الحدث الجزائري

حكاية شهيد المقصلة أحمد زبانة

تحتفظ الذاكرة الجماعية إلى يومنا بالذكرى الأليمة لإعدام البطل أحمد زبانة أول شهيد المقصلة بتاريخ 19 يونيو 1956.

وعلى مر 67 سنة دأبت الأجيال المتعاقبة على استحضار الذكرى واستلهام الدروس منها في الشجاعة والبسالة أمام آلة القمع للاستعمار الفرنسي.

ويشكل الشهيد زبانة بالنسبة للجيل الحالي ولمن سبقه “مثالا يحتذى به في البطولة والتضحية” حيث يستذكر موقفه وهو يواجه المقصلة بإقدام دون خوف أو استكانة متسلحا بإيمان قوي بقضية وطنه العادلة, حسبما ذكره لوأج أستاذ تاريخ الجزائر الحديث والمعاصر بجامعة “مصطفى سطمبولي” لمعسكر الدكتور حمايدي بشير.

ويعد الشهيد أحمد زبانة “نموذجا يقتدى به في التضحية من أجل استقلال الجزائر حيث أنه لم يترج أو يطلب عفوا من السلطات الاستعمارية الفرنسية لتوقيف حكم الإعدام وأصر على الذهاب بنفسه إلى آلة الموت ليمرر رسالة مفادها أن الثورة لن تموت بوفاته بل ستستمر إلى غاية تحرير الوطن من براثن الاستعمار الفرنسي”, يقول المتحدث.

ولد أحمد زهانة المدعو “أحمد زبانة” والملقب ب “سي حميدة” في سنة 1926 بقرية “جنين المسكين” ببلدية زهانة وسط عائلة متكونة من ثمانية أطفال هو رابعهم ودرس بأحد كتاتيب المنطقة قبل أن يلتحق بالمدرسة الابتدائية ويتحصل على شهادة التعليم الابتدائي.

وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية انخرط في صفوف الكشافة الإسلامية الجزائرية وعمره لا يتجاوز 14 سنة آنذاك و كان يقضي أوقات فراغه بمدرسة “الفلاح” بمدينة وهران التابعة لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين ليكتمل تكوينه بحفظ القرآن الكريم والتمكن من اللغة العربية.

وزاول أحمد زبانة مهنة حرة ثم تخلى عنها ليلتحق بمركز التكوين المهني الذي تخرج منه بحرفة لحام ما مكنه من الظفر بمنصب عمل بنفس المركز ثم بمصنع الاسمنت ببلدية زهانة.

كما انضم الشهيد إلى صفوف الحركة الوطنية سنة 1941 وتطوع لنشر مبادئها وأفكارها في أوساط الشباب عن طريق توزيع الجرائد الوطنية والعمل على نشر الوعي لدى شباب الأحياء الشعبية, استنادا إلى نفس المصدر.

واختارت المنظمة الخاصة أحمد زبانة عضوا في صفوفها سنة 1947 ليساهم بفضل خبرته في تشكيل خلاياها بالنواحي التي كان يشرف عليها ويشارك في الهجوم التاريخي على مقر بريد وهران يوم 5 أبريل 1949.

وأثار ازدياد نشاط الشهيد السياسي انتباه السلطات الفرنسية الاستعمارية التي ألقت عليه القبض سنة 1951 وحكمت عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات نافذة وثلاث سنوات أخرى يحرم فيها من الإقامة بمدينة وهران.

وأبرزت مديرية المجاهدين وذوي الحقوق إلى أنه وفق شهادة مسجلة سابقا من طرف رفيق الشهيد المجاهد سعيد سطمبولي (90 سنة) المقيم حاليا بمدينة زهانة بأنه بعد كشف السلطات الاستعمارية لنشاط المنظمة الخاصة سنة 1950 و قاموا بتفكيكها قضى أحمد زبانة فترة أخرى في حالة فرار بكريستل (وهران) ومستغانم ومعسكر ومسقط رأسه أين أعاد إحياء اتصالاته بقادة الحركة الوطنية وشرع في استقطاب مجموعة من الشباب من بينهم المجاهد سطمبولي الذي كان يبلغ وقتها 20 سنة.

وخلال هذه الفترة عاد إلى العمل بمصنع الاسمنت بمنطقة زهانة (معسكر) سنة 1953 وربط اتصالات لاسيما مع العربي بن مهيدي الذي كان متواجدا بولاية سيدي بلعباس وبن عبد المالك رمضان بمستغانم وعبد الحفيظ بوصوف آنذاك بغرب البلاد.

وشرع أحمد زبانة في تجنيد مجموعة من الشباب في ربيع سنة 1954 تزامنا مع إنشاء اللجنة الثورية للوحدة والعمل والاستعداد للكفاح المسلح ودعوتهم للالتحاق بهذا التنظيم استعدادا لاندلاع الثورة المظفرة باقتناء السلاح والعتاد والألبسة.

وفي هذا الصدد ظل يتنقل إلى العديد من المناطق منها “عين الفرانين” بوهران و”تسالة” بسيدي بلعباس, وفق نفس المصدر.

كما أبرزت شهادة المجاهد سطمبولي أن الشهيد زبانة جمع مجموعة من المجاهدين من الرعيل الأول للتحضير لاندلاع ثورة التحرير المجيدة شهر أكتوبر 1954 وأمرهم بالاستعداد لعملية عسكرية ليلة أول نوفمبر 1954.

وذكر أنه في يوم 15 أغسطس 1954 انعقد لقاء خاص بمغارة غار “بوجليدة” ببلدية القعدة (معسكر) التي كانت مركزا للعمليات العسكرية ضد المستعمر تحت إشراف الشهيدين بن عبد المالك رمضان وأحمد زبانة حضره 13 مجاهدا أبلغهم فيه بإنشاء جبهة وجيش التحرير الوطني.

وقاد أحمد زبانة بتاريخ 4 نوفمبر 1954 أبرز عملية عسكرية ناجحة على مستوى غابة “مولاي إسماعيل” حاليا (لاماردو سابقا) ببلدية عقاز ولجأ رفقة مجموعة من المجاهدين إلى غار “بوجليدة” غانمين بالأسلحة والقنابل إلا أن قوات الجيش الاستعماري وبالاستعانة بأحد أعوانها الخونة تمكنت من رصد المكان لتنشب معركة غير متكافئة يوم 8 نوفمبر 1954 انتهت بإلقاء القبض على زبانة ورفقائه أصيب أغلبهم بجروح, استنادا إلى ذات المصدر.

وتشير وثائق بحوزة مديرية المجاهدين وذوي الحقوق إلى أنه بعد إلقاء القبض على أحمد زبانة خلال معركة غار “بوجليدة” التي استشهد خلالها ابراهيمي عبد القادر قامت قوات الاحتلال الفرنسي بنقله إلى المستشفى العسكري لوهران ليتم علاجه و منه إلى السجن ليحال أمام المحكمة العسكرية بتاريخ 21 أبريل 1955 التي حكمت عليه بالإعدام.

وتم نقله فيما بعد إلى سجن “بربروس” (سركاجي حاليا) بالجزائر العاصمة ليقدم مرة ثانية للمحكمة لتثبيت الحكم السابق الصادر عن محكمة وهران وينفذ في حقه الإعدام بواسطة المقصلة فجر يوم 19 يونيو 1956 بذات السجن.

وقد ردد الشهيد وهو في طريقه إلى المقصلة بصوت عالي “إني مسرور جدا أن أكون أول جزائري يصعد إلى المقصلة بوجودنا وبغيرنا تعيش الجزائر حرة مستقلة” ثم كلف محاميه بتبليغ رسالته إلى أمه حيث من بين ما كتب فيها “لا يجب الاعتقاد أنها النهاية لأن الموت في سبيل الله هو الاعتقاد بالحياة الأبدية والموت في سبيل الوطن هو واجب مقدس…”, حسب ذات المصدر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى