حاجة الأمة.. القدوة الحسنة
تعلمنا أن الذي فشل في قيادة نفسه إلى الخير، فإنه أعجز أن يقود غيره إلى الفضائل، و أن الذي عجز أن يسوس نفسه بالتحلية و التربية، أعجز أن يقود غيره لسلم الارتقاء و الرفعة ، إذا كانت نفسه الأمارة بالسوء تتحكم في قيادته.
إن المشكلة اليوم في مجتمعاتنا متمثل في فقدان النموذج التطبيقي الصحيح للمبادئ و القيم السامية بغياب القدوة الحسنة؛ و الشاهد في القرآن الكريم يقول الله تعالى ( أتأمرون الناس بالبِرِّ وتنسَون أنفسكم -) البقرة، 44
حتما لا يستقيم الأمر و الحال الأمة على ما نرى، الأصل في الحياة أن يكون المحسن قدوة للمقصر، و أن يكون الطائع قدوة للعاصي، و أن يكون المجد قدوة للمقصر الفاشل، و أن يكون العادل المؤثمن قدوة للظالم الخائن ويكون المتفائل قدوة لليائس ، و يكون القوي قدوة للضعيف ، و يكون الواثق قدوة لمهتز الإرادة و هكذا دواليك .
و في هذا نظم أبو العالم اللغوي الأسود الدؤلي قصيدة حِكمية في نحو أربعين بيتًا، تتناول فيه موضوع القدوة الحسنة : أختار لكم هذه الأبيات الرائعة .
يأيها الرجلُ المعلّمُ غيرَه
هلاّ لنفسك كان ذا التعليمُ
ونراك تُصلح بالرشاد عقولنا
أبدًا وأنت من الرشاد عديمُ
ابدأ بنفسك فانهَها عن غَيِّها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما تقول ويُهتدَى
بالقول منك، وينفع التعليمُ
و في هذا يرشدنا المولى عز و جل إلى حسن الإقتداء تأس بالنموذج الواقعي يجسد النموذج المكتسي بكل صفات و مراتب الكمال البشري ، من خلال النموذج القدوة لرسول الإسلام محمدا صلى الله عليه و سلم .
يقول الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب:21].
والأسوة هي القدوة، و هي النموذج التطبيقي الذي على العقلاء إتباعه للسير في طريق الحق،و اتباع طريق الهداية.
و توافقا مع الآية الكريمة حين أمر الله رسوله تبليغ رسالة الإسلام لقريش أهله مختبرا إياهم ، لمعرفة صدق قدوته على قومه ، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (أريتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مُصَدِّقيَّ؟).
قالوا: نعم؛( ما جرَّبنا عليك إلا صدقًا ) .
و الإجابة تؤكد صدقا أن رسول الله كان قدوة حسنة بين أهله مع تكذيبهم رسالته ، و مع ذلك كله يقرون له الصدق و الأمانة،و حسن الخلق .
لهذا وجب على كل امرئ ﺑﺪﺃه رعاية نفسه، و تهذيب خلقه، ليكون نموذجا صالحا بين الناس، كي يكون بمقدوره قيادة غيره للنفع العام، و ليكون ﺃﻗﺪﺭ على زرع الخير بين الناس، أما إذا عجز في مهمة قيادة نفسه ؛ فيسكون في قيادة غيره أعجز ، بل سيكون مشروعه يحمل الخيبات و الفشل و هو الحاصل في حياتنا ، فقدان القيادات القدوة ي مشاريعنا الحياتية .
ﻭﻗﺪ ﻗﺎﻝ ﺑﻌﺾ اﻟﺤﻜﻤﺎء القدامى حكمة بليغة ما أحوجنا للأخذ بها ( ﻣﻦ ﺑﺪﺃ ﺑﺴﻴﺎﺳﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﺃﺩﺭﻙ ﺳﻴﺎﺳﺔ اﻟﻨﺎﺱ)
ﻭﻗﺪ ﻗﻴﻞ ﻓﻲ مأثور المواعظ و الحكم( ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﻟﻠﻌﺎﻗﻞ ﺃﻥ ﻳﻄﻠﺐ ﻃﺎﻋﺔ ﻏﻴﺮﻩ ﻭﻃﺎﻋﺔ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻤﺘﻨﻌﺔ ﻋﻠﻴﻪ)
ﻗﺎﻝ اﻟﺸﺎﻋﺮ
(ﺃﺗﻄﻤﻊ ﺃﻥ ﻳﻄﻴﻌﻚ ﻗﻠﺐ ﺳﻌﺪﻯ … ﺗﺰﻋﻢ ﺃﻥ ﻗﻠﺒﻚ ﻗﺪ ﻋﺼﺎﻛﺎ)
فلنحذر الغفلة ، فنهمل إصلاح أنفسنا ، ثم نخرج للناس نقدم لهم الدروس و المواعظ ، و نحن أحوج ما نكون لتلك الدروس و تلك المواعظ ، فلا يغرنا حسن ﻇﻦ الناس بنا فنغفل ﺃﺧﻼﻗنا .
و في الختام أسوق لكم هذه الفائدة التربوية ليتعلم منها المدرسون و الأساتذة و المربون أهمية القدوة في حياة الأمة ، و أن حاجتنا للقدوة ملحة فلنقرأها بتمعن و فقه
أوصى أحد السلف معلم ولده قائلاً: “لتكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك، فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما صنعت، والقبيح عندهم ما تركت”.
نسأل الله أن ينفعني و أحبابي بما كتبت، و أن تكون لي صدقة جارية ، لمن رباني و أحسن تربيتي و تهذيبي .
الأستاذ حشاني زغيدي