رأي

الذكاء الإصطناعي وإنتخاب الأغبياء

 
رُبما أرتبط أسم الذكاء الإصطناعي بروبوتات خارقة أو أجهزة متطورة جداً قد نَصل لها بعد بضع مئات أو آلاف السنين في حالة لم تقم البشريّة بإفناء نفسها, ولكن الحقيقة هي أنّ الذكاء الإصطناعي هو موجود ومُستخدم بصورة كبيرة الآن, وليس فقط من قبل الصناعة والبحوث وإنما من قبل الحكومات والمنظمات التي تمتلك السلطة والقوّة السياسيّة في عالمنا الحالي.
وكُنا قد تطرّقنا في مقالة سابقة (مصدر١) إلى أنّ الحُكّام والأنظمة السياسيّة المُختلفة في العصور القديمة, كانوا قد أستعملوا الديانات لغرض السيطرة على الشعوب وتركيعها, وفي عصر الثورة الصناعيّة وما تلاه إنتقلت القوّة للسيطرة على الشعوب من تسخير الأنظمة المَلَكيّة والتبعيّة المُباشرة للعوائل الحاكمة, إلى الأحزاب السياسيّة ذات الولاءات المُختلفة.
وأمّا في العصر الحَديث وهو عصر تكنولوجيا المعلومات, فقد رَبَطَت جميع الناس والشعوب مع بعضها, وأصبحت حُريّة المعلومات أمراً لابديل عنه, وبالتالي تحوّلت المُنظّمات المُهيمنة إلى أنظمة عالميّة وخرجت من نطاق الحدود الجغرافيّة للدول التي تحتضنها, وهذا يحتاج إلى وسائل حديثة تستطيع معها تلك المُنظمات من السيطرة على شعوب العالم أجمع.
 
مُنذ قديم الزمان كانت الأنظمة الإستعماريّة, تعتمد على زَرع الخَونَة والعُملاء المُباشرين في الدول ودعمهم لكي يستطيعوا أن يُصبحوا ذوي نفوذ في دولهم, وبعد ذلك يبدأون بتنفيذ خُطط الأعداء للإستحواذ على خيرات تلك البُلدان وحكمها خارجياً وهذا يُسمّى بحكومة الدُمى, ولكن هذا الموضوع قد أصبح من الماضي وهو غير مُجدي إلا في حالة الدول المُحتلّة بصورة مُباشرة, كما هو حال العراق الآن حيثُ يقول فيه السياسيون بصورة علنيّة بأنهم دُمى للدول الخارجيّة مثل إيران وأميركا (إسرائيل).
أنّ أدوات العصر الحديث للسيطرة على جميع شعوب الأرض, هي تعتمد على خوارزميات الذكاء الإصطناعي, وهو الذي يُمكن تسخيره لمعرفة كامل تفكير الأشخاص ودراسة نفسياتهم وبالتالي معرفة ردود أفعالهم مُسبقاً, وحيث وفّرت التقنيات الحاليّة إمكانيّة مُحاكاة العقل البشري عبر ربط مجموعة من الحواسيب الفائقة لتكون مثل الشبكات العصبيّة للدماغ البشري “Artificial neural network”, وهي ذات ذكاء قابل للتعلُّم بصورة مُستقلّة عن طريقة البرمجة المُباشرة والتي كانت مُعتَمَدَة سابقاً, ولهذا فقد وَصَلَ هذا الذكاء الإصطناعي المُعتمد في الدول المُهيمنة حاليّا على العالم, إلى دقّة عالية جداً تُمكنه من إعطاء معلومات مُباشرة عن ردود أفعال أي من البشر, فكانوا يستطيعون معرفة قرار صدام حسين بعدم الخروج من الكويت قبل أن يقوله, وهذا لأنهم دَرسوا نفسيّته جيداً عبر دراسات سابقة ومُقابلات كثيرة سَبَقت حرب الخليج الأولى, ولو كان قد انسحب فأن لديهم البديل للتعامل مع الوضع وبما يضمن الوصول لنفس الهدف. وبالتالي فلا يستطيع أي فرد مُنفصل من إخفاء نواياه وردود أفعاله مهما بَلَغَ من الذكاء, ولكن الدول المتقدّمة تستطيع ذلك عبر مؤسسات إستخباريّة ذات تقنيّة عالية, وهي أيضاً تستعمل الذكاء المؤسساتي بالإضافة للذكاء الإصطناعي للتمويه على قراراتها السياسيّة وعلى عدم إعطاء فُرصة لمعرفة نواياها وردودها مُسبقاً.
أنّ أهم وسيلة يَعتمدها الذكاء الإصطناعي لكي يكون قادراً على أداء مهامه, هي التَعلُّم عبر دراسة معلومات جميع الأشخاص, وهُنا أتت أهميّة وسائل التواصل الإجتماعي والأجهزة الذكيّة المُرتبطة بالإنترنت مثل الهواتف والحواسيب وكاميرات المُراقبة العامّة والخاصّة والتلفزيونات وحتى السيارات قريباً, وحيث تستطيع هذه الأجهزة من تسجيل جميع بياناتنا البايولوجيّة والنفسيّة وردود أفعالنا الآنيّة والمُستقبليّة.
فعلى سبيل المثال تقوم وسائل التواصل بعرض مجموعة كبيرة من الإعلانات والصور والمعلومات بنفس الصفحة, وتقوم بعدها بتسجيل رد فعلنا على كُل جزء في جميع الأوقات عبر التفاعل معها أو عبر أجهزة مُتعددة مثل الكاميرات التي تتبع حركات العين, وبعد ذلك تُكرر تلك الموضوعات بصورة مختلفة وأيضاً تُسجل ردود الأفعال وهذا يُطوّر معرفتها بنا, ولغاية أن تستطيع التنبؤ بردود الأفعال وبأحتياجاتنا بصورة أدق حتى من معرفتنا نحن بنفسنا.
ورُبما يتسائل البعض عن أهميّة بيانات الفيس بك وغوغل والألعاب الإلكترونيّة وغيرها, ولكنها اليوم تتربّع على عرش تلك المُنظمات العالميّة التي تمتلك الأصول والمصادر في مُعظم دول العالم ونسبتها لاتتعدى 1% من سُكّان العالم (مصدر٢).
وحيث توفّر البيانات التي تُجمع عن الأشخاص وعن شعوب الأرض جميعها وسيلة معرفة نقاط الضُعف في المُجتمعات وكيفية التأثير عليها, وكذلك كيفية التلاعُب بالسياسيين والمؤسسات والأنظمة الحاكمة في دول العالم, ولكي يتم برمجة ردود أفعالهم بصورة تُحقق النتائج المطلوبة منهم, وهُم لايعرفون طبعاً بأنه يتم تلقينهم ودعمهم خارجياً, عبر أمبراطوريات الإعلام والإقتصاد العالمي والأيادي الخفيّة التي تُسيطر عليهما تلك المُنظمات (مصدر٣). وهذا طبعاً هو السبب الذي يدعو تلك المؤسسات إلى جعل الإنترنت رخيصاً جداً وتقديمه للدول الأشد فقراً في إفريقيا مجاناً, فذلك لغرض دراستهم والسيطرة عليهم, وليس لأنهم ذوي توجهات إنسانيّة!
ومن هُنا نُلاحظ السبب الذي يبقى به أمراء الحرب والقيادات الغبيّة, ضمن دائرة النفوذ والتأثير في مُجتمعات الدول النامية, فليسوا جميعهم عُملاء مُباشرون وإنما يجري دعمهم خارجياً بصورة غير محسوسة, وكذلك يفوز الناس الإقل ذكاء في الإنتخابات لتلك البُلدان, في حالة وجود إنتخابات حقيقيّة أصلاً! وطبعاً تحرُص تلك المُنظمات على نشر مواضيع التخلّف والإلهاء وتشتيتت الإنتباه نحو مواضيع تافهة وجعلها تحتل الصدارة في تلك المُجتمعات, وهذا يُساعد بقبول العُملاء الأغبياء كحُكّام أمر واقع.
وكذلك تقوم بوضع حلقات مُختلفة من توازنات القوى في تلك الدول, ولكي يتم الإستفادة منها بضربها ببعضها البعض عند الحاجة وفي الوقت المُناسب, وعلى العكس من ذلك فأنّ دولاً متطوّرة وذات قيادة مركزيّة مثل روسيا أو الصين بتمثيل مُشكلة لهم, ولأن تلك الطُرق لاتنفع معهم.
وعلى سبيل المثال نُلاحظ البدء بمُخطط تقسيم العراق, مُنذُ تولي الصهيوني بايدن للرئاسة الأمريكيّة, وحيث بدأ الإعلام والنفوذ الخارجي بأستقطاب المُجتمع العراقي نحو قيادات قوميّة ودينيّة مُتصارعة وسوف تعقبها صدامات وكوارث تقوم بها الأذرع العسكريّة الخارجيّة مثل الميليشيات العقائديّة أو المجموعات المُستعربة (جيوش خارجيّة تُخفي هويتها), وبعد ذلك يبدأ الإعلام بتسليط الضوء على المُشكلة وحشد تأييد عالمي, ومن ثُم يقومون بتقديم الحل عبر تقسيم العراق, وهذا هدف إستراتيجي يضمن خلق دول هامشيّة وتابعة لاتُشكّل تهديداً للسُلطة الخارجيّة المُحتلّة, وكذلك يضمن السيطرة على مصادر البلد إلى أمد غير معلوم.
المهندس سِنان سامْي الجادِر
ماجستير الهندسة الكهرومغناطيسيّة /جامعة الدانمارك

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى