مجتمع

تجربة الموت

حنان بديع
كاتبة وشاعرة

نتمنى أن يظل وجودنا خالداً حتى بعد أن نموت وأن نترك الآخرون يتذكروننا بعد أن نمضي إلى العدم، وأن نترك على رصيف الحياة شيئا ما؛ ككتاب أو أغنية أو سيرتنا الذاتية أو شيئ من هذا القبيل، ماذا لو تركنا أبناء يمررون ما تبقى من جيناتنا للجيل الذي يليه؟
لكن ذلك قد يبدو فاقداً للمعنى، ما دمنا لن نستشعر ما يمكن أن يحدث ويحرك مشاعرنا بعد أن نغيب، ماذا سنستفيد بعد أن نصير مجرد ذكرى على حافة الحياة؟
الموت أمر لا مفر منه مهما طال بنا الزمن، ولكن المجتمعات الحديثة غالباً ما تتهرب من ذكر الموت، بل وحتى تتجاهله. الأمر الذي دفع الصحفي الألماني رولاند شولتس في كتابه “هكذا نموت” إلى تناول هذه القضية التي نادراً ما تحظى بما تستحق من اهتمام، لكنه لم يجب عن السؤآال الفلسفي الأكثر الحاحاً، لماذا هذا يموت وذلك الذي لديه كل أسباب الموت لا يموت؟، غموض الموت جعله يحتل حيزاً كبيراً من تفكير البشرية وانشغلت به مختلف الثّقافات والحضارات على مدى العصور، وما توصل اليه العارفون أن الموت كالولادة فمتى ما استطعت ان تجيب لماذا ولدت بين هؤلاء القوم وهذين الأبوين وعلى هذه الأرض واللغة وذلك الدين سوف تجيب لماذا أموت اليوم وليس غداً وبهذه الأسباب وتلك الطريقة؟
والاعتقاد السائد بأن عملية الموت تؤدي إلى شعور غريب وأنها تجربة مرعبة ليس صحيح تمامًا. إذ بمجرد أن يموت المرء بالفعل، فإنه لا يشعر بأي شيء على الإطلاق؛ فليس هنالك “أنت” كي تمارس الشعور.
لكن تجارب ما بعد الموت تبقى هي النافذة الوحيدة لمعرفة أسراره، هل هي مجرد تخيلات أم لغز لم يتمكن العلم بعد من فك طلاسمه، هذه التجارب تصب كلها في خانة تجربة الموت الوشيك أو “الاقتراب من الموت”، أما ماذا نعرف عنها؟ القليل لكنه يكفي ليدعم فكرة الإيمان بحياة أخرى بعد الموت.
هي تجربة تعبر عن مجموعة من “الرؤى والأحاسيس” بعد موت سريري أو غيبوبة متقدمة. ومن بينها الإحساس “بالانفصال عن الجسد” ورؤية كاملة لشريط الحياة الماضية، ثم الدخول في “نفق يُفضي إلى ضوء ناصع والشعور بحب دائم وسلام أبدي، وآخر ما توصل إليه العلم بهذا الشأن هو أن وعينا وإدراكنا لا يموتان مع موت الجسد والدماغ، ليس فورًا على الأقل وإننا بعد الموت نمتلك الوعي والإدراك، نعرف من نحن، ندرك أفكارنا ومشاعرنا وعواطفنا وكياننا، إذ من الواضح أن الموت لا يقضي على الوعي فوراً بعد تخطي عتبة الوفاة، بل يستمر في العمل ولا يتبدّد، لكن كم من الوقت؟ لا نعرف ويستمر العلماء في البحث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى