ثقافة

حداثة اللاعقلانيين العرب

شدري معمر علي
انبهار بعض المفكرين بالغرب و بحضارات أخرى ليس وليد اليوم، فلا نستغرب من الحداثيين الذين يبشروننا بمشروع تنويري يخرجنا من المأزق التاريخي الذي نعيشه

وإذا سألتهم: ما هومشروعهم الحداثي الذي يأخذنا إلى الضفة الأخرى؟ سيخرجون عليك برابطة العقلانيين العرب تضم الصادق جلال العظم وجورج طرابيشي ورجاء بن سلامة وعزيز العظمة ومحمد عبد المطلب الهوني وماذا يريد العقلانيون العرب من وراء هذه الرابطة؟ ما هي فلسفتهم؟

(إنهم يدعون إلى إعادة الإعتبار للثقافة النقدية وإلى مجتمع بديل متحرر من تديين السياسة وتسييس الدين و منعتق من العموميات الإيديولوجية اللاعقلانية التي تذيب القضايا

جميعها في شعارات دينية عامة مثل ” الدولة الإسلامية ” و” المجتمع المسلم ” و” الإقتصاد الإسلامي ” وهي كلها على مبعدة شاسعة من روح العصر وأفكاره وقيمه)

أهذا كلام العقلانيين؟ تمعنت فيه من كل الجوانب فوجدته أبعد ما يكون عن العقل والمنطق السليم والحقيقة التاريخية، في الوقت الذي يقبل خيرة أبناء أوربا على الإسلام، بل فلاسفة كبار يشيدون بعظمته ويتنبؤون بسقوط العلمانية، فالحداثة عرت الإنسان من كل القيم النبيلة و جعلته عبدا لشهواته، أيريد العقلانيون من مجتمعاتهم أن تبيح الشذوذ وتدعو إلى الزواج المثلي

حتى تتقدم و تلحق بالغرب ؟

هل المشكلة في الإسلام أم في المسلمين الذين ابتعدوا عن منهج الإسلام و جوهره؟

بدأ الإسلام بالعلم ” اقرأ ” ولا أظنهم يجهلون التراث الخالد للمسلمين في مجال العلم فأي سلطة ” قروسطية ” يتحدثون عنها، في القرون الوسطى كنا في أوج حضارتنا، غيرنا كان يسبح في ظلمات الجهل .

العقلانيون العرب أشبه بعمرو بن لحي الذي أعتبره أول حداثي عربي قبل مجيء الإسلام منبهر بغيره يأتي بنموذج الآخر ليبشر به في الجزيرة العربية .

جاء في فقه السيرة للدكتور محمد سعيد رمضان البوطي :

” وروى ابن هشام كيفية ادخال عمرو بن لحي هذا عبادة الأصنام في العرب فقال : خرج عمرو بن لحي من مكة إلى الشام في بعض أموره فلما قدم (مآب) من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق وهم ولد عملاق ويقال عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون؟

قالوا له : هذه الأصنام نعبدها نستمطرها فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا فقال لهم : أفلا تعطونني منها صنما فأسيربه إلى أرض العرب فيعبدوه ؟

فأعطوه صنما يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه و أمر الناس بعبادته و تعظيمه لهذا قال الرسول “صلى الله عليه وسلم ” لأكثم بن جون الخزاعي :

“يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك ولا بك منه “

فهذا العربي المولع بتقليد الغالب جاء بصنم ليغير معتقد أمته، أليس بعض مفكرينا أشبه به، يذهبون إلى الغرب فينبهرون بفلسفات و إيديولوجيات و يأتون بأصنام فكرية ليبشروا بها أبناء بلدهم و بعد عقود يظهر فشلها .

لو تكلم زعيم عربي مثل: “محمد بن راشد آل مكتوم ” عن العقلانية لكان كلامه منطقيا لأنه رجل مسلم عقلاني، استطاع أن يستثمر المال في بناء صروح عظيمة وتحويل الصحراء القاحلة إلى أرض الأحلام، لو تكلم أيضا “أحمد زويل” عن العقلانية لصدقناه، فالرجل متحصل على جائزة نوبل ومتشبع بفكر أمته، أما هؤلاء اللاعقلانيون العرب ومن عاصمة الجن وبعد خريف العمر يكشفون عن إفلاسهم الحضاري، يرددون ما جاء به طه حسين في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” يعيدوننا إلى بدايات التغريب و الذوبان في الآخر، إنها حداثة اللاعقلانيين العرب .

*الكاتب : شدري معمر علي *

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى