ثقافة

الخليفة المنتصر بالله!!

د. صادق السامرائي
محمد أبو جعفر (أبو عبدلله)  بن المتوكل بن المعتصم بن الرشيد (222 – 248) هجرية، حكم أقل من سنة، ويُذكر أقل من ستة أشهر (247 – 248)، وتولى الخلافة في عمر (25 – 26).
أمه أم ولد رومية إسمها (حبشية).
وما أن بويع بالخلافة بعد مقتل المتوكل الذي أتهم بقتله، حتى خلع أخويه المعتز والمؤيد من ولاية العهد وأودعهما سجن الجوسق قي سامراء.
المنتصر بالله تآمر مع الأتراك فقتل أباه، ويُقال أن المتوكل كان عازما على قتله لعدم تنازله عن الخلافة للمعتز بالله، فاستغل الأتراك الوقيعة بين الإبن وأبيه، فشجعوه على قتل أبيه قبل أن يقتله، وربما يكون للشاعر البحتري دور في إفشاء نية الأب تجاه إبنه، لأنه نديم المتوكل ومسامره.
وأنجبه المتوكل وهو في عمر (16) وعهد له بالولاية فيما بعد، لكنه وجد أن في المعتز بالله مزايا قيادية وذكاء ينفع الدولة أكثر منه، فحاول إقناعه بالتنازل عن ولاية العهد فأبى، ومضى يوبخه ويهينه في مجالسه، حتى تراكمت عنده المشاعر السلبية ضد أبيه، وقد أثرت على سلوكه وآليات تفكيره، وملأته حقدا على أخيه، وشحنته بطاقات إنتقامية تجاه والده وأخويه في ولاية العهد.
فالمتوكل إرتكب ذات الخطيئة التي إرتكبها هارون الرشيد، وتسببت بتداعيات قاسية، بل ربما كان لها دور في موت الرشيد، الذي من المحتمل أنه قتل ببطئ، والمتوكل قتل بالسيف اليماني الذي إشتراه، من المفترض أن يحميه.
فالمنتصر بالله كان حاقدا، إنتقامي النوازع، عدوانيا، كارها لأبيه، ونافرا من أخويه، وميال للإستعانة بالغريب على أبيه وأخوته، فوقع في الفخ الذي نُصِبَ له.
وحاول التغطية على مساوئه النفسية، بأن أظهر الرحمة، وعاكس ما كان في عهد المتوكل، لكنه وفي لحظة ما إستيقظ ضميره وراح يعذبه وينكل به، فانفجر بوجه الذين ورطوه بقتل أبيه، فقتلوه.
وهذه نهاية مَن يتجرأ على أفعال متهورة وبمعاونة الطامعين فيه.
“يا أماه ذهبت مني الدنيا والآخرة، عاجلت أبي فعوجلت”
يُتّهم طبيبه (إبن طيفون) بقتله، لأنه قد فصده بريشة مسمومة.
والمشكلة التي تواجه دراسة شخصيات الخلفاء أنهم أولاد جواري لا يُعرف عن تأريخهن العائلي كثيرا، وهل لديهن أمراض نفسية وعقلية وغيرها، وأمه رومية، وما تحمله من موروثات مجهولة، ولو أنها أم ولد لكن الولد مجهول أيضا.
فسلوك الخلفاء في هذه الحالة يكون معقدا، وما فيهم من موروثات تتحكم بهم وترسم خرائط سلوكهم، وإن توفرت لهم التربية في قصور الخلفاء، ومن قبل فقهاء وعلماء ومؤدبين مشهورين.
فالإقدام على قتل الأب يشير إلى عاهات سلوكية كامنة في أعماق الإبن القاتل، ولربما لعقدة الأب دورها، لكن الواضح أن الصراع قد نشب بين الأب وإبنه على مسألة الخلافة والهيمنة والسيطرة، ولم يجد الإبن حلا لها إلا بقتل والده، والذي إنتهى بقتله بعد بضعة أشهر.
ويبدو أن المنتصر بالله كان في حالة إنفعالية شديدة ويأس، وشعور بالإنكسار والمهانة والذل والإمتهان، مما أجج فيه المشاعر العدوانية التي إستثمر فيها أعداؤه وأعداء أبيه، وضربوهما ببعضهما وتخلصا منهما، وإنطلقوا يتحكمون بالخلافة من بعدهما.
د. صادق السامرائي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى