أحوال عربيةأخبار العالم

خسرت الرهان…أمريكا تترنح مجدداً

الدكتور خيام الزعبي- جامعة الفرات

ان التطورات المتسارعة الأخيرة التي حصلت على المستوى الاقليمي والدولي، بالإضافة الى دور الصين وروسيا كلاعبين عالميين مهمان في مجال تعزيز السلام والاستقرار ، ودورهما في التأثير على التطورات الأخرى في الشرق الأوسط ، هي كلها من علامات الانهيار الامريكي وأن العالم اليوم في طريقه للاستغناء عن أمريكا.

وتبعاً لذلك أن فترة الاعتماد على أمريكا قد انتهت والعالم بأكمله يتجه نحو نظام جديد يقوم على الاستقلال الذاتي والاستراتيجي، ويركز على المصالح الاقتصادية والتنمية للدول المختلفة،

وعلى الطرف الأخر، يعاني الدولار الأمريكي من أزمات عدة وأهمها، أزمة عجز الموازنة العامة، وتفاقم الديون، وهناك خشية من تراجع أمريكا عن تسديد الديون، وأزمة تراجع وضع الدولار كعملة احتياط عالمية حيث بدأت بعض البنوك العالمية باستبدال الدولار بعملات أخرى ، كما أن ظهور التكتلات الاقتصادية الجديدة كـ”البيركس” وقبلها “منطقة اليورو” يؤدي إلى مزيد من التعاملات بالعملات المحلية.

في هذا السياق حذر الرئيس الأمريكي بايدن، من العواقب التي ستطال الاقتصاد الأمريكي، في حالة عدم التوصل إلى اتفاق لرفع سقف الدين، والتخلف عن السداد.

هنا لابدّ من القول بأن تخلف أمريكا عن السداد ورفض رفع سقف الدين في أي أزمة دورية مستقبلية سيخلق عواقب خطيرة على الاقتصاد الأمريكي والعالمي، سيؤدي إلى احتمال عدم دفع رواتب موظفي الحكومة أو المقاولين المتعاقدين معها، وكذلك قد تتوقف عن منح القروض الممنوحة للشركات الصغيرة أو طلاب الجامعات، والتوقف عن دفع الفواتير الحكومية، بالتالي انزلاق أمريكا إلى ركود اقتصادي، وسيؤدي ذلك أيضاً إلى فقدان ملايين الوظائف والإلقاء بهم إلى رصيف البطالة كما حدث في السبعينيات. أما على الساحة الدولية فسيكون للتخلف عن السداد تداعيات اقتصادية خطيرة، إذ سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة الدولار مقابل العملات العالمية وزعزعة الاستقرار الاقتصادي العالمي الذي قد يذهب إلى الركود.

وعلى خط مواز، إن عصر الدولار الأمريكي كعملة احتياطي عالمي بدأ بالانهيار، وذلك في ضوء تطورات الحرب التجارية بين أكبر اقتصادَين هما أمريكا والصين، وكذلك مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما تبعها من عقوبات قاسية فُرضت على روسيا من قبل الغرب بزعامة أمريكا.

اليوم تتزعّم كل من الصين وروسيا التكتل الذي يسعى لعالم متعدد الأقطاب، وهذا التكتل المناهض للدولار قد بدأ بالفعل خطوات نحو تحقيق أهدافه المنشودة، سواء كان ذلك من خلال تخفيض الاحتياطيات النقدية من الدولار الأمريكي لدى الدول المشاركة في هذا التكتل، أو من خلال استبعاد الدولار في إنجاز التجارة البينية فيما بينه وأطراف أخرى أيضاً، إضافة إلى السعي مؤخراً لتبادل مصادر الطاقة فيما بينه بعملاته المحلية.

وفي المقابل، تبدو أمريكا اليوم نموذجاً لمجتمع منقسم ممزق، حافل بالتناقضات والتوترات والتعصب وتضارب المصالح، ومليء بالعنف والتوحش السياسي والاجتماعي والاقتصادي، ومن هنا باتت أمريكا مهددة بفقدانها مكانتها كأكبر اقتصاد في العالم، وربما تخسر معه تفوقها التكنولوجي أيضاً.

بذلك تمر أمريكا في مرحلة مفصليّة من إعادة رسم تحالفاتها في المنطقة، بما في ذلك سورية الذي يبدو أنّها لم تعد تملك قدرتها وخبرتها على فهم تطورات الأحداث فيها، بعدما كانت صانعة لأحداث المشهد في سورية، و تعيش في الوقت الراهن أسوأ مراحلها من حيث خسارتها لأكبر شبكة تحالف صنعتها لعقود طويلة تفقد حلفائها هناك والذي شكل ورطة لأمريكا مقابل بروز الحلف الروسي الإيراني.

مجملاً…في ظل تقليل أمريكا لوجودها العسكري بالمنطقة، والتوسع الصيني من خلال المشاريع التجارية بجميع أنحاء العالم، ومحاولات روسيا إعادة فرض نفسها طرفاً قوياً في المعادلة، من الواضح أن المنطقة ستشهد في المرحلة المقبلة تنافساً قوياً ، وستتأثَّر بهذا الصراع بشدة؛ بجانب تشابك الحضور الأمريكي-الصيني، وشدة تنافُسيته، ناهيك عن كونه يمثل ساحةَ مواجهة خارج المجالات الحيوية لواشنطن وبكين، وحديقةً خلفية للصراع الدولي القادم.

وختاماً، إن سياسة الاعتماد على أمريكا لم تعد سياسة نافعة وفعالة، بل وقد تبين انها سياسة مدمرة لكل شعوب المنطقة، وهو الشيء الذي بدأ الغرب في استيعابه، لذلك يتجه العالم اليوم نحو تنظيم نظام عالمي جديد متعدد الأطراف يقوم على التكامل الاقتصادي وتبادل العملات الداخلية، تماماً كما يحدث بين روسيا والصين، وهنا يجب على دول العالم تحقيق التكامل الإقليمي لتحقيق الأمن الاقتصادي والتنمية لأن الصراعات الأمريكية لم تعد مفيدة لأي دولة من دول العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى