إسلامثقافة

حقيقة ذي القرنين

منقول

خواطر من الكون المجاور

الخاطرة 92 : حقيقة ذي القرنين

يبدو أن موضوع حقيقة يأجوج ومأجوج لم يأخذ حقه بشكل وافي في المقالة السابقة وهذا شيء طبيعي فبشكل عام فإن مواضيع الكتب المقدسة جميعها تحتاج إلى بحوث طويلة شاملة لا تنتهي طالما أن العلوم تتقدم مع مرور الزمن ، فمعلومات الكتب المقدسة تتجدد بإستمرار وتأخذ معنى أعمق مع كل عصر جديد لتكون صالحة تستطيع توجيه اﻹنسانية إلى الحقيقة الكاملة أكثر فأكثر.

من خلال بحثي في آراء علماء الدين والمفكرين في موضوع ( يأجوج ومأجوج ) ، لاحظت أن معظمهم يعتمد في تفسير حقيقة يأجوج ومأجوج بشكل كلي على المعنى الحرفي للآيات التي تتحدث عنهم الموجودة في سورة الكهف ، فمثلا يفسرون اﻵية التي تذكر ( …فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما * ….) بمعنى أن ذي القرنين صنع سدا عاليا بين جبلين ليفصل بين يأجوج ومأجوج و الشعوب اﻷخرى ويمنع ضررهم عنهم. هذا التفسير -حسب رأيي طبعا – يعتبر تفسير سطحي جدا يناسب مستوى معارف شعوب عاشت قبل ألف عام على اﻷقل ، ولكنه لا يناسب نهائيا المستوى العلمي الذي وصلنا إليه في عصرنا الحاضر ﻷنه من السهل اليوم اإكتشاف مكان وجود مثل هذه القبائل التي تتصف بأعدادها الهائلة عن طريق رحلات اﻹستكشافات العلمية التي حدثت بشكل غزير في القرون اﻷخيرة ،وكذلك يمكن العثور عليهم بسهولة من خلال الصور التي ترسلها المركبات الفضائية التي تدور حول الكرة اﻷرضية والتي قامت بتصوير دقيق لجميع مناطق الكرة اﻷرضية. وحتى اﻵن لم تعثر على مثل هذه القبائل، لذلك نجد كثير من المؤلفين وخاصة الغربيين قد غيروا قليلا من قصة يأجوج ومأجوج فذكروا في كتبهم بأنه قد تم سجنهم في باطن اﻷرض وليس على سطحها.

قصة يأجوج ومأجوج بسبب غرابتها بدأت في الفترة اﻷخيرة تأخذ أشكال غريبة وعجيبة بسبب تعارضها مع الواقع الذي كانت عليه قبل حدوث التقدم العلمي الذي حققته اﻹنسانية في الفترة اﻷخيرة لذلك بعض علماء الدين حاولوا تعديل هذه القصة ليستطيع عقل اﻹنسان الحديث تقبلها ، فليس من المعقول أن سدا بين جبلين يمكنه أن يعزل شعب قوي مثل شعب يأجوج ومأجوج عن بقية الشعوب لمئات أو ﻵلاف السنين. لذلك السد هنا ليس له معنى مادي كما يتصوره البعض ولكن له معنى فكري ، فمثلا التلقيح ضد مرض الجدري يحدث سدا بين اﻹنسان ومرض الجدري، وهنا لا يعني أن اللقاح هو سد حجري بين اﻹنسان وفيروس الجدري ولكن له معنى أنه يعطي الجسم مناعة لمقاومة هذا الفيروس وعدم اﻹصابة بهذا المرض.

أحد علماء الدين اﻹسلامي يذكر في تفسيره عن موضوع يأجوج ومأجوج فيقول (من هو ذي القرنين ؟. … الحقيقة لا يعنينا من هو ذي القرنين ، وأي ملك كان وفي أي عصر ولد ، وأي بلد فتح ، هذه اﻷسئلة التي تتبادر إلى الذهن حينما نقرأ هذه القصة أسئلة لا مسوغ لها…..) فحسب رأيه أن القرآن الكريم ليس كتاب تاريخ. ..فكتاب التاريخ هو فقط من يهتم بتحديد المكان ، والزمان وتحديد الواقعة وأسبابها وأحداثها ونتائجها. .. ولكن القرآن كتاب هداية وإرشاد. فاﻷحداث التاريخية ليست معنية في هذه القصة.

قد يكون صاحب هذا الرأي صحيح بالنسبة لإنسان يعيش في العصور القديمة وذلك بسبب قلة المعارف وإنحطاط المستوى العلمي في ذلك الوقت والتي لن تسمح له البحث في تفاصيلها ، ولكن اليوم ومع تقدم العلوم المادية بشكل كبير في مختلف أنواعها فإن مثل هذا الرأي يعد تشويها لمفهوم القرآن الكريم وسيحول جميع قصص اﻷنبياء إلى قصص خرافية لا مكان لها لا في التاريخ ولا في تطور اﻹنسانية. في الحقيقية القرآن الكريم هو كتاب تاريخ وفيزياء وكيمياء وطب وهندسة و..و….وكل شيء، ﻷنه كتاب كتبت آياته بوحي من الله عز وجل ، وكما يقول عن كتابه ( …..إلا وذكرها في كتابه المبين ) . فحتى نصل إلى حقيقة يأجوج ومأجوج يجب أن نعلم بالتفصيل عن كل ما ذكره الله في وصف هذا القوم كل كلمة كل إسم كل رقم يحوي داخله رمز يكشف لنا حقيقة هذه القصة . فالموضوع هنا هو فعلا هداية وإرشاد ولكن هذه اﻷشياء تأخذ أرقى أشكالها عندما يتم إثبات صحتها تاريخيا وعلميا وفكريا ، ليشعر اﻹنسان أنه هذا الموضوع يرتبط به جسديا وفكريا وماضيا وحاضرا ومستقبلا.

إحدى التفسيرات والتي يعتقد بصحتها نسبة كبيرة من المسلمين ذكرها في تعليقه أحد القراء اﻷعزاء في المقالة السابقة وهذا التفسير يعتمد على أن كلمة يأجوج ومأجوج ذات أصل عربي :

( كلمة يأجوج من أج النار أي أوقدها ، يأجوج الذي يؤجج النار أي يوقدها ومأجوج هو الحطب الذي يؤجج فيه النار. وهم قوم أو أمة يتبعون من يأج النار ومبدأهم القتل العشوائي وهم ممن ينعقون مع كل ناعق. اﻵية الكريمة توضح ذلك وتصفهم بأنهم مفسدون. .. قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في اﻷرض. .. وغالبا يكون اﻷج بكلمة أو فتوى. …وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله ” لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد إقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا وحلق بإصبعيه اﻹبهام والتي يليها فقالت – زوجته زينب – يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث ” وقد خص الرسول صلى الله عليه وسلم العرب وليس المسلمين وهذا ما حصل للعرب منذ وفاته وإلى يومنا هذا. .. والجميع يرى كيف أن رجال داعش ينسلون من كل الدول إذا فتحت لهم أبواب الفساد لدخول العراق وسوريا ونشر الرعب والقتل. …)

أولا أود أن أقول أنه لو أرادت الدول العظمى القضاء على داعش لكانت قد قامت بحذفها من على سطح اﻷرض من بداية ظهورها ، ولكن يبدو أنه هناك من يستفيد جدا من ظهور داعش ويريد أن تستمر في أعمالها اﻹرهابية المتوحشة ليحقق منها أغراضه الدنيئة وللأسف كثير من الحكومات تعلم بما يحدث ولكنها لا تزال صامتة ، ومن يبحث في تقارير اﻹستخبارات اﻷمنية العالمية سيجد أنه كان باﻹمكان منع حدوث العديد من اﻷعمال اﻷرهابية ولكن ﻷسباب غير معروفة لم يتم تحرك رجال اﻷمن في الزمن المناسب لمنع حدوثها ، وداعش نفسها تعتبر بشكل عام مشكلة تأثيرها ينحصر على منطقة صغيرة من العالم، أما القرآن الكريم فيتكلم عن يأجوج ومأجوج كموضوع وكأنه سيحدث ضجة عالمية تهتز له نفوس الناس جميعا ، بينما مشكلة داعش يفكر بها السوري والعراقي ولكن بالنسبة للمواطن اﻷمريكي او الاسترالي أو الايطالي أو الهندي أو الصيني أو اﻷفريقي فهناك عشرات المشاكل التي يعاني منها يوميا أهم بعشرات المرات بالنسبة له من مشكلة داعش أو بشكل عام مما يعانيه الشعب السوري أو العراقي من المجازر اليومية التي يعيشونها.

إن تفسير موضوع يأجوج ومأجوج على مبدأ ( يأجوج من أج النار. .) كما ذكرناه أعلاه قد يكون مقبولا على المستوى العالم العربي فقط ، ولكن القرآن الكريم كتاب مقدس له طابع عالمي يبحث في مشاكل شعوب الكرة اﻷرضية بأكملها فهو موجه للإنسانية جمعاء وعلى مر العصور حتى يوم الدين. لذلك عندما قرأت مثل هذا التفسير قبل سنوات عديدة لم أقتنع بأن معنى يأجوج ومأجوج مصدره أج النار. ﻷن هذه الصفة في سلوك اﻹنسان هي نتيجة ﻷسباب وظروف عديدة مر بها في حياته وليست قاعدة تتعلق بكيانه الروحي ، والكتب المقدسة تهتم أولا بالكيان الروحي أكثر بكثير من النتيجة النهائية ، لتوضيح هذه الفكرة سأذكر هذا المثال البسيط :

عندما تحدث جريمة ما ، يأتي الطبيب الشرعي ويفحص الجثة ويحدد سبب الوفاة فيكتب في تقريره ( سبب الوفاة إصطدام رأس الضحية بشي صلب أدى إلى حدوث نزيف داخلي أدى إلى الوفاة ) أما تقرير رجال شرطة مكافحة الجرائم فيكون ( سبب الوفاة هو محاولة المتهم دخول بيت الضحية للسرقة ، ولكن الضحية إستيقظ وحاول اﻹمساك بالمتهم فحدث عراك عنيف بينهما أدى إلى سقوط الضحية وإرتطام رأسه بقوة على حافة الطاولة . .. ) أما تقرير محامي الدفاع عن المتهم فيكون ( بأن المتهم كان يعيش أزمة نفسية شديدة بسبب العطالة عن العمل، فوجد نفسه عاجزا عن تأمين تكاليف المعيشة لزوجته وأطفاله، وأمام الجوع الذي رآه في عيون أطفاله إضطر إلى السرقة ،فدخل بيت الضحية ولكن عندما شعر صاحب البيت به هجم عليه ليمسك به فإضطر المتهم إلى دفع صاحب البيت بقوة بعيدا عنه لمحاولة الهروب ولكن لسوء الحظ سقط صاحب البيت وإرتطم رأسه بزاوية حافة الطاولة فمات… ) أما إذا أراد عالم اﻹجتماع البحث في ظروف أسباب هذه الجريمة فسيكون تقريره على الشكل التالي ( بسبب فساد الحكومة وكثرة عمليات النصب والإحتيال التي يقوم بها رجال الحكومة أدى إلى إنهيار إقتصاد الدولة مسببا إرتفاع اﻷسعار وإرتفاع نسبة العطالة والذي خلق ظروفا إجتماعية قاسية لكثير من طبقات المجتمع. …إلخ ) أما إذا أراد عالم نفسي البحث في أسباب هذه الجريمة فسيكون تقريره على الشكل التالي (بسبب إنحطاط الفن وفساد رجال الدين أدى إلى إنهيار الروابط اﻹجتماعية وفساد اﻷخلاق و إنحطاط سلوك اﻹنسان والذي أدى إلى نمو حب الذات وإنخفاض اﻹحساس باﻵخرين حيث أصبح هدف اﻹنسان هو فقط تحقيق ملذات الجسد. …. إلخ ) أما إذا أراد فيلسوف أن يبحث في أسباب الجريمة فسيكون تقريره بهذا الشكل ( بسبب العمى الروحي الذي يعاني منه كبار مفكرين العصر أدى إلى إنهيار مستوى اﻹدراك الروحي ” البصيرة ” في كافة وسائل التربية والتعليم حيث خلق جيل جديد يرى اﻷشياء واﻷحداث برؤية سطحية فقيرة عاجزة عن رؤية المضمون فيها ، ففقد اﻹحساس بوجود الله في كل شيء يراه حوله ، ومن لا يشعر بوجود الله من حوله فإن كل القيم واﻷخلاقيات تسقط من نفسها ويصبح كل شيء مباح من أصغر الذنوب حتى أبشع الجرائم فيحول اﻹنسان من كائن روحي إلى كائن مادي لا يختلف عن بقية الكائنات الحيوانية . …… )

تقرير الفيلسوف هو أرقى أنواع اﻹدراك ﻷنه ينظر إلى الأمور نظرة شاملة من جميع زواياه. ..لذلك الحضارة المصرية أعطت الفلاسفة أعلى درجات العلم وسموها درجة (النبي ) والمقصود بها كمعناه الحرفي وليس معناه الديني ، ﻷن الشخص الذي يمتلك علوما شاملة تسمح له بتحليل اﻷمور من جميع زواياها ليستطيع فهم تأثيرها على جهة تطور المجتمع، فإذا كان تأثيرها إيجابي يساهم في إستمرارها وتنميتها أما إذا كان سلبيا فيتدخل ليوقف هذا التطور ويعمل على إصلاحه. … الفيلسوف هو الذي يعتمد على قانون الوقاية خير من العلاج.

الكتب المقدسة تضم جميع هذه الأنواع من اﻹدراك ولكنها تعطي اﻷهمية الكبرى لمبدأ قانون ( الوقاية خير من العلاج ) ، وعلى هذا المبدأ فإن التفسير الذي ذكرناه أعلاه عن معنى يأجوج ومأجوج هو بمستوى العلاج وليس الوقاية ،ﻷن كلمة يأجوج ومأجوج لها علاقة بالتكوين الروحي وليس التكوين الجسدي. وسنذكر بعض اﻷدلة على ذلك.

قصة يأجوج ومأجوج تم ذكرها في سورة الكهف ، هناك حديث شريف يقول ( من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة كانت له نورا يوم القيامة ) وهناك حديث شريف آخر يقول (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال ) . إذا أخذنا المعنى الحرفي لهذه اﻷحاديث سنجد أنها تتعارض كثيرا عما يحدث في الواقع ، فكثير من الخوارج يحفظون سورة الكهف بأكملها أو ربما يحفظون القرآن بأكمله ويقرأون سورة الكهف يوم الجمعة وأيام اﻷسبوع جميعها ومع ذلك يصفهم رسول الله بأنهم أشد أعداء اﻹسلام ، فالمقصود هنا ليس المعنى الحرفي ولكن المعنى الرمزي لها ، فيوم الجمعة هنا لا يعني اليوم السادس من الأسبوع ولكن رمزه ، فكلمة جمعة تعني الجمع أي محاولة رؤية مفهوم اﻵيات من جميع زواياه ( بإستخدام علوم عديدة مختلفة ) لنحصل على إدراك شامل لمعنى اﻵيات، بينما أعور الدجال يستخدم رؤية مادية فقط لفهم اﻷحداث لذلك سمي باﻷعور ﻷنه لا يستخدم الرؤية الروحية ، في حين أن الوصول إلى الحقيقة الكاملة يحتاج إستخدام الرؤيتين معا الروحية والمادية للحصول على رؤية شاملة ، فتفسير اﻷمور لا يمكن أن يتم عن طريق رؤية واحدة ولكن برؤية شاملة. فالمقصود هنا هو أن قراءة سورة الكهف برؤية شاملة توضح للمؤمن الصراط المستقيم الذي يجب أن يسير عليه لكي لا يقع في خداع أعور الدجال.

الحكمة اﻹلهية في تصميم القرآن الكريم أشارت إلى هذه الفكرة في قصة يأجوج ومأجوج. حيث نجد أن اﻵية التي تأتي قبل بداية هذه القصة تتلكم عن تفسير اﻷشياء (…. ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا ) حيث الخضر عليه السلام هنا يحاول تفسير اﻷمور لموسى عليه الصلاة والسلام ، وموسى هنا هو رمز اﻹدراك الروحي ولكن أيضا اﻹدراك الروحي يحتاج إلى اﻹدراك المادي للوصول إلى حقيقة لذلك أرسل الله معه أخاه هارون وهو رمز للرؤية المادية للأشياء. لذلك نجد أن بعد الحديث عن تفسير اﻷشياء تأتي مباشرة اﻵية التي تذكر ” ذي القرنين ” ف ذو القرنين هو رمز النصف المادي من اﻹدراك الشامل ، لذلك كان دوره – كما ذكرنا في المقالة السابقة – هو وضع سد يحمي الناس من أضرار يأجوج ومأجوج وليس القضاء عليهم ، ﻷن ذلك يحتاج إلى إدراك شامل. وهي مسؤولية اﻷنبياءالمرسلين.

من هذا التوافق نفهم أن ذي القرنين هو إنسان يرمز إلى العلوم المادية ، ومن المعروف أن الحضارة اﻹغريقية هي أول حضارة أوربية حيث لعبت دور كبير في تنمية العلوم وبشكل خاص العلوم المادية ، والملك اﻹغريقي الوحيد الذي إستطاع السيطرة على العالم القديم هو إسكندر والمعروف عند العرب بإسم إسكندر المقدوني أو إسكندر اﻷكبر عند اﻷوربيين، وكما هو معروف تاريخيا عنه بأن أهم منجزاته كانت دمج الثقافة اﻹغريقية بالثقافات الشرقية المختلفة، إي أنه أول من دمج اﻹدراك الروحي الذي كانت الشعوب اﻵسيوية تقوم بتنميته مع اﻹدراك المادي الذي قامت الحضارة اﻹغريقية بتنميته في ذلك الوقت ،لذلك سماه الله “ذي القرنين ” ﻷنه جمع بين اﻹدراك الروحي واﻹدراك المادي ، والقرن هنا ليس له علاقة بقرن الثور كما يعتقد البعض ولكن بقرن البومة ( الصورة ) والتي تعتبر في الحضارة اليونانية رمز الحكمة والتي منها ظهر مصطلح ( فيلسوف) أي اﻹنسان الذي يبحث في أمور الحكمة . فإسكندر المقدوني في الحقيقة لم يكن قائد جيش ولكن رجل حكيم.

إسكندر المقدوني بالنسبة لكثير من علماء الدين المسيحي يعتبر الممهد لقدوم عيسى عليه الصلاة والسلام. فالنبي يحيى يعتبر الممهد لقدوم عيسى على مستوى العالم المسيحي ، ولكن إسكندر المقدوني هو الممهد على مستوى اﻹنسانية بأكملها ، لذلك نجد في إنجيل يوحنا اﻵية 23 اﻹصحاح 12 ، عندما يرى عيسى المسيح جماعة من اليونانين قد جاؤوا ليسمعوا كلامه يقول ( قد أتت الساعة ليتمجد إبن اﻹنسان ) ويقصد إنه إكتمل اﻹدراك عند اﻹنسان مع إندماج العلوم المادية ( ورمزها اليونانيين ) مع العلوم الروحية ( الديانات ).وليس من الصدفة أن الله إختار اللغة اليونانية لتكون لغة اﻹنجيل. وإسكندر المقدوني كان له الفضل في ذلك.

كثير من علماء الدين اﻹسلامي يرفضون فكرة أن ذي القرنين هو إسكندر المقدوني، والسبب كونه ينتمي إلى ديانة وثنية ، وحسب رأيهم أن ذي القرنين هو حاكم صالح عاش في فترة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأنه طاف معه حول الكعبة ، ولكن الحقيقة أن هذا الشخص يعتبر شخصية غامضة ولا يوجد أي معلومات أو رموز يمكن عن طريقها أن نصل إليه لمعرفة مكانه و دوره في تطور اﻹنسانية ، وبكلام آخر هذه الشخصية غير موجودة لا تاريخيا ولا دينيا ، وليس من المعقول أن يسأل المشركين رسول الله ليخبرهم عن رأيه بشخص حيث 99% من سكان العالم لا يعرفونه ولم يسمعوا عنه شيئا من قبل .

بعض العلماء يرون أن ذي القرنين هو كورش الكبير ملك مملكة فارس. ولكن هذا الملك عاش في القرن السادس قبل الميلاد وشهرته كانت محصورة عند الفرس وعند اليهود ﻷنه أرجعهم إلى بلادهم وبذل لهم اﻷموال لتجديد بناء الهيكل ، فهذا الملك كما تذكره الكتب المقدسة للعهد القديم كان صالحا ، ولكن هذا لا يكفي ﻷن يأخذ تلك المكانة التي أعطاه الله في القرآن الكريم ، فتأثير هذا الملك على التطور الروحي للإنسانية كان على نطاق ضيق لا يسمح له تلك الشهرة التي ستدفع المشركين من الذهاب إلى رسول الله ليخبرهم شيئا عنه. على العكس تماما بالنسبة ﻹسكندر المقدوني حيث نجد ظهور حكايات وأساطير كثيرة تتحدث عن إسكندر المقدوني منذ وفاته وحتى اليوم وكأنه شخصية إسطورية فذة ، حيث كان كثير من مفكرين شعوب العالم القديم ينظرون إلى إسكندر المقدوني كملك عظيم يحتذى به. فمن الطبيعي أن يكون إسم إسكندر في فترة ظهور اﻹسلام من أشهر الملوك وخاصة أن اليونانيين كان لهم وجود كبير في بلاد مصر. وبلاد الشام وعدا عن هذا هناك مدن كثيرة تحمل إسمه. بكلام آخر أن شهرة إسكندر بالنسبة لشعوب العالم في فترة ظهور اﻹسلام كانت أكبر بكثير من شهرة كورش ملك مملكة فارس، لذلك فإحتمال سؤال المشركين عن الاسكندر هو أكبر بكثير من إحتمال السؤال عن ملك كورش.

ولعل أهم ما يربط بين صفات إسكندر وذي القرنين المذكور في القرآن الكريم هي اﻵية ( إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا) فمن المعروف عن إسكندر بأنه كان يؤمن تماما بأن الله قد أختاره لينقذ شعوب العالم من ملوكها الظالمين. لذلك لم يعرف في حياته معنى الراحة فكان عقله يعمل بشكل مستمر من أجل تحقيق هدفه هذا ، فلم يهتم نهائيا بمعاشرة النساء وكان يُظهر ضبط نفسي كبير ومنع نفسه في اﻹنغماس في ملذات الجسد. وهذا ما جعله يكوِّن صداقات حميمة جدا مع عدد من النسوة الكبار تربطه بهن علاقة أمومة بريئة ولعل أهمها علاقته مع والدة داريوش الثالث ملك الفرس حيث أحبته كولدها ويقال أنها بعد وفاته ماتت من شدة حزنها عليه.

إسكندرالمقدوني شهرته عالميا أكبر بكثير من جميع الملوك الذين ظهروا عبر التاريخ ، وكان أحد ألقابه التي سمي بها (ذي القرنين) حيث نجد معظم النقوشات التي تم صنعها بعد إنتصاره على جيوش الفرس يحمل على رأسه قرنين (كما توضح الصورة )وهو الملك الوحيد الذي يجمع بين الشرق ( اﻹدراك الروحي ) مع الغرب ( اﻹدراك المادية).

الحكمة اﻹلهية تركت إثباتات رقمية تؤكد على أن ذي القرنين المذكور في سورة الكهف هو نفسه إسكندر المقدوني ،

إذا حسبنا مجموع تراتيب السور من سورة الكهف (18)وحتى سورة محمد (47) أي :

19 +20+21+22+23+……….+44+45+46+47 = 957

حيث الرقم 957 هو عدد السنوات بين عام 336 قبل الميلاد وهو عام إستلام الإسكندر العرش بعد وفاة أبيه،وحتى عام 621 ميلادي وهو عام هجرة الرسول إلى المدينة المنورة

هناك إثبات آخر ، إذا أخذنا السور التي تبدأ بآيات مفهومة والتي تمثل الكتاب اﻷول في القرآن الكريم ( الكتاب الثاني هو الذي سوره تبدأ بآيات تحوي أحرف غامضة مثل ألم ، مص، الر ، كهيعص، حم ، …إلخ ) وحسبنا عدد اﻵيات من اﻵية 83 من سورة الكهف والتي تذكر إسم ذي القرنين وحتى الآية اﻷولى من سورة محمد سنجد مجموع اﻵيات يعادل 907 آية وهو عدد السنوات بين عام( 336قبل الميلاد ) وهو العام الذي أصبح فيه إسكندر ملكا على اليونان وحتى عام (571 ) وهو عام ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم.

336 + 571 = 907

هنا القرآن الكريم يعطينا بشكل دقيق الزمن الذي عاش به ذي القرنين إعتمادا على اﻷحداث التاريخية التي تتعلق بحياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.

خلاصة القول بأن المعنى الذي شرحناه عن مفهوم يأجوج ومأجوج في المقالة السابقة لم يأتي بشكل عشوائي ولكن إعتمادا على الرموز واﻷرقام الموجودة في القرآن الكريم …..والله أعلم.

ز.سانا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى