ثقافة

حكاية المفكر مالك بن نبي مع أهل تيزي وزو

معمر حبار
أوّلا: مقدمة:
قرأت البارحة الأستاذ Smail Mehnana عبر صفحته منشورا بعنوان: “الحياة السرّية لأول فيلسوف مغاربي”، وممّا جاء فيه:
قال: “وفي سنة 1931 ستظهر أول ترجمة فرنسية للكتاب الاساسي لشبنغلر “أفول الغرب” le déclin de l’Occident على يد محند تازروت”. (وهي نفس الترجمة التي سيعتمدها مالك بن نبي في تطوير أطروحاته دون أن يشير بكلمة واحدة لمواطنه المترجم)
وسأله قارىء: “ما تفسيرك لعدم ذكر مالك بن نبي الإسم محند تازروت؟؟”
فأجاب بالحرف:”كان يكره القبايل توسامبلومون”.
ثانيا: تعامل مالك بن نبي مع المراجع، وبنفس العدل والكيفية:
سبق للأستاذ محمد كاديك أن كتب عبر صفحته: “أن مالكا لا يشير إلى المراجع التي اعتمد عليها، كما هي مقتضيات الأعمال الأكاديمية”، وسبق لصاحب الأسطر أن علّق على صاحب المقولة بتاريخ: الأحد 21 ذو القعدة 1438، الموافق لـ 13 أوت 2017 . وبالتّالي ماذكره الأستاذ Smail Mehnana، ليس بالجديد على القارىء المتتبّع لتراث مالك بن نبي، وعليه أقول:
مالك بن نبي أشار إلى مراجعه لكن ليس بالمفهوم الجامعي المتعارف عليه، فهو يذكر: توينبي، وشاخت، وشبنغلر، وابن خلدون، وماركس، والطبري، وطه حسين، وعباس محمود العقاد، وسيد قطب، وهيكل، وعبد الصبور شاهين، والجمعية، وقادة الثورة الجزائرية، والفرنسيين، وماو، وعبد الناصر، ونهرو، وبن بلة، وبومدين، والخالدي، وحمودة بن ساعي. لكن في سياق الكلام وينتقدهم أو يمتدحهم، ودون ذكر المراجع المتعارف عليها إلاّ في حالات نادرة جدّا لا تقلّل من شأنه.
مالك بن نبي ليس ذلك الأستاذ الجامعي الذي نحاسبه على المراجع، والهوامش،، وكيفية كتابتها.
هو رجل فكر عرض فكرته بدقة متناهية من حيث مدح الفكرة، أو نقدها، وذكر أصحابها في سياق الكلام، ويحدث هذا في جميع كتبه.
في كلّ كتب مالك بن نبي، يجد القارىء في آخر الصفحات صفحة، أو أكثر خاصة بالآيات، والأحاديث، ومعجم الأماكن، والأعلام. ومن بين هؤلاء الأعلام يجد القارىء أسماء الكتّاب الذين اعتمد عليهم مالك بن نبي، ويمكنه حينها استخراج اسم الكاتب الذي اعتمد عليه وكتابه أيضا، بالإضافة إلى أعلام أخرى في علوم أخرى ونشاطات أخرى.
بعض الأفكار التي تبناها مالك بن نبي ولم يذكر أصحابها، ذكرها فيما بعد في مذكراته، كتأثره بزميله حمودة بن ساعي في فكرة معيّنة وقد ذكرها بالتّفصيل، وتأثره بنظام زوجه في أثر التنظيم على عالم الأفكار.
في كتابه “الظاهرة القرآنية” أخذ عن بعض علماء الدين وردّ عليهم.
وفي كتابه “إنتاج المستشرقين وأثارهم في الفكر الإسلامي”، ذكر المستشرقين وردّ عليهم.
وفي كلّ كتاب يذكر اسم الكتاب، أو الكاتب الذي اعتمد عليه، بحيث يناسب موضوع كتابه من حيث المدح أو النقد، لكن دائما ضمن الأسطر و الصفحات.
المشكلة إذن ليست في مالك بن نبي الذي لم يعتمد يومها على الطريقة الجامعية المتعارف عليها، وإلاّ لرددنا أعمال العظام والكبار في التاريخ، واللّغة، والتفسير، والفقه الذين لم يعتمدوا بدورهم على الطريقة الجامعية يومها.
عدم اعتماد مالك بن نبي على الطريقة الجامعية في عرض الكتب لا تجعل من طريقته هذه “مثالا !” يحتذى ويقال عنه أنّه أبدع في عرض كتبه دون الاعتماد على الطريقة الجامعية لعرض الكتب.
عدم اتّباع مالك بن نبي للطريقة الجامعية يومها في عرض الكتب لا يحطّ من قدره، ولا يتّهم في أفكاره، ولا يؤخّر ولا يهمّش.
أستغلّ هذه الفرصة لأرسل نداء للمهتمين بفكر مالك بن نبي لإعادة تنظيم كتبه من حيث ضبط المراجع التي ذكرها وإعادة ذكرها بدقة، وعناية عبر الهامش والمراجع، ليستفيد منها القارىء المتتبّع.
يحاسب الكاتب على الكذب، والتزوير، والتشويه، والتحريف، والسّرقة فيما ماينقله عن غيره، ولا يحاسب في غيرها كعدم ذكر المرجع، وإن كان الأفضل ذكره، إن كان يملكه، ويتذكره.
افترض جدلا -أقول افترض-، أن مالك بن نبي
ظلّ مالك بن نبي رحمة الله عليه، يستشهد بشبنغلر الألماني، وفي عدّة مناسبات.
لايقيم مالك بن نبي دراسات جامعية، حتّى يحاسب على المراجع، فهو يذكر اسم الكاتب، أو الكتاب الذي يخدم الفكرة، واستحضره في حينه، وبما يخدم الحضارة من حيث التّأكيد أو النهي.
لايتّهم مالك بن نبي، في كونه لم يذكر المرجع بالتّفصيل، -وإن كنّا نرجو ذلك ونتمناه-، ولم يتعمّد أبدا ومطلقا، عدم ذكر المرجع بالتّفصيل الذي اعتمد عليه.
تعامل مالك بن نبي مع جميع المراجع، ودون استثناء بنفس الطريقة والكيفية، أي عدم ذكرها بالتّفصيل إلاّ نادرا.
حين لايذكر مالك بن نبي المرجع، لايعني أبدا ومطلقا أنّه حاقد على صاحبه.
مايميّز كتب مالك بن نبي، قلّة المراجع التي اعتمد عليها، والمراجع المذكورة، لم تذكر بالتّفصيل.
مالك بن نبي مهندس، أي رجل فاعل وعملي، ويعتمد على المرجع أو يشير إليه بالقدر الذي يخدم فكرته، والمتمثّلة في الفاعلية والحضارة، ولا يعتمد أبدا ومطلقا على المراجع كزينة يزيّن بها كتبه، فإنّ هذا ليس من أخلاقه.
عدم ذكر مالك بن نبي لصاحب الترجمة، والاكتفاء باسم شبنغلر، لايعني أبدا أنّ مالك بن نبي تعمّد ذلك، ولا يسيىء إليه، مادام قد تعامل مع مراجع أخرى وهي كثيرة، بنفس الطريقة والكيفية، إلاّ القليل منها، حين تساعده الذاكرة، ويتوفّر لديه الكتاب.
لم يعرف مالك بن نبي، الاستقرار الطويل في مكان، وهو كثير السّفر، فلا غرابة أن لاتكون له مكتبة يعود إلى كتبها، للتثبّت والتحقّق حين الحاجة. وأعتقد أنّ هذه النقطة، في غاية الأهمية، لفهم دواعي عدم ذكره للمراجع بالدّقة الممطلوبة، والمعمول بها.
ثالثا: مالك بن نبي لايحقد على أهل تيزي وزو:
أمّا فيما يخصّ قول Smail Mehnana عن مالك بن نبي، وبالحرف: “كان يكره القبايل توسامبلومون”.
أقول: قل عن مالك بن نبي ماشئت، لكن أبدا ومطلقا، لم يكن الحاقد على أحد فيما قرأت، وكتبت، ومدحت، وانتقدت.
لايوجد جزائري، ولا عربي، ولا مسلم، ولا فرنسي، ولا غربي، ولا فقيه، ولا مؤرّخ، ولا سياسي، ولا أديب، ولا مفسّر لم ينتقده مالك بن نبي. لكن لم يحقد على أحد، ومهما كان.
أعزّ النّاس لديه، وأقربهم لديه هو صديق عمره حمودة بن ساعي، ورغم ذلك انتقده. كيف بغيره.
لايقال أبدا ومطلقا، عن مالك بن نبي -أو غيره- بأنّه حاقد، لأنّه لم يذكر المرجع الفلاني، وصاحب المرجع الفلاني خاصّة وأنّه تعامل مع الجميع -ودون استثناء-، بنفس الطريقة والكيفية.
اختلف مالك مع الكثير، وردّ عليه الكثير، لكن لم أقرأ -ولغاية هذه الأسطر-، أنّ أحدا من الذين ردّوا عليه، اتّهمه بالكره والحقد. وهذا ممّا لم يذكره أحد في حياته، وبعد مماته.
انتقدت مالك بن نبي -وما زلت- كلّما أتيحت الفرصة حول بعض مواقفه، ومدحه لبعض الشخصيات دون داع لذلك، وانقلابه على بعض الشخصيات، وسكوته عن بعض الشخصيات دون داع لذلك. لكن أبدا، ومطلقا لم أقل عنه أنّه الحاقد، لأنّه ليس الحاقد، ولم ألمس ذلك في مواقفه، وعلاقاته، وخصوماته، وأيّامه.
مالك بن نبي ينتقد الشخص من خلال الموقف، ثمّ ينصرف. لكن أبدا، ومطلقا لايحقد على صاحب الموقف، أو صاحب الفكرة.
ذكر مالك بن نبي حياته الشخصية الدقيقة، وصراعاته الفكرية، واختلافاته مع القادة والشخصيات، وبالتّفصيل في كتابه “العفن[1]”، وفي كتابه les carnets[2]. ولا يوجد -فيما قرأنا، ونتذكرلغاية هذه الأسطر- ماجاء على لسان صاحب المنشور، لامن حيث التأكيد، ولا النفي، ولا ذكر أسباب هذا أو ذاك.
صناعة التّهم ضدّ مالك بن نبي:
اتّهم مالك بن نبي بتهم كثيرة متعدّدة، وقد ردّ عليها صاحب الأسطر-ويظلّ يردّ-، كلّما سمح المقام بذلك، ومنها:
“كان يتصيد مساوئ الخلق، وفشل في الحصول على وظيفة مهندس عوقب بالسجن سنتين لأنه ضبط يوزع منشورات في مرسيليا تجند العمال المغاربة مع هتلر، وعنكبوت يمضي وقت الفراغ في نسج نظرية المؤامرة… ومناهضة الأكل بالفرشيطة[3]”.
اتّهم بأنّه لايوقّر أسيادنا عمر بن الخطاب، ومعاوية بن أبي سفيان، رحمة الله ورضوان الله عليهما، وأنّه التّابع للمستشرقين[4] واتّهم بأنّ كتبه منعت من الطبع والنشر، وهو مالم يحدث[5].
واتّهم بأنّه وهابي[6].
واتّهم بأنّه تابع للغرب[7].
واتّهم بأنّه المجنون[8].
واتّهم بأنّ الجزائر ظلمته[9].
واتّهم بأنّه ليس العربي[10].
اتّهامه بأنّه لايحسن اللّغة العربية، وأن مصر هي التي علّمته اللّغة العربية[11].
وتهم أخرى جاءت ضمن المقالات، والمناشير عبر صفحتنا[12].
[1] مالك بن نبي، “العفن”، الجزء الأول 1932 – 1940، ترجمة الأستاذ نور الدين خندودي، دار الأمة، الجزائر، الطبعة الأولى 2007، من 197 صفحة، “العفن”،
[2] Malek BENNABI “mémoires d’un témoin du siècle : l’enfant. L’étudiant. l’écrivain. les carnets ” Samar 2ème édition, 2006, Alger, Algérie, Contient 660 pages.
[3] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: “مالك بن نبي.. حقد أستاذ جزائري – معمر حبار” ،وبتاريخ: الثلاثاء 27 ذو الحجة 1438، الموافق لـ 19 سبتمبر 2017.
[4] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: “دفاعا عن الأستاذ مالك بن نبي – معمر حبار” ،وبتاريخ: الأحد 6 جمادى الأوّل 1442 هـ الموافق لـ 20 ديسمبر 2020
[5] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: “لم تمنع كتب ومقالات مالك بن نبي من الطبع والنشر” ،وبتاريخ: الأربعاء 21 محرم 1442 هـ الموافق لـ 9 سبتمبر 2020
[6] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: “مالك بن نبيليس وهابيا- معمر حبار” ،وبتاريخ: [6] الثلاثاء23 محرم 1440 هـ الموافق لـ 3 أكتوبر 2018.
[7] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: “مالك بن نبي .. لم يتأثر بالغرب” ،وبتاريخ: الإثنين29 ذو القعدة 1438، الموافق لـ 21 أوت 2017.
[8] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: “مالك بن نبي .. ليس مجنونا – معمر حبار” ،وبتاريخ: السبت08 رجب 1437، الموافق لـ 16أفريل .2016
[9] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: “مالك بن نبي ليس_المظلوم في أهله – معمر حبار” ،وبتاريخ: السبت 5 ذو القعدة 1441 هـ الموافق لـ 27 جوان 2020.
راجع من فضلك مقالنا بعنوان: “مالك بن نبي ليس_المظلوم في أهله – معمر حبار” ،وبتاريخ:
[10] راجع من فضلك مقالنا بعنوان: “مالك بن نبي .. العربي- معمر حبار” ،وبتاريخ: الأحد 9 ذو القعدة 1439 هـ الموافق لـ 22 جويلية 2017.
[11]راجع من فضلك منشورنا عبر صفحتنا بعنوان: #أخطاء_في_حقّ_مالك_بن_نبي 11
[12] للزيادة، راجع سلسلتنا عبر صفحتنا بعنوان: #أخطاء_في_حقّ_مالك_بن_نبي .

الشلف – الجزائر
معمر حبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى