أحوال عربيةأخبار العالم

ريفي يخسر معركة جعجع – كرامي

ريفي يخسر معركة جعجع – كرامي

علي شندب

رغم أن قرار المجلس الدستوري بتثبيت نيابة فيصل كرامي لم يكن مفاجئاً، فقد بدأ هذا القرار القضائي أشبه بانفجار غير منزوع الصواعق. سيّما وأنّه الحكم المبرم غير القابل للطعن والمتشابه في دويّه مع الحكم المبرم بالسجن المؤبد الذي أصدره المجلس العدلي مديناً سمير جعجع لاغتياله الرئيس الشهيد رشيد كرامي، والذي خرج من السجن بعفو خاص فصّل على مقاسه.ضمن إطار هذا السياق المفصلي والأساسي ينبغي النظر لعودة كرامي الى المجلس النيابيمرفوقاً بالنائب عن المقعد العلوي في طرابلس الدكتور حيدر ناصر، ومعزّزاً بانفتاح سابق وملحوظ من المملكة العربية السعودية.

ربما يستغرب البعض وضع هذا السياق السياسي العميق والنافر لعودة كرامي الى سدّة تمثيل طرابلس في المجلس النيابي. وإذ نستغرب إستغراب المستغربين، فلأنّنا استغربنا تحويل البعض اغتيال رشيد كرامي الى ورقة انتخابية رخيصة تكسّباً لأصوات اشتُري الكثير منها بالمال، كما ولأنّ بعض من يعتنقون مقولة الغاية تبرّر الوسيلة، لجؤوا الى التحالف مع قاتل كرامي، ولكي يسبغوا على فعلته ممسوح “السيادة والوطنية” عمدوا الى تبرئة “القديس”جعجع من دمّ رشيد كرامي، على غرار ما فعله وزير العدل والمدير السابق لقوى الأمن الداخلي النائب أشرف ريفي تبريراًلتحالفه مع القوات اللبنانية.

وإذا كان كل شيء مباح في الحرب والحب، فالمعارك الانتخابية التي خيضت في لبنان منزوعة القيم والضوابط السياسية والإعلانية والإعلامية، لمصلحة استخدام الأسلحة المتاحة وغير المباحة لشدّ عصب المؤيدين هنا، وتوهين صفوف وجبهة الخصوم هناك، لكن ما حصل في انتخابات طرابلس مفاجىء حتى لمنظومة اللاقيم.

ربما كان مفهوماً أن يتحالف أشرف ريفي مع القوات اللبنانية فهذا بالنهاية خياره السياسي والانتخابي، ولكن ما ليس مقبولاً من رجل الدولة أشرف ريفي أن يسدّد للقضاء العدلي الذي كان وزيره يوماً طعنة نجلاء، في برىء بنزوة سيادية مكثّفة قاتل رشيد كرامي زعيم طرابلس ورئيس حكومة لبنان من دمه بحجة “مواجهة حزب الله”،أي كمن يبول في ثوبه، نكاية بالطهارة.

ربما كان على اللواء ريفي ألّا يعدم الوسيلة التي تجعله لا يقع في فخ المفاضلة بين الدويلة الحالية والدويلة السابقة المدانتين و للمفارقة باغتيال رئيسي وزراء لبنان رشيد كرامي ورفيق الحريري.وكم كان جديربالوزير ريفي وسلفه القيادي القواتي ابراهيم نجار بعد أن باتت وزارة العدل بيدهم إقناع جعجع بطلب إعادة محاكمته باغتيال رشيد كرامي الذي لطالما أعلن ورثته قبولهم المسبق بحكم محكمة الإعادة التي لم تُعاد لأنّالقاتل يعرف أنه مذنب.

وحتى لا تبقى ذاكرة البعضمثقوبة، لا بدّ من تذكيرهم بالحملة الإعلامية التحريضية المكثّفة التي نظمتها القوات ضد رشيد كرامي قبل أسابيع من اغتياله بشهادة”لافتات القتل” التي غطّت شوارع بيروت الشرقية موقعة باسم القوات، وقد كتب عليها “إعرف عدوّك.. السوري عدوك.. اقتل السوري عدوك..السوري رشيد كرامي عدوك”.

إنصافاً للحقيقة، ونتيجة الأحداث الأليمة التي شهدتها طرابلس وباب التبانة خاصة على يد القوات السورية وحلفائها، فقد كانت شعبية رشيد كرامي غير المستندة على “ميليشيا مسلحة” متدنية جداً، ما شجّع القاتل وعزّز تقديراته وحساباته بأنّ جنازة كرامي ستكون هزيلة، بل إن اغتياله سيكون محل ترحيب الطرابلسيين خاصة واللبنانيين عامة. لكن بشاعة الإغتيال الآثم وفي مروحية للجيش اللبناني قلبت السحر على الساحر،وفضحت القاتلوأوقعته في شرّ أعماله، وتحوّلت شوارع طرابلس وساحاتها إلى ميدان غير مسبوق للتشييع قبل وصول الجنازة من “حالات حتماً”.

وعلى طريقة فبركة شهود الزور في قضية إغتيال رفيق الحريري، تتم فبركة تبرئة سمير جعجع من دمّ رشيد كرامي. والحقيقة أن غالبية رموز الطائفة السُنّيّةفي لبنان “محامون فاشلون لقضايا عادلة”.

قبل تجرؤ ريفي على تبرئة جعجع من دمّكرامي، لم تتوقع طرابلس يوماً أن يُقدم أحد أبنائها وزير العدل السابق على فعلته هذه ويجرح وجدان جمعي طرابلسي ولبناني كبير. لم تتوقعلأنّهاكانتتتلمس في الرجل صدقه وصراحته وجرأته وعفويته في الكثير من المواقف التي تحتاجها، لكن هل يعني صدق الرجل بالضرورة،أن كل مواقفه صادقة وصحيحة؟

ربما كان على ريفي الذي لطالما قرأ الفاتحة على ضريح الحريري أن يتنبّه لخطباء 14 آذار في ساحة الشهداء وكيف عدّدوا كل بمفرده “جرائم وضحايا” النظام السوري من كمال جنبلاط الى.. حسن خالد، لكن أحد منهم لم يذكر اسم رشيد كرامي، باستثناء النائب السابق أسعد هرموش الذي ولتبرير موقفه ووقوفهممثلاً للجماعة الإسلامية على منبر واحد مع جعجع،وجّه التحية للشهيد رشيد كرامي دون أن يتهم سوريا باغتياله.

ونحن إذ نميّز بين قضية اغتيال رشيد كرامي وبين أداء ورثته (الذين للمناسبة لم يثبت على يدهم نقطة دمّ فضلاًعن شبهة فساد) وتم وضعهم السياسي، وخطهم العروبي الذي لطالما امتازت به طرابلس قبل أن تُخترق بهذا الشكل الفاضح، ويتحوّل أحد متنفذيها الى “كوبري” لتعبر القوات اللبنانية عليه.كوبري كاد يتسبّب بفتنة خلال الانتخابات جرّاء تعليق صورة لجعجع من قبل أحد المحقونين بـ “إبر السيادة المخدرة” على بعد أمتار من ضريح رشيد كرامي في باب الرمل.

ربما، تعيّن على ريفي الذي خسر فرصته في الجلوس على كرسي رشيد كرامي،العمل على إقناع صديقه وحليفه جعجع بالاعتذار الواضح عن اغتياله لرشيد كرامي كبوابة عالية للمصالحة الوطنية، بدل اندفاعته المتهورة في تبرئته وتسجيله السابقة التي سينسج على منوالهانسّاجو الحرير والسجّاد.

عبر هذا السياق ينبغي النظر الى أبعاد وتداعيات عودة فيصل كرامي كأبرز حيثية سُنّيّة متقدمة في المجلس النيابي، وقد دشّن عودته بالقول “يدنا ممدودة للجميع باستثناء القوات اللبنانية”.

والعاقبة للمتقين..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى