خلق الثروة و الادخار
حسن مدن
تبلغ ثروات أغنى 400 شخص في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر بما لا يقارن بثروات 150 مليون مواطن أمريكي، فيما لا يزيد دخل 46 مليون أمريكي، أو ما نسبته 15 في المئة من المواطنين لكل عائلة مكونة من 4 أفراد، على 22314 دولاراً أمريكياً في السنة.
هذه معطيات يقدمها الباحث الاقتصادي الكويتي المعروف جاسم السعدون، في تقديمه لكتاب مهم يحمل العنوان التالي: «التقشف – تاريخ فكرة خطرة». والكتاب صدر ضمن سلسلة «عالم المعرفة» في الكويت، غاية مؤلفه مارك بليث هي نزع القشرة «الأخلاقية» التي تغلف بها فكرة التقشف، لتبدو كما لو أنها قرينة العقلانية أو الرشد في الإنفاق.
ترشيد الإنفاق، أو الادخار، أكان على مستوى الأفراد، أو خاصة على مستوى الدول، كون الثروة المتاحة لبلد من البلدان أو مجتمع من المجتمعات ليس ملكاً لجيل بعينه، يبذرها كما يشاء حارماً الأجيال المقبلة من حصتها في هذه الثروة؛ فكرة سديدة و نبيلة. أما ما يطلق عليه التقشف فهو ليس سوى حيلة يلجأ إليها المهيمنون على الثروة، لتحميل الطبقات الفقيرة أعباء الأزمات الاقتصادية والضوائق المالية، الناجمة أساساً عن جشع الأغنياء وطريقة إدارتهم للاقتصاد.
في أوقات الوفرة واليسر يجري إنفاق الثروات كيفما اتفق، دون ضوابط أو روادع لصالح النخب المتحكمة بشؤون المال والاقتصاد، والممسكة بمفاصل السلطة، دون اكتراث يذكر بأن تعمم منافع هذه الثروة على قطاعات أوسع من المواطنين، المحرومين في الغالب من أن يكونوا شركاء في رسم السياسات. وحين تنشأ الأزمات الاقتصادية، يتذكر الأغنياء أن هناك آخرين سواهم في المجتمع يشكلون الغالبية الساحقة، وأن على هذه الأغلبية أن تكون شريكاً في تحمل تبعات الأزمات، وإلا فإن الاقتصاد سينهار.
الذريعة هنا موجودة، أو يجري افتعالها كي تصبح ذريعة، بالقول إن هناك مؤسسات اقتصادية يجب حمايتها من الانهيار كي لا ينهار الاقتصاد برمته، وهنا يتذكر الأثرياء دور الحماية الذي يجب على الدولة أن تؤديه باستخدام المال العام لإنقاذهم، فيما هم دائمو الإنكار لنفس دور الحماية، الذي يجب على الدولة أن تقدمه لمحدودي ومتوسطي الدخل، من خلال سياسات الخصخصة العشوائية للخدمات والمرافق الحيوية، بما في ذلك التي تشمل واجبات الدولة تجاه مواطنيها في حقول مثل التعليم والخدمات الطبية اللائقة.
بكلمات جاسم السعدون فإن «اقتطاع نسب متساوية أو متقاربة من كل الناس، يعني اقتطاع نسب كبيرة من مستوى دخل الفقراء، بينما اقتطاعها من الأغنياء لا يمثل نسبة تذكر من دخولهم».
صدور الترجمة العربية لهذا الكتاب أتي في وقته تماماً، لأنه يتصل بنقاشات تهمنا.