إقتصادفي الواجهة

حرب نفسية إعلامية ضد النفط والغاز و الدول المنتجة للنفط والغاز

د. صلاح حزام
 
يبدو ان هناك سلوكاً مقصوداً تتبعه وسائل الاعلام وبعض الوكالات والمؤسسات الدولية عندما تتحدث عن مستقبل سوق الطاقة وموقع النفط في خارطة استهلاك الطاقة العالمية مستقبلاً.
يهدف ذلك التناول المُغرض والذي يستخدم اسلو : كلمة حق أُريدَ بها باطل، الى إشاعة نوع من الارهاب النفسي والتخويف والإحباط لدى الدول المنتجة للنفط، كحكومات وكأفراد.
فهم يرددون ان مستقبل الطلب على النفط سيء وان التخلي عن النفط قريب ولا يتجاوز عشرة الى عشرين سنة.
(بل ان السيد وزير المالية قال ان التراجع يبدأ بعد خمس سنوات).
الحجة الاساسية التي يستخدمها هؤلاء، ورددها السيد وزير المالية، ان قطاع النقل في الدول الصناعية سوف يتحول الى استخدام السيارة الكهربائية ويترك الوقود التقليدي.
النقاط التي يتعمدون إخفاءها والتي اغفلها السيد الوزير ايضاً او انه لايعرفها :
– لماذا تسعى الدول الصناعية الى ايقاف استخدام سيارات الوقود التقليدي بحلول ٢٠٤٠؟
– كم هي حصة النفط من اجمالي مصادر الطاقة في العالم وكم هي حصة الفحم؟
-هل ان استبدال الوقود التقليدي بالكهرباء لشحن السيارات سوف يأتي من العدم ام انه يحتاج الى زيادة طاقات التوليد الكهربائية؟
أجوبة تلك الاسئلة هي:
السعي الى ايقاف او الحد من استخدام سيارات الوقود التقليدي (الأحفوري)، يهدف الى خفض انبعاثات الغازات الضارة للبيئة. لذلك فأن المفروض ايقاف استخدام اكثر مصادر الطاقة تلويثاً للبيئة وهو الفحم. وحالياً يشكل استهلاك الفحم نسبة ٢٥% من اجمالي استهلاك الطاقة في العالم في حين ان النفط يشكل ٣٧% والغاز ٢٣%. أي ان الفحم يشارك بقوة في تزويد العالم بالطاقة، لكنهم يتحدثون عنه بحياء لأن الدول الكبرى هي ابرز المستخدمين للفحم وعلى رأسها الصين وأوروبا والولايات المتحدة التي يساهم الفحم في توليد ٢٦% من الكهرباء فيها
اضافة الى ذلك فان استهلاك الفحم في تصاعد سنوي لاسيما في الصين والهند التي اعلنت انها سوف تستمر بزيادة استهلاك الفحم لغاية العام ٢٠٤٠..
الدول التي اعلنت انها ستوقف او تحدد استخدام السيارات ذات الوقود التقليدي/ الاحفوري، هي في معظمها دول صغيرة كالسويد وفنلندا والدنمارك التي هي اصلاً كانت
تتبع سياسات بيئية محافظة وتقلّص استخدامها للنفط منذ سنوات. واغلب البيانات والاعلانات عن التحول الى الطاقة المتجددة تصدر عن دول الاتحاد الاوربي وليس عن كل العالم حتى يأخذها المسؤول كحقيقة ومصير لا فرار منه.
ثم ان معظم الطاقة المتجددة التي يتحدثون عنها هي من الاخشاب وسيقان نباتات كالحنطة، حيث تحول الى حبيبات وتستخدم في التدفئة بعض الاستخدامات الاخرى.
وهي بذلك ليست نظيفة، بل متجددة٠ اضافة الى نسب متواضعة لطاقة الرياح والشمس.
لكن الدول ذوات الاستهلاك العالي من النفط لم تعلن ذلك ابداً، كالصين والولايات المتحدة والهند وغيرها من الاقتصاديات الناشئة !!
النقطة المهمة هي، من اين ستأتي الكهرباء التي سوف تستخدمها السيارات الكهربائية؟
الا يقتضي ذلك زيادة قدرات التوليد؟ وماذا سوف يستخدمون من وقود لأجل ذلك؟ هل سيكون الفحم الحجري؟ اذن اين هي المصلحة البيئية اذا استخدمنا الفحم بدل النفط؟؟
هل سوف يستخدمون الطاقة المتجددة والنظيفة؟ كالرياح والشمس والماء؟
حصة المصادر المتجددة حالياً متواضعة ومن المتوقع ازدياد حصتها على المدى القادم، ولكن كم سوف تبلغ؟ وعلى حساب اي مصدر آخر ستكون تلك الزيادة؟
استهلاك الوقود الأحفوري لم يتناقص ابداً ككميات مطلقة، بل يتزايد استهلاكه باضطراد، ولكن حصته النسبية في اجمالي استهلاك الطاقة تتناقص حيث تستحوذ مصادر الطاقة المتجددة على جزء مهم من الزيادة في الاستهلاك العالمي.
واود ان اوضح بأني لا اعترض على معظم ما قاله السيد وزير المالية، لاسيما دعوته الى تنويع مصادر الناتج المحلي وموارد الموازنة الحكومية وتقليص أعداد موظفي الدولة وضرورة إصلاح قطاع الكهرباء.
لكن توقعاته بخصوص مستقبل النفط وحصول الازمة بعد خمس سنوات، تدعو الى التوقف عندها ومناقشتها.
الخطر ليس ناجماً بالضرورة عن تراجع الطلب على النفط، بل عن التقلبات الدورية التي تشهدها سوق النفط ولأسباب مختلفة. ولقد شهدنا مثل تلك التقلبات كما حصل خلال السنتين الماضيتين عند تفشي فايروس كورونا.
لكن الملاحظ ان الاعلام العالمي الذي ليس مستقلاً اطلاقاَ، يركز على تراجع الطلب على النفط قريباً وانه قد يصبح بلا فائدة.
ذلك اشاع جواً من الارهاب النفسي لدى الكثير من المسؤولين والناس العاديين في دولنا.
النفط سلعة ناضبة حتماً ولا يمكن الاستعاضة بايرادات النفط المتقلبة عن بناء التنمية الحقيقية واستخدام ايرادات النفط لغرض التكوين الرأسمالي في مشاريع منتجة وناجحة تضمن مستقبل الاجيال القادمة، بدلاً عن هدرها على استيراد كل شيء.
د. صلاح حزام

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى