الجزائر من الداخل

اليوم العالمي -العيش معا في سلام-

 
سعيد هادف
كان لي عام 2019، في خضم الحراك الشعبي السلمي، شرف تأطير مداخلة تحت عنوان “الحق في السلام بين الأيديولوجيا والثقافة الحقوقية”، تم تنظيمها في إطار برنامج الاحتفال بالذكرى الثانية لليوم العالمي «العيش معا في سلام»، والبرنامج أشرف على تنظيمه تكتل جمعوي من وهران طيلة الأيام الممتدة من 1 إلى 16 ماي.
ففي 8 ديسمبر 2017 صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع ( 172 دولة من إجمالي 193) على اللائحة رقم 72/130 تعلن من خلالها يوم 16 مايو من كل عام، «يوماً عالميا للعيش معا بسلام من أجل التعبير عن الرغبة في العيش والعمل معا موحدين في ظل الاختلاف والتنوع من أجل إقامة عالم في كنف السلام والتضامن و الانسجام». هذا المشروع الأممي كان من اقتراح الجزائر بعد أن ولدت المبادرة في وهران على يد ثلة من المثقفين.
وظهرت فكرة إقرار يوم عالمي “للعيش معا في سلام” خلال مؤتمر بوهران عام 2014 بحيث بادرت بها الجمعية الصوفية العلوية بقيادة الشيخ خالد بن تونس، وبدعم من الدولة الجزائرية وهي منظمة غير حكومية، مقرها بمستغانم، تسعى إلى ترقية التربية والثقافة الصوفية.
احتفى العالم، أول مرة، عام 2018، باليوم العالمي “العيش معا في سلام”، واعتبرت جهات جزائرية هذه المبادرة نجاحا دبلوماسيا للجزائر واعترافا من المجموعة الأممية بالجهود التي بذلتها الجزائر في سبيل إعادة السلم والأمن وترقية ثقافة السلم والحوار في العالم.
كما حثت الجمعية العامة للأمم المتحدة البلدان الأعضاء الى ترقية ثقافة السلم والمصالحة اعتمادا على تجربة الجزائر مع الدعوة إلى اتخاذ مبادرات تربوية والقيام بأنشطة توعية وتحسيس الأفراد على التسامح و التراحم.
ولقيت المبادرة صدى كبيرا لدى عدد من الهيئات والبلدان، على غرار أثيوبيا التي استحدثت وزارة خاصة بالعيش معا في سلام، ورواندا التي تبنت هذه الفكرة كـ”قاعدة لسياستها الخاصة بالمصالحة الوطنية”، ودولة مالي عبرت عن رغبتها في الاستلهام من التجربة الجزائرية في مجال المصالحة الوطنية، بحسب ما أشار اليه رئيس لجنة الحقيقة والعدالة والمصالحة لدولة مالي، السيد عصمان عومارو سيديبي.
على المستوى السوسيولوجي يعني السلام حالة التفاهم بين أفراد المجتمع. التعايش السلمي بين مكونات المجتمع أو بين المواطنين لا يعني بالضرورة تطابق وجهات النظر حول مختلف الأمور والقضايا التي تهم المواطنين، كما لا يعني غياب الخلاف والاختلاف بقدر ما يعني نسقيا التدبير العقلاني والهادئ للخلافات والإكراهات الناجمة عن حياة الجماعة، عن طريق الحوار بشكل خاص.في هذا المنحى، ظل السلام بين الأمم غاية عدد من الأشخاص والمنظمات على غرار منظمة الأمم المتحدة التي جعلت السلام من أولوياتها.
إن التمفصل بين السلام وأضداده: الحرب، الصراع، العنف… يشكل أحد المفاتيح الأساسية في فهم عدد من المذاهب: الدينية أو السياسية. مفتاح أساسي يحتاج إلى توضيح. ومما يتبين من التاريخ جنوح الغالبية الى صنع السلام ومحاولة إحلاله كحالة طبيعية وعادية يجب أن تستمر في مسار التطور والنماء الإنساني، منافية بذلك للحرب والعنف كحالة شاذة ومعاكسة للحالة الطبيعية وهي السلام، الأمر الذي لا يتماشى مع الازدهار والرقي الإنساني.
يمثل حكم القانون في المجتمعات المتحضرة أحد أهم العوامل الرئيسية لتحقيق السلم الاجتماعي من خلال تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات بين مختلف الجماعات والأفراد، ويعني حكم القانون أن الناس متساوون بغض النظر عن الاختلاف في الجنس أو الدين أو اللون أو العرق، وبغض النظر عن الموقع الاجتماعي أو النفوذ السياسي. كما يتحقق السلم الاجتماعي من خلال إعلاء صوت العقل وسيادة الحكمة، واحترام الاختلاف وتعزيز العيش المشترك، والإقرار بالتنوع الذي يصون حريات الإنسان وحقوقه.
ويمثل السلام اليوم مقصدا من المقاصد الكبرى التي يناضل من أجلها دعاة السلام، نساء ورجالا، من مفكرين وفنانين وأدباء وحقوقيين وأيكولوجيين، فضلا عن كونه من القضايا الأممية الأساسية جنبا إلى جنب مع قضايا الهجرة والتنمية والصحة والبيئة.
أصبح إرساء ثقافة السلام والتنمية المستدامة في جوهر اهتمامات اليونسكو. ويندرج التدريب والبحث في مجال التنمية المستدامة ضمن أولويات المنظمة، فضلا عن التعليم في مجال حقوق الإنسان، والمهارات من أجل إقامة علاقات سلمية، والحكومة الجيدة، وإحياء ذكرى ضحايا الإبادات، ومنع النزاعات وبناء السلام.
وما فتئت اليونسكو تُعزِّز، منذ عام 1945، الحق في نوعية التعليم وتطوير العلوم وتطبيقاتها لتطوير المعرفة والقدرة على التقدّم الاقتصادي والاجتماعي الذي يشكل أساسا للسلام والتنمية المستدامة.
إن عبارة «ثقافة السلام» حديثة الاستعمال. «شاعت» بعد التحولات الجيوسياسية الرئيسية التي أدت إلى سقوط الاتحاد السوفيتي. وكان أول ظهور لها حين تناولتها اليونسكو يوم 26 جوان 1989: أثناء اجتماع في ياموسوكرو. وقد تطورت بشكل خاص مع مطلع القرن الواحد والعشرين في أمريكا اللاتينية. وهذه العبارة استعادت مفهوم السلام في صميم أولوياته، ولا سيما الاحترام المطلق لحقوق الإنسان.
لكن لا شيء ينمو ويتقى وينتشر دون تخطيط وتعميم، ودون تحويله إلى طقوس تربوية واجتماعية وثقافية وسياسية، إذ ما جدوى من أن تقترح فكرة عظيمة ثم تجلس بعيدا عنها منشغلا بسفاسف الأمور؟
كيف يمكننا أن نجعل من السلم ثقافة ونمط عيش في غياب تحصينه بالنصوص التشريعية، والمقررات التربوية؟ وفي غياب القرارات السياسية والبرامج الإعلامية؟
إن ثقافة السلام والحوار والتسامح والتنمية والثقافة الأيكولوجية، لن تتحقق طالما هناك تبخيس لمثل هذه المبادرات وطالما بقيت خارج الأنساق السائدة: تربوية كانت أو سياسية أو دينية؛ فما المانع من تبني خطابنا السائد مثل هذه المبادرات، خطابنا الديني والتربوي والسياسي والإعلامي؟
كيف يتشبع مجتمعنا بثقافة السلام بينما الإعلام وباقي المؤسسات تعيش على بقايا الماضي وتجتر دون اجتهاد ما سقط من سلة التاريخ وهو يمضي قدما؟ كيف نتخلص من ثقافة العنصرية والتخلف والعنف والجهل دون أن نجعل ثقافة السلم نمط عيشنا؟ تلك هي الأسئلة التي يجب أن يحسم فيها الدستور الجزائري الجديد وباقي الدساتير المغاربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى