أحوال عربية

جنين …….وحرب الإنهاك المستمرة

راسم عبيدات
يبدو أنه من بعد عملية ” نفق الحرية” في أيلول من العام الماضي التي نفذها ستة من الأبطال الأسرى الفلسطينيين،بتحرير أنفسهم من سجن “جلبوع” أكثر سجون الإحتلال أمناً وتحصيناً، السجن المعروف باسم ” الخزنة،ورغم اعادة اعتقالهم ،ولكن تلك العملية اصابت منظومة الأمن الإسرائيلي بعطب في عصبها الرئيسي،وقالت بأنه من السهل اختراقها وتحطيم الهالة الكبيرة التي تسبغها على نفسها.
الإحتلال الإسرائيلي بمستوياته القيادية العسكرية والسياسية واجهزته الأمنية،وضعوا خطط ذات أبعاد استراتيجية،لمنع الفلسطينيين وبالذات في جنين من استعادة وعيهم،والذهاب نحو خيار ا ل م ق ا و م ة كطريق مجدي في سبيل نيل حريتهم وإستقلالهم واستعادة حقوقهم،وتلك الخطة قامت على أساس خوض حرب انهاك بلا توقف ضد بؤر ا ل م ق ا و م ة في جنين،ومنع إقامة وبناء بنية وقواعد تنظيمية في جنين ومخيمها،من شأنها أن تشكل خطر مباشر على عمق دولة الاحتلال،فجنين لا تبعد سوى بضع كيلو مترات عن مدن الداخل الفلسطيني- 48- ،وكذلك اخراج جنين ومخيمها من تحت سيطرة الإحتلال وسيطرة أجهزة امن السلطة ،يجعل جنين نموذجاً يقترب من نموذج قطاع غزة،وتصبح ” غزة الصغرى”…ولذلك رأينا عمليات اقتحام شبه يومية لجنين ومخيمها …تنفذ فيها عمليات قاسية من اغتيالات وتصفيات بحق نشطاء م ق ا و م ي ن وعمليات اعتقال بحق اسرى محررين ونشطاء محسوبين على الفصائل او غير منتمين …وترافقت تلك العمليات المتسعة والمستمرة،مع إطلاق ما يسمى بعملية “جز العشب” ،عمليات وقائية تستهدف الإغتيالات والتصفيات والإعتقالات،لمن يشتبه بهم او يعرفون على أنهم ب” القنبلة الموقوته” أو “ذئاب منفردة” وأجهزة امن الاحتلال ومخابراته،تدرك بأن تلك العمليات يصعب كشفها من حيث التهيئة والإعداد والتخطيط والتنفيذ،والإحتلال بضغطه واستنزافه المستمرين لجنين ومخيمها والتي قدمت منذ بداية العام الpالي 22 شه ي د اً، يريد أن يستفرد بها لكي يتمكن من اخماد جذوة نضالها و م ق ا و م ت ه ا ،لكي لا تتحول الى أنموذج ومثال يحتذى به في بقية المناطق،او تصبح عنوان ل م ق ا و م ة شاملة تطال كامل مساحة فلسطين التاريخية، المحتل يسعى دوماً الى خوض حروبه مع كل ساحة لوحدها وبشكل منفرد،لكي يتمكن من السيطرة عليها،ومنع امتداد نتائج وتداعيات المواجهات فيها الى ساحات اخرى ….والهجمة الواسعة على جنين ومخيمها تكثفت،بعد عمليتي ا ل ش ه ي د ي ن ضياء حمارشة الذي جرى هدم بيته أمس الأربعاء وسقط في مواجهات التصدي لهدمه ا ل ش ه ي د بلال كبها وأصيب العديد من المواطنين و ا ل م ق ا و م ي ن بالرصاص الحي…وكذلك هدم بيت ا ل ش ه ي د رعد حازم …..حمارشه منفذ عملية الخضيرة والرعد منفذ عملية شارع ديزنكوف – تل ابيب،وكلتيهما عمليتين أدمتا الإحتلال بشرياً وحفرتا عميقاً في جبهته الداخلية،من حيث فقدان الأمن والأمان ،ورسم علامات استفهام على مستقبل دولة الإحتلال ….هي حرب ستتواصل بشكل كثيف على جنين ومخيمها ،لكي لا تشكل جنين العنوان والنموذج …في وقت انتقلت إرهاصات تلك ا ل م ق ا و م ة الى نابلس،حيث تشكلت كتيبة جنين ….الحرب على جنين ومخيمها ستتكثف وستصل حد السُعار،بعد ما استطاع الإحتلال تحقيقه من ” “إنتصار” في معركة ما عرف بمسيرة الأعلام والإستباحة والعربدة في المسجد الأقصى وفرض الوقائع الجديدة فيه،يوم الأحد 29 /5/2022،تلك الهجمة المسعورة التي توحدت خلفها كل المكونات الحزبية الإسرائيلية،وحشدت من أجل إنجاحها اكثر من خمسة ألآلاف عنصر من الشرطة وحرس الحدود،لكي تؤمن الحماية لعشرات الألآف من المستوطنين المتطرفين،الذين تم حشدهم للمشاركة في هذه المسيرة واقتحام وإستباحة الأقصى،ورأينا مدى الحقد والعنصرية عند هؤلاء المتطرفين، الذين لم يكتفوا بممارسة العربدة والزعرنة والإعتداء على المواطنين الفلسطينيين،بل ما نضحت به حناجرهم وأصواتهم من عبارات مغرقة في العنصرية والتطرف مثل ” الموت للعرب” و”محمد مات” و”شيرين ماتت” و”شعفاط تحترق” وغيرها من العبارات العنصرية.
ولا أظن بأن من لم يتدخلوا لنصرة القدس والأقصى ورفعوا من سقف تهديداتهم ووضعوا الخطوط الحمراء،وكان خطابهم الإعلامي عالي السقوف ولقاءاتهم المتلفزة،توحي بأن التدخل حاصل لا محالة،ولكن حدث ما حدث وهي هزيمة وانكسار واخفاق في ظل صراع مستمر ومحتدم منذ مئة عام،ولكن هناك نقاط مضيئة فيها انجازات وانتصارات والخط البياني صعوداً ويقربنا من تحقيق أهدافنا ونيل حريتنا واستقلالنا ….نحن ندرك جيداً بأن الذي مارسوا كل الضغوط على الغرفة المشتركة وفصائل ا ل م ق ا و م ة في غزة من القاهرة للدوحة فأنقرة ،هم الذين تعهدوا من بعد معركة “سيف القدس” في قضايا رفع الحصار واعادة الإعمار وحل ملفي الأسرى والقدس …ولكن تلك الوعود والتعهدات بقيت حبراً على ورق ولم ينفذ شيء منها،وكذلك هي تلك التعهدات التي قدمت لمنع الرد على ما عرف بمسيرة الأعلام واستباحة الأقصى يوم الأحد 29/5/2022 .
وحتى لا تفقد “معركة ” سيف القدس” زخمها ،والتحولات الإيجابية التي حصلت كنتاج لها،والتي ندرك أنها لم تصل الى حد التغير الجذري في ميزان القوى،ولكنها نجحت في إيجاد حالة من الوحدة السياسية ما بين قطاع غزة والقدس،وقالت بوحدة المسار والمصير،ووحدت كل الساحات الفلسطينية،القدس،الضفة الغربية،الداخل الفلسطيني -48- وقطاع غزة،ضمن ساحة مواجهة واحدة،في معركة مفتوحة مع المحتل،عنوانها ” القدس والأقصى،واعادت للفلسطيني وعيه،التي حاول المحتل استلابه “وكيه” و”تطويعه” و”صهره” و” تجريفه” على مدى 74 عاماً،ولتأتي معركة ” سيف القدس” لتقول بفشل كبير للمحتل في دمج وتذويب شعبنا في المجتمع الإسرائيلي،وتخليه عن أرضه وحقوقه وهويته وكينونته.
ولذلك استخلاص الدروس والعبر وعدم الركون الى تعهدات زائفة من قبل الأنظمة الرسمية العربية المهرولة للتطبيع مع دولة الكيان ونسج التحالفات الأمنية والعسكرية الإستراتيجية معها،وبما يشمل حتى تبني الرواية الصهيونية من مسألة الصراع والحقوق الفلسطينية مع دولة الاحتلال ،وهنا اود ان ادلل على ذلك في احد الإستخلاصات التي خلصت اليها دولة الاحتلال أمنياً في تقييمها لنتائج ما يعرف بمسيرة أو رقصة الأعلام وإستباحة المسجد الأقصى،ننقل هذا البند عن الدور المصري الخادم لهم ولمصلحتهم.
لم ينسَ هؤلاء أن يشكروا للجانب المصري الذي سهّل مهمتهم، فقالوا: “إلى جانب التهديدات، وفي الكواليس، عمل وسطاء مصريون طوال الوقت في محاولة مستمرّة منهم لتهدئة ا ل م ق اوم ة”. فأيّ هدية تقدّمها الاستخبارات المصرية إلى “إسرائيل” لكي تُحكم قبضتها على القدس والمقدسات؟! وهي ليست المرة الأولى. وهل الاستخبارات المصرية هي أول جهة عربية تعاونت مع ا ل ص ه ي ون ية على الشعب الفلسطيني؟
ولذلك من الهام جداً القيام بعملية مراجعة وتقييم وإستخلاص الدروس والعبر،ويجب تمثل المثل القائل” اللي بجرب المجرب عقله مخرب”.
فلسطين – القدس المحتلة
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى