالة التشغيل العادية لسد النهضة ( بافتراض ان الغرض الرئيسى للسد هو توليد الكهرباء )
 تغير معدل المنصرف شهريا للسد العالى
 سوف يعمل السد العالى على مناسيب اقل و تعتمد قيمة الانخفاض على قواعد الملء و التشغيل لسد النهضة
 يعتمد الانخفاض فى مناسيب و محتويات السد العالى على حالة الفيضان فاذا كان الايراد منخفضا ازداد التاثير حدة
 سوف تتاثر الكهرباء المولدة بالسد العالى سلبا كونها تعتمد بصفة اساسية على مقدار الضاغط على التربينات
و تؤكد الدراسات ان النتائج كارثية على السد العالى فى حالة انهيار سد النهضة حيث ان كميات كبيرة من المياه ستصله فى زمن قصير نتيجة انهيار سد النهضة سيصل بعد 18 يوما تقريبا مما يستحيل التعامل معه فى حالات التشغيل العالية او حتى حالات التشغيل فى حالات الطوارىء حيث ان بحيرة السد يجب ان يكون بها سعة تخزينية فارغة ما بين 24 و 58 مليار متر مكعب قبل وصول كميات المياه الناتجة من انهيار سد النهضة كما انه سيغمر ما يقرب من 24 الف كيلو مترا مربعا من الاراضى الزراعية و المبانى السكنية على طول المسافة ما بين سد النهضة و السد العالى

المشهد الرابع : المخاطر الخارجية لسد النهضة

تسعى اثيوبيا لفرض الهيمنة الهيدروبوليتيكية على النظام الاقليمى لحوض النيل
( و يقصد بمفهوم الهيمنة الهيدروبوليتيكية تنازع الارادات و المصالح السياسية و الجيوستراتيجية بين دول المنابع و دول المصب حيث تستخدم دول المنابع المياه للحصول على مزيد من القوة بينما تستخدم دول المصب قوة للحصول على مزيد من المياه فالهيمنة يمكن ان توفر النظام و الاستقرار و ضمان تدفق المياه للدول الكبرى و على الجانب الاخر فان الهيمنة قد تكون مصحوبة بتكاليف باهظة بالنسبة للدول الاضعف فى المعادلة مثل عدم السيطرة على القرارات الخاصة بتنظيم و ادارة النهر و عدم التخصيص الملائم للمياه و هو ما ينتج عنه تواترات سياسية قد تفتح الباب لدرجات مرتفعة الحدة من الصراع المائى و يلاحظ ان صور الهيمنة السلبية هى الاكثر انتشارا فى الاحواض المائية فى الشرق الاوسط )
تدرك اثيوبيا انها صاحبة فضل و منه مائيا و هيدروليكيا على حوض النيل انطلاقا من الحقائق الهيدروليكية و الطبوغرافية لنهر النيل فمن المعروف ان 33.2 % من مساحة الدولة الاثيوبية تقع فى الحيز الجغرافى لحوض النيل كما ان 11.7% من اجمالى حوض النيل يقع فى الاراضى الاثيوبية فضلا عن ان المرتفعات الاثيوبية تستقطب حوالى 35.5 % من اجمالى حجم الهطول المطرى المقدر بنحو 1661 مليار متر مكعب سنويا و الاهم من ذلك ان 84.5% من اجمالى الايراد المائى السنوى لنهر النيل يتدفق من المنابع الاثيوبية (71 مليار م3 من جملة 84 مليار م3 ) و بطبيعة الحال تدرك الدولة الاثيوبية حقيقة الوضع الهيدروليكى الذى يحقق لها قدرا من ” الهيمنة المائية ” و من ثم تسعى اثيوبيا – تاريخيا و تزايدت تلك المساعى حاليا – الى ترجمة تلك الهيمنة الهيدروليكية الى ” هيمنة هيدروبوليتيكية و هيدرواستراتيجية ” على النظام الاقليمى لنهر النيل
و يعد سد النهضة واحدا من الاليات الاثيوبية المهمة التى تسعى من خلالها لتحقيق حلم الهيمنة الهيدروبوليتيكية على النهر و لتاكيد هذه الهيمنة تنوى اثيوبيا بناء ثلاثة سدود اخرى على مجرى النيل الازرق لاحكام السيطرة على نهر النيل المتدفق الى مصر ، السد الثانى و الذى يقع خلف سد النهضة هو سد مندايا و يبعد عن نهاية بحيرة سد النهضة باقل من 100كم و بنفس المسافة ياتى السد الثالث و هو سد باكو أبو ثم السد الرابع على بعد 100 كم اخرى و هو سد كارادوبى ثم اخيرا و لضمان رفع منسوب المياه فى بحيرة تانا منبع النيل الازرق او لتحويل مجرى النهر وقتما يشاؤون ياتى السد الخامس بنوعيته الخاصة و هو سد تشارا تشارا
و قد قامت اثيوبيا بتعديل المواصفات الفنية لتلك السدود الاربعة بحيث اصبحت سعتها التخزينية 200 مليار م3 بدلا من 50 مليار م3 و ذلك فى تحد سافر للمصالح المائية المصرية و تهديد بالغ الخطورة على الامن المائى المصرى
و بصفة عامة تؤكد تصريحات الاثيوبيون ان اثيوبيا تسعى من وراء تشييد تلك المشروعات الكهرومائية الى الاستفادة من امكاناتها الطبيعية و الطبوغرافية و الهيدروليكية الهائلة فى توليد الطاقة الكهربائية و توسيع امداد مواطنيها بخدمات الكهرباء و من ثم تحقيق وفورات اقتصادية تعينها على تحقيق المتطلبات التنموية الشاملة من خلال مشروعات الربط الكهربائى المقترح مع السودان و جيبوتى و اليمن و اوغندا و مصر
بيد ان المساعى الاثيوبية الحقيقية ( الخفية ) من وراء تلك السدود ترمى الى تحقيق ” الهيمنة الهيدروبوليتيكية ” على مصر و محاصرة و تطويق مصر مائيا و من ثم سياسيا و استراتيجيا فى محيط دائرتها النيلية و ذلك وفق مخطط صهيو – امريكى يهدف الى تضييق الخناق على الدولة المصرية من خلال محاصرتها فى الشمال الشرقى باسرائيل و مشكلات الحدود مع غزة من ناحية و كذا محاصرتها من الجنوب عن طريق اثيوبيا وذلك بهدف فرض تسويات سياسية و استراتيجية على مصر و تغيير معادلة التوازن الاستراتيجى فى منطقة الشرق الاوسط لتصبح الزعامة اسرائيلية خالصة و كذا فى منطقة حوض النيل لتصبح الزعامة اثيوبية خالصة و كل ذلك بدعم و مباركة امريكية
و الدليل على ان هدف اثيوبيا من بناء سد النهضة هو احكام السيطرة السياسية و الهيمنة الهيدروبوليتيكية على مصر النظر فى كفاءة سد النهضة الكهربائية فالهدف الاساسى هو انتاج طاقة كهربائية بغرض التصدير للدول المجاورة و يبلغ اجمالى انتاج الكهرباء المتولدة منه 6000 ميجاوات و تصبح كفاءة السد 100 % اذا امكن تشغيل جميع وحدات انتاج الكهرباء 24 ساعة يوميا طوال العام (365 يوم فى السنة ) و فى هذه الحالة يكون اجمالى الطاقة المنتجة سنويا هو 52560 جيجا وات بينما المتوقع انتاجه من السد حوالى 15000 جيجا وات / سنويا فى يونيو 2017 و هذه الكفاءة تعادل 28.5 % فقط من السعة الكلية فى حالة انتاج 6000 ميجاوات و 33% فى حالة انتاج 5250 ميجاوات و فى جميع الاحوال تعتبر كفاءة السد منخفضة سواء بالمعايير الاثيوبية او مقارنة بمعايير السدود الدولية حيث ان متوسط كفاءة المشروعات الاثيوبية حوالى 7.5 % و تبلغ متوسط كفاءة السدود عالميا حوالى 55% و ترجع انخفاض الكفاءة الى المبالغة فى زيادة ارتفاع السد و السعة التخزينية و هو ما يثبت صحة مقاصد الهيمنة السياسية المرجوة من السد اذ كان من الممكن تخفيض حجم الاستثمار الكلى للمشروع الحالى بما يقرب من 50 % من خلال بناء سد اصغر مع كفاءة عالية و خطورة اقل على السودان و مصر فى حال فشل او انهيار السد للاسباب الجيولوجية
ففى حالة بناء هذا السد بكفاءة 60% فانه يمكن الحصول على المستهدف من الكهرباء ( 15128 جيجا وات/سنويا ) من خلال 8 وحدات فقط بدلا من 16 وحدة و بتكلفة اقل بحوالى 45-50% و هذا يؤكد ان خصائص السد فى الدراسة الامريكية كانت اكثر ملاءمة و اكثر كفاءة و اقل تكلفة و هو ما يثبت صحة الفرض القائل بان الهدف من سد النهضة بهذه المواصفات الفنية هو الاضرار بمصالح مصر و الضغط عليها و توكيد الهيمنة الهيدروبوليتيكية لاثيوبيا
باختصار ان المبالغة فى ارتفاع سد النهضة و حجمه لتحقيق هدف السيطرة و التحكم السياسى جاءت على حساب كفاءة السد الكهربائية ، بيد ان اللجنة الوطنية الاثيوبية للخبراء اكدت ان ما يروج له المصريون من مزاعم سياسية بشان سد النهضة ليس صحيحا مؤكدين ان تلك التصريحات لا تصدر الا ممن وصفتهم اللجنة المذكورة ببعض الخبراء المصريين المغالين
و سوف نفند مزاعم تلك اللجنة ( المزعومة ) من خلال استعراض دراسات قام باعدادها احد الخبراء الاثيوبيين المقيمين بالولايات المتحدة و التى يؤكد فيها المبالغة غير المبررة من الناحية الهندسية فى حجم السد فقد اكد اصفاو بيينيه استاذ الهندسة الميكانيكية و مدير مركز الطاقة المتجددة فى جامعة سانت دييجو بالولايات المتحدة الامريكية و هو اثيوبى الجنسية حيث تساءل ذلك الخبير مستنكرا :
” ما الداعى من بناء سد بهذا الارتفاع و بتلك السعة التخزينية للبحيرة اذا كان الغرض منه توليد الطاقة الكهربائية فقط ؟ “
و اكد ايضا على عدم جدوى سد النهضة من الناحية الكهربائية و تدنى كفاءته فى توليد الطاقة الكهربائية و ذلك بسبب المبالغة الزائدة فى حجم و ارتفاع السد

المشهد الخامس : فرض سياسة الامر الواقع

تظهر التحركات الاثيوبية منذ نهاية خمسينات القرن المنصرم عن رغبة دفينة فى فرض سياسة الامر الواقع على الارض عبر سلسلة من المشروعات التى بداتها بالتعاون مع المكتب الامريكى لاستصلاح الاراضى الزراعية و قد تزايدت وتيرة التحركات الاثيوبية الرامية الى انشاء السدود على روافد حوض النيل خلال السنوات العشر الاخيرة فاتمت بناء سد تيكيزى و سد تانا بليسه و قد شرعت مؤخرا فى بناء سد النهضة كل ذلك دون الرجوع الى دولة المصب مصر
و تجلت سياسة فرض الامر الواقع من الجانب الاثيوبى فى قضية سد النهضة بوضوح حينما تم تشكيل اللجنة الثلاثية لتقييم السد فى عام 2012 حيث اصر الاثيوبيون على النص فى الوثائق و المذكرات الاولية و التمهيدية على : ” ان سد النهضة هو سد قيد الانشاء و رفض الاثيوبيون بشكل قاطع الصيغة المقترحة من الجانبان المصرى و السودانى و التى تقضى بانه سد مزمع انشاؤه و اضطر المفاوض المصرى ضمن سلسلة طويلة من الاخطاء و الاخفاقات التفاوضية ان يقبل بالنص الاثيوبى
ان الجانب الاثيوبى يتعمد فى رسائله سواء عبر المسئولين او الدبلوماسيين ممارسة حرب نفسية على الجانب المصرى مفادها انه لا فائدة امام مصر سوى الاقرار بالامر الواقع و هو ان سد النهضة لن يتوقف العمل به بغض النظر عما ستسفر عنه اللجنة الثلاثية
و قد سعت اثيوبيا فى اطار سياسة الامر الواقع الى افشال المفاوضات و المحادثات التى درات فى اطار اللجنة الفنية لتقييم اثار سد النهضة ( اللجنة الثلاثية ) و التى بدات منذ عام 2012 و التى ضمت فى عضويتها عشرة من الخبراء الفنيين ( اثنين من مصر و مثلهما من كل من السودان و اثيوبيا فضلا عن اربعة خبراء دوليين ) و التى تشكلت لبحث المسائل الفنية المتعلقة ببناء و ملء و سياسات تشغيل سد النهضة حيث نجحت اثيوبيا فى تصدير التوتر المفتعل الى الجانب المصرى و تشتيت جهده فى تفصيلات لا ترقى الى عناء المناقشة كونها تمثل بدهيات و مسلمات لا يجب ان تكون موضوعا للنقاش او المساومة كما نجح الاثيوبيون ليس فقط فى تجزئة القضية الام التى يجب ان تكون محل نقاش و تفاوض و هى المسؤولية الدولية التى تقع اثيوبيا كونها لم تلتزم بشرط الاخطار المسبق و قيامها بخرق احد مبادىء القانون الدولى المتعلق بحسن الجوار و عدم التسبب فى ضرر و من ثم وقوعها تحت طائلة المسؤولية الدولية ليس هذا فحسب بل نجحت اثيوبيا فى تقزيم القضية المذكورة الى حد التلاشى و استدرجت المفاوض المصرى عبر تجزئة القضية محل الخلاف
و كان واضحا من الوهلة الاولى ان المفاوض المصرى يتم استدراجه من الجانب الاثيوبى لاطالة امد التفاوض فى سياق ” استراتيجية اثيوبية للتفاوض ” تقوم على كسب الوقت و المماطلة و التعنت اللامبرر
لقد كانت كل المؤشرات خلال محادثات و مفاوضات تلك اللجنة تشير الى بل تؤكد الخداع الاثيوبى و عدم الشفافية و اخفاء المعلومات و البيانات و مع ذلك استمر المفاوض المصرى فى مسلسل الاستدراج الممنهج من الجانب الاثيوبى و على الرغم من وضوح المؤشرات الاولية الدالة على التاثيرات السلبية لسد النهضة على مصر الا ان الجانب المصرى لم يسوق للراى العام الاقليمى و العالمى خطورة تلك المؤشرات و فداحة تاثيرها على مصر من كافة النواحى و الاصعدة الاقتصادية و المائية و الكهربائية و الاجتماعية و البيئية بل و حتى ابان صدور التقرير النهائى لاعمال اللجنة الدولية المعنية بدراسة و تقييم سد النهضة لم تتحرك مصر سياسيا بالشكل المناسب لتسويق نتائج ذلك التقرير على المستويين الاقليمى و الدولى بالشكل الذى يخدم المصالح المصرية و اتسم التحرك المصرى بالبطء الشديد فى ادارة تلك الازمة بما يوحى باللامبالاة و الاستخفاف بالازمة
و فى حقيقة الامر فان الفشل فى المفاوضات المائية فى حوض النيل يعود الى وصول تلك المفاوضات الى طريق مسدود بسبب استنفاد الوقت و الجهد و الموارد المائية فى مفاوضات ذات معادلة صفرية نتيجتها اما انا افوز و انت تخسر ام انا اخسر و انت تفوز و انتهى الامر بمعادلة صفرية من نوع خاص فالجميع خاسر فى معادلة التفاوض المائى النيلية
ان سياسة فرض الامر الواقع التى ترسخ لها اثيوبيا فى النظام الاقليمى لحوض النيل و التى تهدف من خلالها التوكيد على تسيدها لذلك النظام و انها صاحبة اليد الطولى و العليا فيه ان تلك السياسة قد تستخدم اليات و ادوات غير مدروسة العواقب و اية ذلك تلك التاثيرات السلبية التى سيلحقها سد النهضة على الزراعة فى منطقة السد ( بنى شنقول – جوميز )

المشهد السادس : نظرية هارمون ” الاختصاص الاقليمى المطلق “

تتسم التحركات الاثيوبية بالانفرادية و احادية الجانب و عدم التنسيق مع دول الحوض و خاصة مصر و السودان حيث لا تعتقد اثيوبيا فى وجوب اعمال ” شرط الاخطار المسبق ” قبل تنفيذ مشروعاتها المائية على روافد نهر النيل و تصر على حقها المطلق فى التصرف فى جزء النهر الواقع فى اراضيها دون الرجوع الى مصر او الى اى دولة اخرى من دول الحوض ايمانا منها بنظرية ” الاختصاص الاقليمى المطلق ” و التى تعرف ايضا ب ” نظرية هارمون “
ففي البداية كانت تستخدم الدول المياه العابرة دون أي قيود أو أي اعتبارات للضرر الحادث استنادا الى نظرية هارمون 1895( نظرية السيادة الإقليمية المطلقة ) ، واستخدمها هارمون النائب العام للولايات المتحدة بالنزاع بين الولايات المتحدة والمكسيك حول نهر ريو جراند.
وعلى النقيض منها، نظرية الوحدة الإقليمية المطلقة، وهي لا تسمح للدول المشاطئة باستخدام مياه النهر أو إدخال أي تعديل على نحو يخل بحقوق الدول النهرية الأخرى ، ثم ظهرت نظريات وسيطة بين الرأيين، فمن ثمَ صدر بيان ستوكهولم 1961( نظرية السيادة الإقليمية المقيدة) ، والتي تسمح للدولة باستخدام المياه الجارية في أراضيها بحرية شرط عدم الإضرار بمصالح دول مشاطئة أخرى. كما ظهرت نظرية الانتفاع المشترك بالمياه الدولية وهي تعني تساوي الحقوق وتكاملها من دون انفراد.
كذلك نظرية وحدة المصالح، وتقوم على أساس تجاهل الحدود السياسية بين الدول المشاطئة والنظر إلى النهر في مجموعه بوصفه حوضًا واحدًا، يشكل وحدة اقتصادية وجغرافية واحدة.
و مما سبق يتضح لنا اعتناق اثيوبيا لنظرية هارمون التى تنص على ( للدولة النهرية الحق المطلق فى اتخاذ كافة التدابير فى استخدام جزء من النهر الواقع فى اراضيها دون ان تاخذ اى اعتبار لما يترتب على ذلك من اثر على الدولة ( او الدول ) الواقعة فى ادنى النهر )
و فى هذا الاطار فقد اكد البروفيسور ” جابرى سيلاس زيودى ” الاستاذ بجامعة اديس ابابا فى المحاضرة التى القاها ضمن فعاليات مؤتمر نهر النيل الذى نظمته جامعة تل ابيب فى مايو 1997 ان وجهة نظر الاثيوبيين تجاه مسالة النيل تتمحور فى ان تنفيذ ايا من المشروعات التى انتهت اليها الدراسة التى اعدت بمكتب الاستصلاح الامريكى 1964
و لقد تناول البروفيسور هارولد ماركوس من جامعة ميتشجان الامريكية موضوع مشاريع المياه فى اثيوبيا فى محاضرة ضمن مؤتمر نهر النيل الذى نظمته جامعة تل ابيب فى مايو 1997 ذكر فيها ان الاثيوبيين قد هددوا مرارا بعمل مشروعات لمنع تدفق مياه النيل الازرق و ذلك للحصول على تنازلات من مصر و ان التكنولوجيا اللازمة لذلك لم تكن متاحة بعد و ان الامبراطور هيلاسلاسى كان يامل فى عمل مثل هذه المشروعات لتوليد الكهرباء اللازمة لمشروعات التنمية فى افريقيا و لبيع المياه لمصر و السودان بيد انه نتيجة للضعف الاثيوبى لم يتمكن هيلاسلاسى من اجهاض معاهدات مياه النيل و ذكر ماركوس ان الامبرطور قد كلف مكتبا هندسيا فى نيويورك لدراسة امكانية بناء سد فى اثيوبيا للسيطرة على تدفق النيل الازرق و على بحيرة تانا لتوليد الكهرباء و لرى مناطق كثيرة فى اثيوبيا
و من الجدير بالذكر ان ” نظرية هارمون ” اصبحت من النظريات البالية فى فقه القانون الدولى من الناحية العملية و لم يعد لها وجودا و لا توجد دولة فى العالم تنادى بها فيما عدا تركيا
و الخطير فى السلوك التركى حيال علاقاته الهيدروبوليتيكية مع كل من سوريا و العراق انه لا ينادى فقط بضرورة اعمال نظرية هارمون اى الاختصاص الاقليمى المطلق لتركيا على نهرى دجلة و الفرات بل و تذهب تركيا الى ما هو ابعد من ذلك من خلال اطلاق لفظ النهر العابر للحدود على نهرى دجلة و الفرات و ذلك بدلا من استخدام مفهوم النهر الدولى و الاخير هو المصطلح الادق و الذى نصت عليه كل الاتفاقيات التى عنيت بالانهار الدولية المشتركة بين اكثر من دولة بدءا باتفاقية برشلونة فى شان الملاحة فى الانهار الدولية لسنة 1921 ثم اتفاقية ” هلسكنى لاحواض الانهار الدولية عام 1966 و اخيرا اتفاقية الامم المتحدة للاستخدامات غير الملاحية لمجارى الانهار الدولية عام 1997
ان الامر الخطير فى لفظ النهر العابر للحدود كما تتبناه تركيا و تحذو اثيوبيا حذوها فى علاقاتها بدول المصب هو خطورة الدلالة السياسية للفظ ذلك ان المسكوت عنه فى هذا المفهوم فى غاية الاهمية و الخطورة حيث يفيد المفهوم بمنطق المخالفة ان النهر داخلى و محلى بالاساس و بالتالى يخضع للسيادة المطلقة للدولة التى ينبع منها غير انه تعدى حدود تلك الدولة و من ثم فان كونه تعدى و عبر الحدود لا يؤثر على دولة المنبع و لا يحد من السلطة المطلقة عليها
فمن الجدير بالذكر ان مصطلح النهر العابر للحدود قد ورد فى ملخص التقرير الفنى الصادر عن اللجنة الفنية لتقييم اثار سد النهضة و لم يحرك الجانب المصرى ساكنا تجاه هذه المسالة الخطيرة بل و الاخطر من ذلك ان ( الاجتماع الكارثى ) الذى عقدته رئاسة الجمهورية لمناقشة تداعيات سد النهضة – بحضور غير المتخصصين- تم توزيع ملخص لملخص التقرير المذكور مع الابقاء على لفظ نهر النيل كنهر عابر للحدود
ان تحركات اثيوبيا الانفرادية و الاحادية الجانب و عدم التنسيق مع دول حوض النيل و خاصة مصر و السودان قد يؤثر بالسلب ليس فقط على نمط التفاعلات الهيدروبوليتيكية فى الحوض و انما قد يكون احيانا على حساب المصالح الاثيوبية ذاتها ايضا و تبقى مسالة السيطرة و الهيمنة الهيدروبوليتيكية و ما تقتضيه من تحركات احادية الجانب لفرض الامر الواقع هى المسالة المحورية بالنسبة لاثيوبيا
و آية ذلك التاثيرات السلبية لسد النهضة على المخزون الاحتياطى التعدينى فى اثيوبيا حيث ستتسبب البحيرة المتكونة امام السد فى اغراق بعض المناطق التعدينية الغنية بالكثير من المعادن المهمة مثل الذهب و البلاتين و الحديد و النحاس و بعض مناطق المحاجر و الجدير بالذكر ان اثيوبيا ليست غنية بالمعادن باستثناء منطقتين : احاهما فى الجنوب على الحدود مع كينيا و الاخرى و هى الاغنى تعدينيا فى منطقة سد النهضة و بالتالى فان اثيوبيا ستخسر اكثر من نصف رصيدها التعدينى غرقا بسبب بحيرة سد النهضة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى